الإصلاح في ذكرى تأسيسه قراءة مغايرة

د. عبده مغلس
الاثنين ، ١٣ سبتمبر ٢٠٢١ الساعة ١٠:٣٧ مساءً

مقدمة إيضاحية.

سيتحدث الكثيرون عن الإصلاح بمناسبة تأسيسه، وأحاديثهم ستكون ما بين محب مغال، وكاره مبغض، ومُنصف موظِّف، وأنا لست منهم، فأنا أزعم أني مغاير بقراءة السبب لا النتيجة والجذر لا الفرع وأُعزي جوهر اشكاليتنا إلى جذورها الثقافية التي فرعت قضايانا بمختلف مسمياتها، والتي رافقت المسيرة اليمنية نحو الخلاص.  في مسيرة التحرر من الإمامة شمالاً والاستعمار جنوباً، وبناء دولة الجمهورية اليمنية، وبهذه المسيرة نجد الإصلاح جزء فاعل وأساسي فيها، منذ ثورة ٤٨ وحتى اليوم، والإصلاح شأنه شأن كل المكونات السياسية في اليمن له وعليه، وما أطرحه رأي قد يكون صوابًا أو خطأً.

جذور أزمة الأمة.

عندما يناقش الكثيرون القضايا التي تعصف بنا بمختلف عناوينها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يتحدثون عنها منفردة، دون رابط يجمع بين هذه  الأعراض وجذر الأزمات وأساسها، ألا وهو "الثقافة" فالثقافة تعكس نفسها في سلوكنا، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ونكبتنا وأزمتنا كأمة، بجذورها وأعراضها ونتائجها هي ثقافية شكّلت الوعي الجمعي للأمة وصنعت السلوك، هذه الثقافة قامت على الأحادية، وعدم الاعتراف بالأخر.

وبدون الخروج من هيمنة هذه الثقافة، سنضل نحصد الحروب والدمار، والكراهية والتخلف، وهاهي عبر التاريخ بنكباتها وحروبها،بصائر مسطورة، منظورة عاشها من سبقنا ونعيشها اليوم.

بدأت هذه الثقافة تتكون مع هِجرنا للقرآن، هذا الهجر جعلنا ننسى منهجه وصراطه المستقيم، القائم على حقائق وقوانين، خَلْق الإنسان ووجوده، وعلى رأسها قوانين جدل الإنسان منها قانون "الاختلاف" في الدين والعقائد، والأفكار والألسن، والألوان والشعوب والقبائل، وقانون "التعارف" بين القبائل والشعوب، وقانون "الأخوة" في الدين والوطن، والقبيلة والشعب، والإنسانية، لقد خلقنا الله بهذا التعدد والتنوع والتناغم والتدافع، ولا يمكن أن نكون قالباً واحداً في أي شئ، يقول سبحانه {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} هود ١١٨، ١١٩. ويقول سبحانه مخاطباً رسوله (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) يونس ٩٩.

وبهجر كتاب الله ومنهجه، غابت ثقافة الأسس الجامعة والموحدة للأمة، وهيمنة ثقافة الأحادية، والفردية، ووجهت وعي الأمة وتفكيرها، وأصّل لها أمران، الأول: الفقه المغلوط، الذي حول المذهب، من رأي فقهي في مسألة دينية لدين، والثاني: اعتقاد كل فريق بأنه الفرقة الناجية. وبهذا هيمنة العصبية المذهبية، ومعها العصبية القبلية، وحَلّت محل الأخوة الدينية والوطنية والإنسانية، وأصبح مركز الدين الفقيه، والإمام، والمذهب، بدلاً عن الله، ورسوله، وكتابه، ودينه. هذه الإشكالية الثقافية صنعت مأساة الأمة وحروبها، وصنعت مآسينا، وحروبنا بمختلف مسمياتها.

ثقافة الأحادية والتحرر.

