تشخيص عشرية الأزمة اليمنية .. وأفكار جديدة لبناء سلام حقيقي في العام 2022 ( 1 )

د. علي العسلي
الاربعاء ، ٠٥ يناير ٢٠٢٢ الساعة ٠٣:٣٦ مساءً

سبع سنوات احتراب، وقبلها ثلاث سنوات ثورة وأزمة سياسية عميقة قبل ذلك، منذ 1994، رافق كل ذلك حكم فردي ديكتاتوري شمولي حاد في المركزية.. ألا يكفي هذا الشعب معاناة؟؛أما حان له أن يرتاح ويعيش كغيره من شعوب المعمورة؟! أليس من حقه أن يطمح بأن يكون عام 2022م عام يغاث فيه اليمنين، وفيه ينعمون بدولة ذات سيادة مستقرة وآمنة؟؟! وقبل الخوض في أية أفكار لصناعة السلام؛ ينبغي استعراض "عشـــريّة الأزمـــات اليـــمنــيــة"، التي اتصورها انا شخصيا. وفي ظني أنها لو عولجت هذه المشاكل والتحديات المتداخلة المتشابكة المتشعبة سنكون قريبين جدا من إيجاد حل عادل وشامل!؛ سأسرد لكم تلك ((العشرية)) للمشكلات اليمنية. تعود بداية  الأزمات  اليمنية الحديثة  إلى العام 1994م ،عندما انقلب الرئيس السابق ((صالح)) على دستور دولة الوحدة المتفق عليه، وعلى اتفاق  إعلان الوحدة التي تضمن الشراكة بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، فأقام الحرب بعد أن تأزمت العلاقة بين الرئيس ونائبه ((علي سالم البيض ))،وبعد أن تم اغتيال العديد من قيادة الحزب، وقبيل الحرب توصلت الأطراف السياسية  إلى وثيقة "العهد والاتفاق" والتي  وقع عليها بجميع الأطراف اليمنية في العاصمة الأردنية عمّان برعاية  جلالة الملك ((حسين بن طلال )) ملك المملكة الأردنية الهاشمية؛ غير أنه بعد التوقيع حصل الحرب "مفارقة يمنية"، فجر الحرب  بعد مدة قصيرة من توقيع الوثيقة؛ والوثيقة كانت تكفي لحل المشكلات التي كانت قائمة آنذاك، وكانت مناسبة لتصحيح مسار الوحدة؛ وبعد حرب خاضها صالح  على الشعب اليمني واستهدف وحدته الاختيارية الطوعية، وأعلن انتصاره على اليمنين في ذلكم اليوم المشئوم 7/7/1994؛ بعده  شعر اليمانيون بالهزيمة النفسية، وأحبطوا بعد أن أضاء اليمنيون القناديل لها، فيذلك اليوم تمّ هزيمة بناء دولة مدنية حديثة، صالح عطل تنفيذ وثيقة العهد والاتفاق بإعلانه الحرب، واعلامه سمى الوثيقة وقتئذ بوثيقة "العهر والنفاق". بعد (7/7) تنمّر صالح ومن يتبعه على الأخرين، ثمّ تم بعد ذلك إقصاء الحزب الاشتراكي الشريك الأساسي  من السلطة ،وتم الاخذ بنظام الجمهورية العربية اليمنية وليس الأخذ بالأفضل من النظامين السابقين؛ فقد تم في هذا التاريخ السيء تعميم حكم الاسرة الفردية الديكتاتورية المركزية في صنعاء على كل اليمن، وألحق صالح الجنوب  به ومتنفذيه؛ بعد هذا التاريخ تشطرت النفوس بد ان كانت منشطرة الأرض وموحدة النفوس، بقي من الوحدة اسمها والأمل بيوم جديد يتغير فيه النظام عبر الديمقراطية والتعددية التي بقيت  شكلا من ثمار الوحدة المباركة والتي استثمرها ((صالح ))، و(طلب الله) بها عالميا!