قراءة في الشأن التونسي ، وقدرة النهضة على منع تكرار سيناريو الجزائر

موسى المقطري
الاثنين ، ٠٤ اكتوبر ٢٠٢١ الساعة ٠٧:٣٣ صباحاً

 

من خلال متابعة الشأن التونسي وما أقدم عليه الرئيس التونسي من تعطيل البرلمان والحياة الدستورية ، والذي لا يشك اثنان ان المستهدف الاول فيه كانت حركة النهضة الذي يشكل البرلمان أحد مكاسبها ، وحصلت عليه بطريقة ديمقراطية ، لكن المخطط كان يرمي الى تكرار سيناريو قديم تم تنفيذه في الجزائز خلال التسعينات ، كان هادفاً لضرب قوة الاسلاميين الصاعدة آنذاك ، ولاجل تحقيقه دخلت البلاد كلها في دوامة العنف غير المبرر .

في العام 1991 تمكنت جبهة الانقاذ من حصد الاغلبية في البرلمان بعد حصدها الاغلبية في المجالس البلدية ، فتم الغاء الانتخابات وحل الجبهة وسجن قياداتها وجر البلاد إلى دائرة العنف،  ومع ان شهادات ومعلومات توالت بالظهور أكدت عدم تحمل الجبهة مسؤلية ادخال البلاد في بركة الدماء ، وأن اجهزة المخابرات المحلية والدولية هي من ادارت عملية العنف وصنعت او تسببت بصناعة العنف المضاد ، ومن ثم جعلت من الأحداث مبرراً لاعتقال وقتل وضرب اعضاء وانصار الجبهة  ، وغرقت البلاد في ما سمي  العشرية الدامية ، وكل ذلك لافشال صعود الاتجاه الاسلامي خدمة لاجندة محلية ودولية.

ليس محور حديثي هنا بالتأكيد عن أسباب ونتائج وملابسات تلك المرحلة لكن الأهم انه هناك من اراد تكرار نفس السيناريو في تونس مع حركة النهضة ، وبنفس الطريقة مع تغيير بسيط في الاستراتيجيات والخطط وتشابه كبير في الاهداف . وبعيداً عن الملابسات والظروف والدوافع الخفية التي جعلت الرئيس قيس سعيد ينحو هذا الاتجاه لكن الاهم هو كيف تعاملت وتفاعلت النهضة بقيادة الغنوشي مع اجرائته ؟ وهل تمكنت من امتصاص الصدمة والتحول الى مربع اخر غير مربع الاستهداف الذي وضعتها فيه القرارات الانقلابية ؟

بنظري هناك استراتيجيتين نجحت فيها النهضة حتى الان :

● الاستراتيجية الأولى : امتصاص الصدمة .

إن طريقة تعاطي النهضة مع قرارات قيس سعيد حتى الان على الاقل كانت موفقة ، فالغنوشي وحركة النهضة تمكنت من امتصاص غضب الصدمة الأولى والانحناء لتمر العاصفة ، والذي برأيي كان المخططون يعولون عليه كثيراً لتحقيق اهدافهم ، فاستطاعت الحركة وبذكاء منع الانجرار الى الصدام  كردة فعل فطرية غير محسوبة العواقب يمارسها كل البشر ولايمكن عكسه في أغلب الأوقات بعد حدوثه ، لكن فاتورته على تونس وعلى النهضة ستكون كبيرة وصعبة تماما كما دفعت الجزائز والانقاذ عشر سنوات دامية (وللتاكيد فلست هنا لاحمل الانقاذ ما حصل في الجزائر وليس حديثي تقييم تلك الفترة) لكن وجه التشابه الذي اريد له ان يكون افشلته طريقة حركة النهضة في التعاطي مع الاحداث ونجحت فيه حتى الان على الاقل . والسبب الذي مكن النهضة من ذلك قدرتها على ضبط وتوجيه اعضائها ، ولا يمكن ان يتحقق ذلك الا بفهم قواعد اللعبة السياسية من قبلهم ، وهذا ينبئ عن مرحلة متقدمة من الوعي السياسي الذي اوصلت الحركة افرادها اليه ، ويحسب لها هذا المستوى كحزب منضبط وليس جماعة غوغائية منفلتة. لاحقا وبعد النجاح في تحقيق استراتيجية امتصاص الصدمة يستلزم من الحركة تحويل التهديدات الى فرص والتحول من مربع الاستهدف الى مربع الفاعلية وهذا ما ستجيب عليه الايام القادمة واكاد اجزم ان النهضة والغنوشي قادرين على ذلك . وللعلم فلم تقم النهضة بقمع الرغبة لدى جمهورها في رفض الاجراءات الانقلابية لكنها حافظت على سقف ممكن ، وتمكنت من توجيه ردة الفعل والتحكم بها وضمان عدم الانجرار للصدام المخطط له. 