في تاريخنا العربي المعاصر، خاض الوعي الجمعي العربي، محاولات عدة للتحرر من الاستعمار، تحت عناوين مدارس ثلاث، الصحوة الإسلامية، والقومية العربية، واليسار البروليتاري، وكان الإصلاح امتداد وأساس أصيل، لعنوان الصحوة الإسلامية، كونه رافد من روافد الصحوة الاسلامية، التي قادها الإخوان المسلمون، في العالمين العربي والإسلامي، وقد كان للإخوان المسلمون دوراً بارزا وفاعلاً ومؤسساً في ثورة ٤٨ في اليمن، بقيادة الإمام عبدالله الوزير، وقد لعب الإخوان المسلمون، والتجمع اليمني للإصلاح دوراً لا يمكن اغفاله أو تجاوزه، في الحياة السياسية اليمنية، منذ عام ٤٨ وحتى اليوم، وهو نفس الدور البارز والمتميز، الذي لعبته الحركة القومية واليسارية، في المنطقة واليمن، وكان العمل الحزبي الذي شكل المدارس الثلاث، لا يمارس علناً في الشمال والجنوب، وبعد الاستقلال سيطرت الجبهة القومية في الجنوب، وأُعلن قيام الحزب الاشتراكي اليمني، الذي حكم الجنوب حتى الوحدة، التي كان إعلانها، ميلاداً حقيقيا للتعددية السياسية، وتم مع اتفاقية الوحدة الإعلان عن العديد من الأحزاب، المنتمية للمدارس الثلاث، وكان ضمنها التجمع اليمني للإصلاح، الذي أصبح شريكاً في السلطة حتى خروجه للمعارضة.

اللقاء المشترك منارة ليل الثقافة الأحادية.

من أعقد اشكاليات العمل السياسي في اليمن، والمُسبّبة لأزمات اليمن المعاصرة، هيمنة الأحادية وعدم قبول الأخر، وهي أزمة الأمة العربية، كامتداد لنفس الثقافة الأحادية، في الوعي الجمعي العربي، التي أخرجت الأمة من فعلها الحضاري، وعكست نفسها على نشأة المكونات السياسية بمدارسها الثلاث، وكانت نتيجتها الحتمية عرقلة وفشل مشاريع التحرر والتنمية، بسبب ظهور الصراع  بين المكونات السياسية، للصحوة الإسلامية، والقومية العربية، واليسار في المنطقة، واليمن هو امتداد لذلك الصراع، ومثلت التجربة اليمنية الفريدة للقاء المشترك وعلى رأسه الإصلاح، منارة في ليل ثقافة الأحادية الحالك.

وبهذه التجربة تم صياغة مشروع للعيش والتعايش، وقبول الآخر، ساهمت به كل مكونات اللقاء المشترك، وعمل اللقاء المشترك معارضاً، لنظام صالح وحكمه وحكم حزب المؤتمر الشعبي العام، ودخل اليمن تجربة الربيع العربي، حيث كان لشباب الإصلاح مع غيرهم من شباب الأحزاب الأخرى وغير المنتمين، دوراً في قيادة الدعوة لتغيير النظام، وهذا الأمر قاد سلطة الرئيس صالح وحزبه ومناصريه، لمواجهة مشروع التغيير، ونشأت الأزمة اليمنية التي قادت اليمن لحرب أهلية، تم إيقافها بالمبادرة الخليجية وألياتها التنفيذية، التي جعلت السلطة توافقية بالمناصفة، بين اللقاء المشترك بقيادة الإصلاح، واحزاب سلطة الرئيس السابق بقيادة المؤتمر، ووصل فخامة الرئيس هادي إلى الحكم عن طريق هذا التوافق والانتخابات الشعبية، وعمد فخامة الرئيس هادي إلى البحث عن مخرج للأزمة اليمنية، ومعالجة جذورها وأعراضها، وتم عقد مؤتمر الحوار الوطني، بين كل القوى السياسية، وخرجوا جميعهم  بمشروع وطني جامع، بوطن واحد ومواطنة متساوية يجمعان كل اليمنيين، ولعب الإصلاح دوراً بارزاً في هذا  الأمر، وسار اليمنيون جميعاً بعمليتهم السياسية التي اتفقوا عليها، وكُتب الدستور، ولكن تم الانقلاب الامامي بالتحالف مع الرئيس السابق، على الشرعية ومشروعها الاتحادي والعملية السياسية، وهنا لعب الإصلاح الدور الأبرز في مواجهة الانقلاب، وقدم قياداته وكوادره، في حرب الشرعية والتحالف، ضد مشروع الانقلاب في كل الجبهات.

