حين يستعصي الرجال على السقوط

موسى المقطري
الثلاثاء ، ٠٢ نوفمبر ٢٠٢١ الساعة ٠٩:٢٠ مساءً

 

في خضم الأحداث وبين متشابكات السياسة ثمة قيمة يمكنها فقط أن ترجِّح الكفّة وتحفظها من الميل ، وهي صمام الأمان الذي نعوِّل عليه كثيراً في حربنا على الانقلاب السلالي حدثاً ومشروعاً وفكراً ، تلك هي ثبات الرجال من السقوط ، فبثباتهم تبقى المبادئ والقيم وتستمر ، بل وتثمر ، والعكس بالعكس .

طبيعة الحياة وقوانينها الكونية أنّ كل المكتسبات قد تذهب لسبب أو لأخر ، فالأرض والمال والسيادة والحكم ومثل ذلك الكثير لا ضمان لاستمرارها على حال واحد ،  وقد ينجح مارقٌ بالسطو عليها في لحظة غفلة أو ضعف ، ويمكن استعادة ذلك كله مادام الرجال شامخون يحملون مبادئهم ، لكن إن سقطوا فقد حل البلاء الأكبر والمصيبةالأعظم ، وذاك مالم يحصل في جبهة الرفض للمشروع السلالي منذ القدم ، ولايبدو أنه سيحصل يوماً ما.

في تاريخنا المعاصر وفي لحظة ضعف وغفلة تمكن السلالي يحي حميد الدين من تحقيق حلمه وحلم أجداده فاستلم من العثمانيين اليمن الشمالي وأعلن نفسه أميراً للمؤمنين! ، وتوجه نحو القبائل والتجمعات الرافضة كالزرانيق والمقاطرة وغيرهما ، فانفرد بكل جهة أو قبيلة لوحدها ، ث وتمكن من اخضاعهم لسلطته ، وبدا للحظة وكأن الأمر قد أُستتب له ، وسقطت الأرض أمامه حانية رأسها ذليلة ، لكن الرجال لم يسقطوا ، وكان ذلك هو الذي حفظ لليمن واليمنيين حقهم في مقاومة وإنهاء مشروع الإمامة المرتكز على الحق الالهي المزعوم في حكم وملك الارض والإنسان.

لم يدم شهر العسل لدولة الأمامة المتمنطقة بالحق الإلهي المزعوم طويلاً ، وبدأ الرجال يعودون لمواقعهم ، وعادت جبهة الرفض من جديد ، وخلال 44 عاماً فقط انتهت اسطورة السلالة التي أُريِد لها ان تحكم للأبد كحق أزلي لاجدال فيه! ، وسقط حكم السلالة كثمرة لبقاء الرجال واستعصائهم عن السقوط ، فإن استكانت الأرض فلن يفعل ذلك ساكنوها ، وإن بدأ للمستبد انهم فعلوا فإنهم في الحقيقة كان يتأهبون لإعادة الكرة تلو الكرة ، وتناقلوا الراية ولم يسكينوا حتى كان سقوط السلالة المستبدة .

تلك هي سنة كونية من سنن الحياة ، فالارض ومافيها تحنو جبهتها للقابضين على جمر الحرية ، وأن استكانوا لبرهة فتلك استراحة محارب لاغير ، والتاريخ القديم والمحاصر خير شاهد ، كما أن الأحداث التي تدور رحاها في وطننا اليوم تؤكد هذا المنحى ، فمحاولات الامامة إعادة انتاج ذاتها في وقت تخيلت فيه أن الرجال قد تخلوا عن مبادئهم وفي لحظة غفلة سقطت الأرض والدولة وكل مافيها من امكانات عسكرية ولوجستية بأيديهم ، لكن الرجال لم يسقطوا فهبو من كل حدبٍ وصوب ليجرعوها المرارات ويئدو حلم العودة بالتاريخ للوراء ، وستظل هذه الروح مشتعلة ما دام هؤلاء صادقون فيما عاهدوا الله عليه.

في طريق استعادة الجمهورية من أيدي الانقلاب ثمة علامات وإشارات تؤكد أن الانتصار لقيمة الثبات سيكون هو الغالب ، فرغم الهجمة الشرسة المركزة من قبل الانقلابيين في مارب وشبوة ومن قبلها تعز والحديدة وعدن والضالع ، ورغم الصمت الدولي والتخاذل الاقليمي ، ودور التحالف المتسم بالضبابية ، وفشل الحكومة الشرعية كدولة في إدارة المعركة ، رغم كل هذه المنغصات لم يتحقق للانقلابيين حلم العودة والسيطرة ، وفشلوا في تحقيق أهدافهم التي ربما حصلوا على ضوء أخضر لتحقيقها ، واصطدمت فقط بثبات الرجال الذين أبو السقوط . 

وسواء ارتضى العالم والإقليم أو لم يفعل فإن ثبات الرجال واستعصائهم على السقوط هي الحقيقة التي لامجال لإنكارها ، وليس ثمة مخرج إلا البناء عليها ، والانطلاق بجهد أكبر تبذله كل الاطراف والمكونات لاستكمال التحرير واستعادة ما تبقى من الوطن ليعود حراً أمنا يجتمع تحت ظله كل أبنائه دون تمييز لسلالة أو لأسرة أو لجهة ( وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ ، قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً )

دمتم سالمين ..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي