تراجع الأحزاب والدول وتقدم الميليشيات والجماعات المسلحة .. لماذا ؟

د. علي العسلي
الاثنين ، ٢٤ يناير ٢٠٢٢ الساعة ١٠:٣٧ مساءً

 من ينظر للمشهد السياسي منذ غزو العراق واسقاط نظامه الوطني والقومي، وتنصيب أخرين عام 2003م، بأناس أتو ودخلوا العراق العظيم عبر الدبابة والبيادة الامريكية؛ وبالمثل.. كذلك هو الحال منذ انطلاق الاحتجاجات عام 2005م، عقب اغتيال رئيس وزراء لبنان الشهيد / رفيق الحريري باني لبنان الحديث انقسم لبنان وتراج دوره؛ والأمر ذاته عقب انطلاق ثورات الربيع العربي عام 2011م، تأمر عليها المتآمرون؛ بعد كل مما سبق.. لم يعد لفكرة الدولة وفكرة الحياة المدنية والأحزاب وجود في معظم دولنا العربية..

 

لقد أُسقطت العراق، وضُحيّ بقائدها وزعيمها العروبي يوم عيد الأضحى المبارك، وحلّت في ربوع العراق الفوضى والتدمير وتشكلت تشكيلات لا أول لها ولا أخر.. من داعشيىة لأخرى تنمو بنمو الدا عشية تسمى الحشد الشعبي وأخواته.. وفي كل دولة يتم تدميرها تحلّ ايران (الفارسية) وأذرعها محل الدولة، محل لعروبة، ففي العراق حلت ايران واذرعها محل الدولة  وحزب البعث العربي الاشتراكي القومي والذي كان يقدم الفلسطيني واليمنين  وكل العرب على العراقي؛ فأخرج العراق من دائرة العروبة والتأثير؛ إلى أن تم اغتيال الشهيد رفيق الحريري باني لبنان الحديث؛ ودخل لبنان في صراع ومنافسة غير متكافئة بين مدنين، ومسلحين يدعون المقاومة ضد الاحتلال؛ فهزمت الدولة وأصبح الشعب اللبناني كله اسير تلك الجماعة المسلحة ومن يقف معها، وهكذا يراد إخراج لبنان من الدائرة العربية للدائرة الفارسية!

 اليوم أعلن الشيخ سعد الحريري عن اعتزاله السياسة، وعدم تمثيل تيار المستقبل في الترشح للانتخابات المقبلة، وطالب عائلته في المستقبل الفعل ذاته!؛ هذا الإحباط الذي عبّر عنه الشيخ الحريري، يعبر عن العجز في مواجهة الحريري المسلح ببرامج ومشاريع استثمارية، أمام حزب الله المسلح بمائة ألف عنصر مقاتل، وبعشرات الألاف من الصواريخ، وبمسيرات لا تحصى ولا تعد!

وجاءت ثورات الربيع العربي فأخرجت ليبيا واليمن وكثير الدول من دائرة التأثير، بل وأفنيت الدولة، فحلت الفوضى في ليبيا ولا تزال؛ وأنتصر الخارجون عن القانون والدستور في اليمن حتى الآن؛ وكل ذلك لصالح إيران في المنطقة!؛ ترى ما هي الأسباب أو لماذا كل هذا يحدث؟!  لا شك أن أصحاب غزوة نيويورك والبنتاجون في الــــــــ 11 من سبتمبر2001 م، ربما كانوا هم السبب الأول والأكبر فيما يجري لدولنا وأمتنا العربية!؛ كون المنفذين الأكثر منهم ينتسبون لبعض دول المنطقة؛ لقد قاموا بفعلة لم تجلب لدولهم وأمتهم سوى هذه المؤامرات وتسليم العاصمة تلو الأخرى لإيران!

ومع مرور السنين أتضح ان القاعدة و داعش هم صناعة إيرانية؛ توظفهم كيفما تشاء؟!؛ وأينما هي تحتاج، وبالذات كفزاعة للغرب من أن العرب متطرفين!؛ وهكذا أصبحت القاعدة ترفع نصيب ايران بالتعاطف بأي عملية تقوم بها واخواتها؛ إذاً إيران وأذرعها هم المستفيدون الوحيدون من القاعدة واخواتها، فلماذا لا تكون هي وراء نشأتها وعملياتها في كل بلاد العالم، وقد ظهر هذا الشيء بوضوح تام عقب هزيمة انصار ايران في العراق في الانتخابات الأخيرة؛ فطلت الداعشية برأسها من جديد!

لقد قام التحالف الدولي بقيادة أمريكا لمكافحة الإرهاب القاعدي ومن بعده الداعشي ؛ والذي تشكل عقب الاعتداء على برج التجارة العالمية بنيويورك، واستهداف كذلك وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون)،وتلك الاعمال هي أعمال  مدانة باستمرار؛ وبسبب ذلكم الحادث الاجرامي الارهابي على أمريكا، خضعت دولنا العربية لأمريكا؛ وتماهت مع كل ما يطلب منها بسبب ان جنسية الفاعلين المجنّدين ربما من إيران ينتسبون إليها!