● الاستراتيجية الثانية : القدرة على المناورة. 

تمثل القدرة على المناورة في الأحداث السياسية ميزة نادرة تمتلكها الجماعات والاحزاب وحتى الدول ، ورغم ان المصطلح له اصل عسكري لكنه يستخدم سياسيا كتعبير عن القدرة على خداع الخصم وارباكه بصنع توقعات غير صحيحة لديه، والسير في خطوات واستراتيجيات اخرى ، وهذا ما صنعته النهضة في التعامل مع القرارات الانقلابية ، فحتى اليوم تمكنت النهضة من تضبيب النظرة لقراراتها المتوقعة ، وفشل الجميع في التنبؤ بقراراتها القادمة ، فهي تارة تعطي انطباع بلجؤها للشارع،  وأخرى بميلها نحو حل الحزب،  وثالثة بتكوين حزب جديد ، وخيارات عديدة تترك المتربصين بها في حالة إرباك ، وبالمقابل تكسب هي الوقت ، والذي سيكون كفيلاً  بانكشاف قرارات الخصم بشكل اكبر ، ويفقد المتربصون والمخططون صبرهم ، ويحقق للحركة دراسة قراراتها بشكل متأني ومرحلي.

ما يجب ادراكه أنه من لوازم هذه الاستراتيجية الصبر والتحمل والانضباطية ، وعدم الاستجابة للانفعالات الأنية ، والتحرك وفق قرارات مدروسة ، وهذا كله نتيجته تجاوز المرحلة الاصعب والانتقال خارج دائرة الاستهداف ، ولكل مرحلة قراراتها بالتأكيد.

ما اتوقعه ان النهضة بما تمتلكه من مرونة وحسن إدارة ستتجاوز الازمة باقل الخسائر لها ولتونس ، واتوقع ان تنجح في حشد قوى سياسية اخرى تضررت من طول مدة الازمة ، وفشلت الوعود لها جعلها البديل للحركة ، او التي شعرت بنية سعيد باقصائها،  فمثلاً اتحاد الشغل الذي جعل على عاتقه اسقاط النهضة خلال الفترة الماضية بدأ حالياً بالتذمر بسبب طول فترة الفراغ الدستوري،  وفشل مخطط ضرب النهضة ، وتزايد الضغط الدولى حتى ولو كان تمثيلاً فقط ، ولا استبعد مرحلة جديدة تضع النهضة وخصمها اتحاد الشغل في اتجاه سير واحد قد يصل الى التحالف. 

في المحصلة ومهما يكن القادم فإنه لن يكن الذي تم التخطيط له ، ويبدو ان النهضة وتونس تجاوزت مرحلة الخطر وما سيحصل سيكون مجرد حفظ لماء وجه صانع الانقلاب الظاهر والخفي ، وسينتصر نهج حركة النهضة في تجنيب تونس والحركة اي مسار نحو التراجع عن الديمقراطية او الصراع الداخلي ، وهذا ما أتمناه وأطمح إليه ، وعسى ذلك أن يكون قريباً . .

الحجر الصحفي في زمن الحوثي