فبراير أشعلها الشباب الطموح بالتغيير السلمي، ووأدها الانتهازيون،وغاب عنها الحكماء

مكرم العزب
الخميس ، ١٠ فبراير ٢٠٢٢ الساعة ٠٩:١٢ مساءً

لا أحد ينكر أو يزايد على حقيقة أن الشباب اليمني الطموح بالتغيير السلمي للحكم في اليمن رفع شعاراته المطالبة برحيل النظام مقلدا ومتأثرا بما حصل في تونس ومصر،وخرج شباب اليمن في البداية بعفوية البوعزيزي في تونس مطالبا بالتغيير،ورافعا شعار السلمية،ولم تكن للقوى السياسية الموجودة بمسمياتها أي دور في التخطيط او التنفيذ لثورة الشباب،بل كانت كل المكونات السياسية الموجودة على صلة مستمرةبالنظام بشكل مباشر أو غير مباشر،وكانت تلك الأحزاب تعلن تبرأها من تجمهرالشباب في المدن والساحات،ولم تتبنى مطالبهم في بيانات رسمية،حتى بدأ السفير الأمريكي وسفراء بعض الدول العربية في صنعاء بالاجتماعات  مع بعض القيادات الشابة وبدات الأموال تأتي من هنا وهناك،فانخرط السياسيون الانتهازيون وخصوصا أولئك  الفاسدون من المشاركين بالفساد طيلة أكثر من ثلاثة عقود،وبشكل ممنهج ومنظم  بدات مسيرة السيطرة على المنصات والساحات،ومن ثم تم ترويض او تهميش أو تهديد بعض الشباب،وفتحت سجون الفرقة الأولى مدرع ليتم الزج ببعض الشباب اليساري وتهديد بعضهم أو الترغيب لبعضهم بمنحهم مواقع قيادية أتضح فيما بعد أنها مواقع قيادية وهمية،ولم يمكنوا من أي دور فيما بعد.

 

كانت بداية سيطرة الانتهازيين في جمعة الكرامة،حيث تم صناعة المآساة وقتل الشباب بنيران القناصة التابعين لمكون عسكري استفاد من هذه الاحداث ليعيد صناعة نفسه ،بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من موته السياسي والعسكري ،ومن ثم استطاع الانتهازيون وأصحاب سوابق الفساد استغلال ذلك الحدث لتأجيج مشاعر الجماهير وكسب عاطفة شريحة كبيرة من المواطنين،وباستخدام كل اساليب المكر والخداع استطاع الانتهازيون والفاسدون أن يكسبوا مشاعر وعواطف الناس،وبالتالي اتسعت رقعة الاحتجاجات في المحافظات الشمالية وهي مناطق نفوذ للمكون الرئيس المسؤول عن تلك الاحداث وحلفائه في المؤسسة العسكرية،بينما كانت أغلب جماهير المحافظات الجنوبية متحفظون على تلك الاحداث،وينظرون لها بانها شأن  خاص بخلافات أركان السلطة المتحالفة والتي شنت على الجنوب حرب 1994م.

 

كان خروج الشباب الثائر في البداية عفويا،واغلبهم من الشباب اليساري ومن الأسر الفقيرة جدا والتي عانت كثيرا من التهميش والافقار وشاهدنا فيما بعد الكثير من مشاهد الزج بهم للواجهة لمواجهات قوات الشرطة وبعض الأحيان كانت تؤدي دور القتل لهم قوى أخرى  غير الشرطة، لترتكب جرائم القتل، وكان يهم القيادات الانتهازية سقوط المزيد من الضحايا يوميا، وسمعنا صراخ تلك القيادات وهي تصيح عبر المكبرات :" كلما زدنا شهيد أهتز عرشك يا علي"

 

 لم يدم نبض الثورة الشبابية  السلمية عام 2011م بضع أيام حتى استطاع الانتهازيون من رموز النظام أن يؤودوها ويحولها إلى تصفية حسابات مع النظام فغاب فعل العقلاء والحكماء،الذين كان يمكن أن يناط بهم إدارة الحدث واستغلال تلك الاستجابة الجماهيرية لتحقيق التغيير الجذري،بالتفاهم والاحتواء لقيادات النظام،والوصول مع النظام الى حلول تحفظ للجميع ماء الوجه وتعترف بوطنيته وانتمائه لثورة ولأهداف ومبادئ ثورة سبتمبر وأكتوبر المجيدتين،لكن راينا الانتهازيين يرفعون سقف المطالب، ويرعدون بالوعد والوعيد،رافضين ما تم التوافق عليه بمنح الحصانة للرئيس السابق واسرته مما أوصل البلاد إلى التدخل الأجنبي بالشؤون اليمنية وعقد مؤتمر الحوار الوطني كأخرحل ممكن للوصول بالبلاد إلى التغيير السلمي الذي انشده الشباب،ولم تتعد مخرجات الحوار عن مجموعة اتفاقيات وتنظيرات طوباوية لا تتناسب مع الواقع الموجود وبدون أي ضمانات للتنفيذ.

بعد 12 عاما من أحداث 2011م  ومرور احداث  كثيرة مؤلمة في حياة اليمنيين  وتجارب لم نكن نتوقعها وصلنا لقناعة بأن الثورة  التي لا تسطيع ان تحمي نفسها،وتستبدل السيئ بالأسوء، كان عدمها أفضل من وجودها،وبالتالي نحتاج لمراجعات حقيقية للاحداث بداية من فبراير 2011 حتى الآن لندرك اخطائنا ولا نكررها مرة ثانية،ولنستفيد من حركة التاريخ بما يخدم القضية الوطنية.

في فبراير 2011 كان الوقت مؤاتي جدا للتغيير واحداث تغيرات جذرية في النظام  بطرق سلمية مع الحفاظ على ما تم انجازه، واخذ المحاذير من الانجرار إلى العنف والحرب التي وصلنا إليها ؛لكن غاب العقلاء والحكماء في استغلال الحدث وإدارة الأزمة بشكل صحيح ... فتدخلت القوى الخارجية ليصبح اليمن بيد لاعبين إقليمين ودوليين لا يهمهم مصالح اليمن ولا موت شعب باكمله جوعا وقتلا،بقدر ما هي مهتمة بتحقيق أهدافها واجندتها وخرج الحل من يد اليمنيين وابتعد الوطن عنا مسافات زمنية اعادتنا إلى ما قبل ثورتي سبتمبر وأكتوبر ،واصبحنا نحلم بالعودة بالوطن إلى ما قبل 2011م،ولذلك نقولها بقناعة  بأن فبراير أشعلها الشباب الطموح بالتغيير السلمي، ووأدها الانتهازيون،وغاب عنها الحكماء ...والدهر فقيه

الحجر الصحفي في زمن الحوثي