؛ لم يستفاد من التنوع الثقافي والاقتصادي والاجتماعي ؛وهذه المعضلة (الازمة)،أو المشكلة هي أول المشكلات . أما "الأزمة" المشكلة الثانية؛ فبعد حرب 1994 ازدادت الازمات وتفاقمت وتعددت بين مختلف التحالفات السياسية في اليمن، لم تنقشع بالحوارات بين صالح والمعارضة، بل على العكس كما قلنا مفارقات يمانية، كان كل حوار يتم، يوصل دوماً إلى إنعدام ثقة، وإما حرب واما استفراد واقصاء، إذ ولا مرّة كان الرئيس صالح ينفذ تعهداته وما يتفق عليه!؛ حوارات جرت.. لا تُعد، كثيفة ومستمرة، عائدها (العّدَم) وهكذا في كل جولة حوار؛ إما حرب أو تتعقد المشكل؛ لتتشعب إلى مشكلات فرعية أكثر وأكثر وتزداد الهوة اتساعا. وفي انتخابات الرئاسة  2006م، شعر الرئيس صالح  فعلاً بخطورة إقصائه عبر الصندوق؛ حيث مثلّت المعارضة فيها منافس "حقيقي" لا "شكلي"؛ شعر حينها بأن ((فيصل بن شملان)) أقرب للرئاسة منه، صالح زوّرها كما أعترف بذلك من كان الأقرب إليه في معظم حكمه، _لكنه قرر هو ومن يؤيده من اركان الحكم  الانضمام لثورة الشباب بعد جمعة الكرامة الدامية، لم يكن  وقع العملية الانتخابية سهلة على صالح ، بل كانت جدية بعكس سابقاتها، أعلن  فوز ((صالح))، لكن  فيصل  بن شملان ظل  لا يعترف بذلك الفوز المزور حتى توفاه الله، عليه _ رحمة الله، غير أن الاحزاب كعادتها تعاملت مع صالح رئيسا وتحاورت معه بعد ذلك، صحيح  أن الحوار مبدأ حضاري وينم عن وعي ، لكن مع من يقدره ولا يسفه، كان  ((صالح)) ينفذ عكس ما يتم التوصل إليه من الحوار، واحيانا كان يتهم بعض قياداته بموالاة المعارضة ويوبخهم على ما يتوصلوا إليه مع المعارضة؛ وهذه هي المعضلة الثانية. أما "الازمة"  المشكلة الثالثة؛ نتجت عندما اندلعت ثورات الربيع العربي وكان اليمن  مستحقا لها، فاستلهم الشباب من ثورة "تونس" وثورة "مصر"؛ ونزلوا وواجهوا أجهزة قمعية وطوردوا في الازقة والحارات؛ والأحزاب كانت في البداية تتفرج عليهم إلى ان ثبتوا في ساحات التغيير والحرية؛ فأطلقوا ثورتهم الشبابية السلمية على النظام السياسي برمته، وكان يتقدم الثوار طلائع من شباب الأحزاب الذين رفضوا الانسحاب من الساحات واعلنوها ثورة على النظام بما فيه احزابهم ؛ وقبيل اندلاعها كان ((صالح)) يخطط للتمديد والتوريث وتغيير الدستور من اجل ذلك؛ فاجأه الشباب بالخروج، والمطالبة له بـــ "الرحيل"؛ ولمّا لم يستجيب طالبوا بإسقاط النظام، طالت الثورة بسبب المتفرجين او الذين لم يحسموا مواقفهم وقراراتهم، فقدت الثورة أشجع وأنقى وأخلص شبابها؛ اسفرت تضحياتهم عن رحيل صالح عن الكرسي، لكنه لم يرحل عن الحكم حتى بعد المبادرة الخليجية وانتخاب الرئيس هادي وفقا لها، سلم ((صالح)) "عَلَمَاً" للرئيس ((هادي))، وبقي متمسكا بمفاصل السلطة والجيش؛ إلا أنه لا حقا سلّم "الجمل بما حمل" للحوثي، وفقاً لمبدأ "عليّ وعلى اعدائي" ‘ وهذه هي احدى المشكلات الحقيقة والرئيسة  للواقع المزرى الذي نعيشه الآن.. يتبع..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي