الحوثيون .. النشأة والفكر والحقيقة العسكرية ومصادر الدعم

عقيد ركن/ يحيى ابوحاتم
الجمعة ، ٢١ يناير ٢٠٢٢ الساعة ٠١:٠٧ صباحاً

المقدمة:

 

الحوثيون أو جماعة الحوثي ربما هي المفردة الأكثر تداولا اعلاميا بعد داعش ومن قبلها القاعدة وعلى العشر السنوات القليلة الماضي منذ تفجير أول مواجهة عسكرية بين هذه الجماعة وقوات الجيش اليمني في يونيو-2004م والتي إنتهت بمقتل زعيم الجماعة حسين بدرالدين الحوثي ، لكن الأمر الخطير في مسار هذه الجماعة هو هذا التحول الكبير الذي  حول هذه الجماعة من شأن محلي داخلي يمني بحت إلى شأن إقليمي ودولي يتعاظم كل يوم بفعل ديناميكية هذه الحركة واستراتيجية الممول والمحرك لها ممثلة بإيران.

ُولكن قبل هذا كله ينبغي لنا أولا معرفة منهم جماعة الحوثي؟وما هي أفكارهم ومعتقداتهم ومصادر القوة ونقاط الضعف لديهم؟ وهل هم بهذه القوة فعلا أم فالأمر شيء من التسطيح والإشتغال الإعلامي الدعائي؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه راصدين أفكارهم وقدراتهم العسكرية والمالية ومصادر التمويل وخارطة التواجد والانتشار لعل ذلك يسهم في تقديم صورة أكثر واقعية عن جماعة الحوثي الإرهابية. 

سأقوم في هذا الجزء برصد خارطتهم الداخلية ، بين حوثيين عقائديين ومناصرين وحلفاء وأتباع ومرتزقة. أيضا وسأقوم بالإجابة على التساؤلات التالية : ماهي طبيعة العلاقة التي تربط جماعة الحوثي بإيران ؟ وكيف علاقتهم اليوم مع أنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح ؟وما هو  الحجم الحقيقي لقوتهم العسكرية ؟ 

من هم الحوثيون؟

يقدم الحوثيون اليوم أنفسهم على أنهم لب الزيدية وممثليها الرسميين، وهي الحقيقة التي لا ينبغي تخطيها في الحديث عن جماعة الحوثي، باعتبارها جماعة دينية سلالية انبثقت من داخل إطار المذهب الزيدي في اليمن وتُنسب إلى مؤسسها الهالك حسين بدر الدين الحوثي.

لم تعد زيدية الجماعة الحوثية قضية جدلية بحاجة لإثباتها، فهذا المرجع الفكري الكبير للجماعة والشقيق الأكبر لمؤسس الجماعة، محمد بدر الدين الحوثي، يقول: نحن لب الزيدية عقيدة وفكراً وثقافةً وسلوكاً ، إلا أن التفسير الجديد لزيدية هذه الجماعة ينطلق من قولهم أن الزيدية تنتسب للإمام زيد بن علي بن الحسين انتساباً حركياً وليس فقهياً .

وبالنظر إلى تفاصيل البدايات التأسيسية للحوثية، لن يفوتنا حقيقة أن الحوثية ليست سوى النسخة الأخيرة والمعاصرة للزيدية التاريخية، التي سوف نناقشها باستفاضة واسعة، فضلاً عن أن أحد أهداف هذه الكتابات هو التتبع التاريخي لصيرورة هذه الفكرة "الطائفية السياسية" ومدى تفاعلاتها الراهنة مع ما تشهده المنطقة من تحولات جيوسياسية كبيرة.

فمما لا يمكن تجاهله هنا، هو الحديث عن التحولات التي عاشتها هذه الجماعة منذ لحظة التأسيس الأولى وحتى هذه اللحظة، فبحسب أحد كُتابها ، تُعد جماعة الحوثي امتداداً للإحيائية الزيدية، التي بدأت نشاطها على يد مجموعة من علماء الزيدية منذ ثمانيات القرن الماضي بإحياء تعاليم مذهبهم الزيدي وتدريسه للنشئ، كردة فعل على المد السلفي في محافظة صعدة، عمق الزيدية، كما يصفونها .

ومع بدايات تسعينات القرن الماضي، وإعلان الجمهورية اليمنية وتبنيها للنظام الديمقراطي كنظام للحكم، وما رافق ذلك، من حرية التعدد الفكري والثقافي والإعلامي، قرر مجموعة من علماء الزيدية وناشطيها السياسيين، تأسيس حزب الحق، كجناح سياسي إسلامي بمرجعية المذهب الزيدي، وكان من أهم مؤسسيه رئيسه المرجع الزيدي مجد الدين المؤيدي ونائبه بدر الدين الحوثي.