وبهذا نجد أن الإصلاح جزء أصيل في كل محطات حركة التغيير في اليمن، والعمل السياسي، وهو وفقاً للدستور ومشروع الوحدة، والمبادرة الخليجية، يعتبر من أبرز مكونات العمل السياسي والعملية السياسية في اليمن، ومارس دوره في السلطة والمعارضة، من خلال العملية الانتخابية فوزاً وهزيمة، والتي احتكم اليها الجميع، حتى الغاها انقلاب الإمامة المشؤوم. مهاجمة الإصلاح.

قاد خصوم الإصلاح في فترة معركة الشرعية مع الإنقلاب، معارك وحملات شرسة ضد الحزب بعناوين مختلفة، تداخل فيها الموضوعي، بالتنافس وصراع الداخل اليمني، والإقليم والعالم، وهذه الحملات قضت على التجربة الوليدة للقاء المشترك، التي مثلت منارة هُدًى في ليل ثقافة الأحادية، وأخذت هذه الحملات عناوين أبرزها الاستحواذ على الشرعية شمالاً ووحدوية الحزب جنوباً، والتطرف والإرهاب إقليمياً ودولياً، وخطورة هذه الحملات والمعارك أنها حَرّفت مسار معركة الشرعية، في مواجهة عدو الجميع المشترك، المليشيات الحوثية بمشروعها الإمامي، الى المواجهة البينية بين مكونات الشرعية، وهذا أمر خدم المليشيات الحوثية ومشروعها الإمامي،  وأجل الحسم والنصر.

وبمناسبة ذكرى تأسيس الإصلاح عليه واجب المراجعة لسيره ومساره، من خلال تجديد دمائه بشبابه القادر، وتجديد مفاهيمه، بالانعتاق من قراءة  الماضي وحلوله، بقراءة معاصرة لهذا الدين، تتناسب مع مشاكل العصر من خلال التفاعل مع المقدرة الحية والمتجددة لكلام الله في كتابه، المستوعبة للزمان والمكان، ليقدم اجتهاداً جديداً يعالج قضايا الواقع ومشاكله، وإدراك أن الأحادية قانون الهلاك المهلك للقرى، وأن هذا الدين جاء ليؤسس لتعددية التعايش لا لأحادية القرى، وأن رسول الرحمة محمد عليه الصلاة والسلام، قدم نموذج تعايش المدينة، فغير اسمها من يثرب إلى المدينة، إيذاناً بميلاد مدنية التعايش الإنساني، بغض النظر عن الملل والديانات، والأعراق، فكان حاكمها يسمى أميراً للمؤمنين، وبيت مالها بيت مال المسلمين، وعلى خصوم الإصلاح العودة إلى التعايش الذي تأسس باللقاء المشترك، وتأجيل معارك الخصومة، لمعركة صندوق الانتخابات ليُسقطوا الإصلاح ديمقراطياً، ويؤسسوا للصراع الديمقراطي بالصوت بدلاً عن السوط، ويتجه الجميع خلف شرعيتهم ومشروعهم الاتحادي، ليُسقطوا عدوهم المشترك، ومشروعه الإمامي، وكل مشاريع التآمر التي تستهدفهم، وتستهدف اليمن، الدولة والوطن، والشعب والأرض، والمستقبل.

د عبده سعيد المغلس

١٣ سبتمبر ٢٠٢١

الحجر الصحفي في زمن الحوثي