ومرّت الأيام والسنوات.. فدخلت دولنا الباحثة عن اسباب التطور والتنمية ضمن دائرة الاستهداف؛ فكانت العراق الهدف الأول، فضرب مفاعلها النووي ثم أُتهمت، أنها تملك اسلحة محظورة فضربت لأكثر من مرّة، وفرض على العراق حصار خانق وكانت دول المنطقة المنفذ الأول لكل الإجراءات ضد العراق؛ وهكذا تسلمت إيران العراق دون أية خسائر تذكر؛  وكانت الجزائر كذلك قد أخذت بأسباب التقدم. فعطلوها بالحرب والإرهاب. فأرهقت بعشرية سوداء، بتسعينية القرن الماضي، فدخلت في موجة من القتال والصراع تعاني منها حتى الآن!

وفي 2006، وبعد اغتيال الرئيس الحريري تمكّن حزب الله من استعادة بعض أراضي لبنانية؛ فانتصر على الكيان الصهيوني. وبانتصاره سيطر على لينان والقرار فيه، وبذلك خرجت بيروت العاصمة عن الدائرة العربية (وهي اصلاً كل العروبة؟!)؛ أي سُلّمت العاصمة العربية الثانية بعد بغداد لإيران!؛ وهكذا قبلت وتقبل دول الخليج أن تتراجع عن تأثيراتها في محيطها العربي، وتحل محلها إيران الفارسية بوعي أو من دون وعي .

وبعد 2011م أُحتويت ثورات الربيع العربي من قبل دول الخليج ؛ فسلمت دمشق أيضا للمشروع الإيراني، وهكذا إلى أن وصل الدور لصنعاء، صنعاء العاصمة الرابعة سُلمت لأذناب إيران في 2014 (للحوثين)،  واستلمتها رسميا ايران ربما في 2015م ،عندما دشنت ذلكم الجسر الجوي من طهران للعاصمة صنعاء والذي مول الحوثي بما يحتاجه، ليكون ذراع متقدم لإيران ضد دول الخليج؛ ..عند مدّ ايران جسرها الجوي أدركت المملكة العربية السعودية خطورة ذلك؛ فأنشئت تحالف عربي ، به أوقفت المدّ الإيراني باليمن!؛ لكنها لم تنهيه بعد من الخارطة اليمنية؟!؛ ولربما السبب في ذلك هو ذاته الذي أضعف حلفاء المملكة بلبنان؛ مما جعل حلفاء السعودية التقليدين يعتزلون أو يعلقون عملهم في  السياسة اليوم ،ولو إلى حين!؛ وقد يحصل ذلك  في اليمن ؛ فمازالت الشرعية عاجزة عن حكم المناطق المحررة ويُراد إضعافها واضعاف مناصريها ومؤيديها لأسباب واهية، وترك العدو المشترك يتنمر على اليمنين والمنطقة، ورأيناه مؤخرا يده الإرهابية تصل لعواصم الدول الخليجية، ولا يزال يهدد وجودها بعقيدته واستراتيجياته ؟

إن تعليق الشيخ سعد الحريري مله السياسي، إضافة الى ما ساقه من مبررات، ربما يرجع لتراجع دول الخليج عن قطع علاقاتها مع لبنان، يدرك ذلك من الزيارة التي قام بها وزير خارجية الكويت للبنان مؤخراً!؛ أي عودة دول الخليج عما اتخذته من إجراءات سابقا، ربما أزعج ذلك  الشيخ الحريري، فظهر اليوم ليعبر عن امتعاضه وحنقه بالاعتزال، و الذي قد لا يقبله أنصاره في لبنان؛ لقد قام وزير خارجية الكويت لزيارة للبنان وتسليمه نقاط للدولة اللبنانية حيث طالبها  بالتشاور بشأنها واخبار الكويت بالرد، وها هو اول رد يأتي من الحريري، الذي رأى ان النقاط المطلوب الرد عليها تخدم حزب الله ولا تخدم لبنان، فأقتنع الشيخ سعد الحريري ان ايران قد تسلمت كل لبنان، واصبح قراره بيدها بعد التراجع الخليجي ؛ فاعلن الحريري تعليق عمله السياسي .. ترى هل تعي الدول العربية والخليجية على وجه خاص أسباب تراجعها وتقدم إيران "فارس" حتى لا نقول تقدم الشيعة وتراجع السنة.. برجا التقييم ومراجعة السياسات!

وأخشى ما اخشاه ان يلحق الحريري وجباري وبن دغر الرئيس هادي وباقي اركان حكمه، نتيجة للإحباط ذاته، ان يخرجوا ويعتزلون أو يقدمون استقالتهم ويبكون دمعتين كما فعل الشيخ سعد الحريري؟!؛ ترى.. لماذا تقهرون الرجال ولا تقفون مع حلفائكم أيها الخليجيون فحمايتهم حماية لعروشكم ومذاهبكم ودولكم!

الحجر الصحفي في زمن الحوثي