فشل حزب الحق في أول انتخابات تنافسية ديمقراطية، حيث لم يحصل سوى على مقعدين برلمانيين من دائرتين انتخابيتين في محافظة صعدة، من أصل 301 مقعد من مقاعد البرلمان اليمني، فاز بالمقعدين كل من حسين بدر الدين الحوثي، مؤسس جماعة الحوثي، ورفيقه عبد الله عيضة الرزامي.

بيد أنه، تزامن مع تأسيس الزيدية السياسية لحزب الحق، تأسيسهم لمنتدى الشباب المؤمن كجماعة أو جناح تربوي فكري وثقافي، حيث كان في مقدمة مؤسسيه، محمد يحيي سالم عزان، وعبد الكريم جدبان ومحمد بدر الدين الحوثي، وأحمد الرازحي وصالح هبرة.

يذهب البعض للقول، أن تجربة حزب الحق، بالنسبة لحسين بدر الدين - مؤسس الجماعة - لم تكن سوى تجربة عابرة ربما كان يدرك مسبقاً نتائجها، لذلك قرر مبكراً الاستقالة من الحزب، ومن عضوية البرلمان اليمني كممثل لحزب الحق، مع رفيقه عبد الله الرزامي، واعتزالهما للعمل السياسي.

وهكذا قرر حسين الحوثي ممارسة نشاط آخر، من خلال انضمامه إلى عضوية منتدى الشباب المؤمن - و لم يكن من مؤسسيه - حيث بادر حسين الحوثي، بكل قوة إلى فرض وجهة نظره الخاصة على سير أنشطة المنتدى ، وهو التصرف الذي أدى إلى انقسام المنتدى إلى قسمين، قسم يتبع حسين الحوثي وهو الذي بات اليوم يُعرف بجماعة الحوثي، والآخر يتبع محمد يحيي سالم عزان، وهو الذي جمد نشاطه حتى هذه اللحظة كجزء من تداعيات حروب صعدة.

خاضت جماعة حسين الحوثي، ستة حروب مع الجيش اليمني، وعشرات الحروب مع قبائل يمنية في صعدة وعمران والجوف، وزادت شهوة الحرب لدى الجماعة بعد الإطاحة بالرئيس السابق على عبد الله صالح من قبل ثورة 11 فبراير السلمية، التي انضمت جماعة الحوثي لصفوفها منذ البداية، لكنها فجأة عاودت ترتيب أوراقها للتحالف مع الرئيس السابق صالح باعتباره جزء من المركزية الزيدية الحاكمة.

والسبب الرئيسي لهذا التوجه في معتقداتهم يتعلق بأساس المشكلة الكامنة في طائفية هذه الجماعة، التي ترى أن صعود رئيس جديد خلفاً لصالح وهو نائبه الرئيس عبد ربه منصور هادي، القادم من خارج إطار الزيدية، جغرافيةً ومذهباً، يُعد بالنسبة لهذه الجماعة، مشكلة عقائدية كبيرة وهي بمثابة اختبار لمدى إيمانهم بمعتقداتهم تلك من عدمه. 

خارطة المفاهيم والأفكار/

وبما أن الحوثية هي بمثابة طبعة أخيرة للزيدية فينبغي أن نركز على دراسة الحالة الحوثية في سياقها الفكري والمنهجي والثقافي التي قدمت نفسها فيه، وهي الزيدية مذهباً ومعتقداً لها، وهذا بالتالي يدفعنا ويحتم علينا كباحثين التركيز أيضاً على ضرورة الفصل بين المسار السياسي للجماعة الذي يتسم بالمراوغة والخداع، والفكرة العقائدية التي تنطلق منها كمرجعية وهي الفكرة الزيدية السياسية.

ففي جانبها العقائدي، لا تنفصل جماعة الحوثي عن المرجعية الزيدية التاريخية وخاصة فيما يتعلق بموضوع الإمامة والبطنين كمرتكزات رئيسية يقوم عليها المذهب الزيدي مضافاً إليها البعد الجديد في مسألة الأصولية المتطرفة التي يقصد منها الإحيائية والعودة للأصول الأولى للمذهب مع محاولة استحداث أفكار راديكالية وربطها بالجذور الراديكالية الأولى.

فالحوثية فكرة لا تنفصل عن جذرها الزيدي، وخاصة فيما يتعلق بالأصول السياسية للنظرية الحاكمة وفقاً للمذهبية الزيدية التي تؤصل وتعلي من قيمة سلالة بعينها من الناس، باعتبارهم أصحاب حق إلهي في حكم الناس وهو ما يطلق عليه لديهم بـ"البطنيين" كشرط رئيسي في مسألة الإمامة وهو ما يعني أحقية كل من تناسل من ذرية الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب في الحكم والسلطة الدينية الإفتائية والدنيوية السياسة.

وترتكز على هذه الأفكار جملة أحكام ومتعلقات شرعية مؤصلة عندهم، فيما يتعلق برؤيتهم للمخالف لهم ورؤيتهم للدولة والمجتمع وعلاقتهم بمحيطهم المحلي والإقليمي والدولي.

وبالتالي بات لزاماً القول إن الحديث عن أن الجماعة الحوثية هي جماعة شيعية إثنا عشرية، لا أساس له من الصحة، بالنظر إلى التباينات الكثيرة بين الفكرتين منهجياً وعقائدياً، لكن لا يعني هذا أنه لا تلاقي بينهم، بالعكس سياسياً تمكنت إيران من احتواء كل الجماعات الشيعية الأخرى من نصيرية وزيدية وإلى حد ما إسماعيلية رغم حدة الخلاف العقائدي بينهما. 

 

الإطار التنظيمي للجماعة/

الجماعة الحوثية قطعاً، ليست بكيان تنظيمي دقيق التنظيم ولا ترتكز على رؤية تنظيمية دقيقة وصارمة يخضع أفرادها لالتزام تنظيمي صارم كما هو الحال مثلاً في الكيانات التنظيمية السنية المماثلة، كتنظيمات الإخوان المسلمين أو الشيعية كحزب الله اللبناني أو حزب الدعوة العراقي.

ومن هذا المنطلق ربما ظهرت الجماعة مقرونة بإسم مؤسسها منذ بداية ظهورها بإسم جماعة الحوثي، والتصق بها هذا الاسم حتى اللحظة رغم محاولة الجماعة منذ دخولها أو قبول انضمامها لمؤتمر الحوار الوطني الذي أجري في اليمن عقب 11 فبراير 2011م لتغييره، مستغلةً فرصة الانضمام هذه بالتحول من جماعة متمردة إلى كيان شرعي معترف به محلياً وإقليمياً ودولياً تحت مسمى "أنصار الله".

لكن المتابع لمسار هذا التحول يلاحظ أن مثل هذا التوجه الجديد للجماعة اقتصر فقط على محاولة الظهور ككيان فكري حركي ممتد داخل أجزاء كبيرة من مكونات المجتمع اليمني، بعد أن ظلت الجماعة محصورة على نطاقها الجغرافي الصغير في محافظة صعدة، شمال اليمن، لكن هذه المحاولة لم تضفي جديداً بخصوص المسار التنظيمي للجماعة.

بعض المراقبين لمسار هذه الجماعة قالواَ إن هذا التحول في التسمية صاحبه بعض المحاولات الأخرى فيما يتعلق بالمسار التنظيمي، وقالوا إن هناك المحاولات تتم في هذا الخصوص من قبيل تقسيم صفوف الجماعة إلى وحدات تنظيمية غير متداخلة كالحديث عن جناح سياسي وجناح عسكري وجناح تربوي وجناح إعلامي وجناح اجتماعي وجناح رياضي.

مثل هذا التوجه يفسره أيضاً تلك المحاولات من خلال إعلاناتها وبناراتها التي لوحظت على فعاليات الجماعة التي بدأت تظهر بقوة بعد أحداث سقوط العاصمة صنعاء في انقلاب 21 أيلول/ سبتمبر من خلال الشعارات التي كانت تظهر في اللافتات التي رفعت في كل فعاليات الجماعة.

لكن هذا ليس دليلا كافياً يمكن الاعتماد عليه كدليل بوجود تنظيم دقيق من خلال هذه الدلالة بقدر ما يعكس هذا التوجه حالة تشتت وعدم وضوح الرؤية لدى الجماعة وأنها وجدت نفسها فجأة في موقع لم تكن تتوقعه يوماً، وبهذه السرعة وهي في قمة هرم إدارة الدولة المحتلة والمجتمع الخاضع بقوة السلاح ولكنها عاجزة كل العجز في إدارته بهذه الطريقة البدائية التي لا تنبئ عن حالة تنظيمية دقيقة قدمت منها الجماعة.

بيد أنه، لا يمنع مثل هذا القول أن هناك حالة تنظيمية ضيقة تدخل فيها الارتباط الخارجي للحركة بإيران وقواها في المنطقة كحزب الله وحزب الدعوة الشيعي في العراق، وهما حزبان شيعيان مرتبطان بإيران ومخابراتها، وخاصة حزب الله اللبناني الذي يُعد الممسك الحقيقي بملف الحوثيين باليمن والمكلف بهم تسليحا وتنظيما وتدريباً.

باعتقادي إن وجدت حالة تنظيمية فهي في دائرة ضيقة لا تتعدى قيادة الصف الثاني والثالث من الجماعة، وفيما عدا ذلك فأعتقد أنه يقوم على أساس التبعية الجماهيرية والتحشيد المذهبي والمناطقي مستغلين بذلك أيضاً حالة الفقر في تجنيد الأنصار والمؤيدين. 

 

*مستشار المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية_افياب

الحجر الصحفي في زمن الحوثي