شعوب لا تعرف التسامح لا تعرف السلام

تيسير السامعي
الاربعاء ، ١٧ نوفمبر ٢٠٢١ الساعة ٠٨:١١ صباحاً

التسامحُ خلق العظماء، ولغة الأقوياء، ولا يقدِم عليه إلا أصحابُ القلوب السليمة والعقول النيّرة والنفوس الزكيّة. الشعوبُ التي تسُود فيها ثقافةُ التسامح يسُود فيها الحبُّ وتنعم بالسّلام. أعظمُ موقفِ تسامحٍ في التاريخ هو موقف سيّد الخلق محمد -صلّى الله عليه والسلام- بعد فتح مكة [اذهبوا فأنتم الطلقاء]..

عبارة خالدة ما زال صداها يتردد وما تزال الأجيال ترددها وستظل ترددها إلى يوم القيامة، لأنها نموذجٍ للتسامح الصادق لن يشهد مثله التاريخ.. فبعد أن دخل عليه الصلاة والسلام مكة فاتحاً، بعد خروجه منها قبل تسع سنوات مطارداً، وقف أمام الكعبة، وقال: [يا معشرَ قريش.. ما تظنون أني فاعلٌ بكم!!].

قالوا: "أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"..

قال عليه الصلاة والسلام: [اذهبوا فأنتم الطّلقاءُ].

لم يفْرض أو يشرطْ عليهم أن يتبعوا دينَه، بل تركَ لهم الحُريةَ المطلقةَ.. هنا يكون الانتصار الحقيقي!!

لقد دخل الطلقاءُ فى الإسلام طواعيةً، بدون إكراهٍ، وصاروا من جنودِه يدافعونَ عنه.

تخيّلوا لو أنه -عليه الصلاة والسلام- لم يقفْ هذا الموقفَ، وأصرَّ على الانتقام له ولأصحابه من حاربُوه وطردُوه من بلاده، ماذا ستكون النتيجة؟

كانت دورات العنف ستستمر، والانتقام سيُولّد انتقاماً، والأوضاعُ لن تستقرَّ في مكةَ.

التسامحُ فقط هو من يولِّد الحبَّ بين الناس، ويحققُ السلامَ.

في جنوبِ أفريقيا، الدولة التي عاشت عقوداً من الزمن في ظل التمييز العنصري، عندما انتصرت الأغلبيةُ المهمّشةُ على الأقليةِ، التي مارستْ الظلمَ والتمييزَ، أعلنَ الزعيم، قايد حركة التغيير، التسامحَ، ورفضَ أي أعمال تؤدي إلى الانتقام، وذلك من خلال تطبيق قانونِ العدالةِ الانتقاليةِ، الذي يقومُ على جبرِ الضرارِ، وتعويضِ الضحيةِ دون معاقبةِ الجاني.

لقد عمل هذا القانونُ على لمِّ الشتاتِ ومداواةِ الجراح وإنهاءِ المعاناةِ، وكانت النتيجة هي "السلام والحبّ بين كل الناسِ".

لقد صار مانديلا بعمله ذلك زعيماً عالمياً ونموذجاً للتسامح، وصارت تجربتُه مثلاً يحتذى به.. (فالحكمة ضالة المؤمن، أنّ وجدها فهو أحق الناس بها)..

لقد مات مانديلا قبل سنوات، وكان يومُ موتِه حزناً على العالم كله، لأنه جسّد روحَ التسامحِ وروحَ النضالِ..

فبعد أن عاش مناضلاً، يدافعُ عن شعبه، وعندما انتصر على أعدائه قبل أصدقائه، جسّد ثقافةَ الانتصار الحقيقية على الواقعِ بعيداً عن الأقوال الجوفاء.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي