طريق الرقمنة شيق وشاق أشعر انني مريت به وتركت اثر بينهم!!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
الجمعة ، ١٠ ديسمبر ٢٠٢١ الساعة ٠٤:٣١ مساءً

 

عندما مات البرفيسور قبل ٨ سنوات، الذي اشرف على رسالتي الدكتوراة الاولى والهابلتشين "بمعنى الدكتوراة الثانية" اجتمع كل طلابه لتوديعه لاخر مرة، وهم دكاترة ومدراء شركات كبيرة وقتها وانا ايضا منهم، وعلى قولتنا برفيسورات الجامعة ايضا ومن الشركات ولاول مرة لقيت المقبرة مكتظة يومها، بمعنى نص البلد في الكنيسة في المقبرة. لكن الذي تحدث في الكنيسة، وعمل خطبة الوداع هو انا، والسبب ان الكل كان متفق انني انا الاقرب اليه برغم انني من قرية صغيرة في الحجرية وهو الماني.

القرابة هي فكرية، فهو استاذي في طريق الرقمنة وانا طالبه، وبعدها زميل عمل، وهذا صحيح ففي اخر ٥ سنوات من حياته كنا انا وهو أصحاب وليس زملاء فقط. ولذا كنت اخر شخص اقف في غرفة الانعاش بجانبه احدثه، المهم وقفت في الكنيسة القي خطبة الوداع معه، وحيث ان ذاكرتي جيدة فقد كنت انقل الزملاء من قاعة المحاضرة اينما كان هو يتحدث وانا طالب بالصف الاول بالقاعة امامه، الى قاعة الكنيسة وانا اتحدث وهو ميت امامي رحمة الله عليه، وكون كنت أشعر بالبرفيسور كأب لي، فقد كنت فعلا اتحدث ليس كزميل له وانما كطالب معه وابن له.

وكانت اول كلمة اقولها في الكنيسة وجثمان البرفيسور امامي، انني اقف الان امامك بنفس قدر المسافة، التي كنت تقف بها امامي في قاعة المحاضرات، الفارق انني اليوم انا اتحدث، وانت تنصت والباقين هنا، ومن قبل كنت انت تتحدث، ونحن ننصت، الفارق انت كنت تحدثنا لرسم المستقبل في الرقمنة لنا وانا اتحدث لتوصيف الماضي معك. وكما رافقتني في البداية، ارافقك الان في اخر محطة. وكنت اول من يمشي بعد جثمانه الى ان وصلنا للقبر فنزلته انا وليس اهله الى داخل القبر، بين قبرين لامه وابيه.

وبعد الدفن انسحبت من بين الجموع الى تحت شجرة، فاذا بالجميع يأتي اليا، ويأخذني بالاحضان، وكأنني فعلا ابنه في عيونهم، وبعد ان تركنا المقبرة ذهبنا نحن طلابه -الجيل الاخير وكلنا دكاترة ومدراء, وهذا نجاح لفقيدنا- ، وكلنا من شركات وجامعات مختلفة الى مكان، وظلينا معا الى الساعة ١١ ليلا، وكأنه فعلا كان رابطنا المهم، كون افكارنا متوافقة، وحتى مزاحنا وذكرياتنا، وهنا يشعر الشخص بعلاقة تربطنا معا، والجميل كل شخص منا كان اقلها يحمل شهادة الدكتوراة باشراف الفقيد، اسمائنا حفرت بلوحة نحاس وصورة البرفيسور تتوسطنا للذاكرة كون افكاره لازالت بيننا. لوحة النحاس التي حفرت اسمائنا معه كانت جميلة، فقالوا سوف تنزع من فوق القبر من الاطفال، وطلبوا مني اخذها انا، لكني قررت اعطيها لاول واحد منا كان عنده، هو من يأخذها.

اليوم اجد الرحلة لي طويلة في العلم وبالذات في الرقمنة وكنت افكر انها ٥ سنوات اغتراب ونعود، وايضا في العلاقات طويلة مع مجتمع اجد انني مرتبط به بشكل متكامل وجزء منه، لكن كان فيها الكثير من المواقف المؤثرة، والتي حفرت طريق لي لا اتخيل حياتي بدونه، وتركت علامات في نفسي، لدرجة انه لو رجعني الله الى بداية مشوار حياتي، وقال لي شكلها كما تحب، فانني لن اغير فيها شيء وسوف اتركها ايضا مع محطات الاخفاق، كون تلك المحطات، كانت انطلاق لشيء اخر في نفسي.

اليوم قبل قليل اكملت محاضرة، وكانت جزء من رحلتي مع الرقمنة كما عشتها، وكان ايضا البرفيسور موجود كفكر ومنهج. رافقت تغيرات كثيرة لكن اهم تغير كان طريق الرقمنة، والتي سوف اوصفها كما كنت اناقشه بها ونحن زملاء في مقال قادم.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي