استغلال ضعف الاخر!!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
الخميس ، ٠٥ أغسطس ٢٠٢١ الساعة ٠٤:٤٦ مساءً

 

عارفين ماهو الفرق بيننا والغرب؟ لو قلتم الصناعة سوف اقول هذه مش صعبة لان الفجوة الصناعية نقدر على تقليصها. لو قلتم العلم, ايضا ليس هناك مشكلة فجامعاتهم مفتوحة لنا، وعلومهم ايضا، و جنوب شرق آسيا استفد من ذلك . طيب الثروات الطبيعية، ايضا غير صحيح، لان كل ذلك مكدس تحت اقدامنا، لكن لم نستفيد من ذلك؟ طيب هل الفرق الموقع الجغرافي، ايضا لا فالعرب لهم موقع مع منافذ على بحار، ومحيطات العالم. طيب احتمال الكثافة السكانية وتقسيمها، ايضا هذا غير صحيح فنحن شعوب شابة ولدينا طاقات كبيرة بينما اوروبا قارة عجوزة. طيب احترنا، فين الفرق و ليش نحن في نهاية الامم؟

السبب هو نحن فالله يقول "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". طيب هل ممكن توضح ما تقصد؟ كم شجلس اشرح، بس من وجهة نظري ابداء من نفسي منذ كنت صغيرا في اليمن، واقارن لك اين الخلل فينا كعرب، بشكل مبسط للعامة، والباقي عليك تكمل انت وتستنبط ما تريد.

عندما كنت صغيرا في اليمن كنت اسمع في الاعلام، والدواوين، ومن خطبائنا كل جمعة وبعد كل صلاة، وأساتذتنا في المدرسة بمناسبة وبدون مناسبة، يفردون اكثر من نصف الخطبة او الدرس او النقاش لتوصيف الغرب "الكافر" بكل الاوصاف، التي قد تخطر على بال. كل ذلك شكل قناعات معينة عليهم لدي.

لذلك كنت اريد الدراسة في مصر او سوريا بعد الثانوية، لكن كتب الله ان اكون من ضمن المبتعثين من التعليم العالي الى الغرب الكافر اي المانيا، ومن الامم المتحدة الى روسيا طب بشري، فقلت المانيا اخف الضرر، لان روسيا كفار عرابيد لا يؤمنون بشيء، هكذا كان وقتنا ومارسم المجتمع لنا. فرحت انني سوف انشر الفضيلة في المانيا، التي تعلمتها من صغري، وانقذ الغرب الكافر من تعاسة الحياة، التي يعيشون بها، واضمن الجنة برحمة الله وبصبرى في دعوتي كما قال لى اصحابي ومن عرفني وقتها.

عشت في الغرب "الكافر" اكثر من نصف عمري الى الان، تعمقت فيها تجربتي، وتأصلت خبرتي، ليس في العلوم الطبيعية، وانما الانسانية، لكني لم استطيع ان ازرع هنا زهور ثقافتي، ومنهجي المحمولة على عاتقي من المنطقة العربية، اي اليمن كما كنت اريد من اول ليلة، وكما كنت اتصور، واقول كما كنت اتصور. وبدلا من ذلك عشعشة غاباتهم الكثيفة في شخصيتى بتعاليمهم الحديثة، وافكارهم النيرة، والتي تُترجم من كل حلقات مجتمعهم الى سلوكيات عملية دون ابتذال، او تمثيل او ّمن.

وحتى لا اتهم انني احب الغرب او أنتقد في بيئتنا العربية دون تقديم حلول او خلاصة مانحن فيه وكيفية الخروج منه، فانا أحاول ان لا اطرح موضوعات الا لمراجعة الذات، واعادة البرمجة لأبنائنا وبناتنا، لكي ننتج مجتمع متزن متسامح يرتقي بسلوكه وعمله.

فمثلا في الغرب رأيت الطفل لا يتربى على شعارات الفضيلة، ولا الأفضلية المطلقة كمبدأ ارفع رأسك أنت عربي يمني او سعودي لك تاريخ عظيم، او انت من خير البشر كما تربيت وتعلمت انا، لكنه بسلوكياته واخلاقه يمتاز كثيرا عنا من دون مغالطة فكرية او كلمات جوفاء، والتي تيقنت فيما بعد ان ليس لها اى أصل أو سند في ديننا. فالطفل هنا حر لا يكذب، ولا يكره، ولا يحقد، ولا يخاف ولا يتملعن مثل حالنا عندما كنا مثلهم. في الغرب لا يحلم الطفل الا ان يكون ناجحا وفعالا وسعيداً، وفي اوطاننا نزرع الزعامة وثقافة حمل السلاح، والتسلط، والطبقية، والمناطقية والاستشهاد دون ذلك في اطفالنا مع كل نسمة هواء. وفي الغرب لا يعملون اى تمييز مابين الطالب العربي والغربي في التعامل او حتى الرسوم في مدارسهم او جامعتهم و مرافقهم، وفى اوطاننا لا يسمح الا لأبناء الوطن فقط في دخول الجامعات ام أبناء المقيمين ليس لهم الا ان يكتفوا بما حصلوا او ترك البلد كما هو حال الخليج العربي الغني بالمال. في الغرب رأيت الانسان لا يُعامل من قبل النظام على أساس جنسيته او قوميته او لونه او دينه او فقره او غناه او اسرته او مكانتها بل على أساس آدميته قبل وبعد كل شئ. لذلك في دساتيرهم الكرامة الانسانية لاتمس وتحتها تمر كل القوانين وأقول كل القوانين ولايستغرب ان يموت الكثير من المسلمين من غرق القوارب، وهم يهربون الى الغرب وليس الى مكة او المملكة والخليج.

في الغرب رأيت الانسان يحصل على حقوقه غير منقوصة كالرعاية الاجتماعية، حتى وان كان يستغل النظام ويتملعن، او يحصل على إقامة دائمة بعد المكوث عدة سنوات متواصلة حتى ولو دخل الى هنا بأوراق مزورة او حتى بدون أوراق إثبات الهوية او هارب او لاجئ انساني وليس سياسي ، بينما في بلادنا العربية والاسلامية وبالخصوص الخليج و المملكة يجدّد المقيم إقامته ولو مكث مئة سنة و لو هربنا نحن من الحرب عندهم وظلينا ٢٠٠ سنة فلن يكون لنا اي حق في الاقامة، ونحن جيران وأسرة واحدة من بداية الخليقة .

في الغرب لا يطرد من البلد من اشتغل ٥٦ شهرا لانه صار دافع ضرائب تعطيه الدولة حق الاقامة الدائمة حتى لو ظل بعدها على الرعاية الاجتماعية بقية حياته دون عمل، بينما في عالمنا قد يتم طرد مئات آلاف من اخواننا تحت قوانين مجحفة او مواقف سياسية عاطفية كما حصل في السابق، حتى وان عملوا ٥٦ سنة والغريب الادعاء اننا اخوة في الدين والارض والتاريخ المشترك بعد ذلك وسوف نجتمع في دينينا تحت راية واحدة بهكذا سلوك.

في الغرب تمارس كانسان سلفي او اخوان او كافر او مرتد او حتى جني حريتك في ممارسات معتقدك وتعيش بجانب غيرك مما ذكرت جار له باحترام، وفي اوطاننا افكارنا و قلوبنا ضيقة لا ترغب بالنقاش مع كل جديد او غريب حتى لا نقع في المحضور ويقام الحد لمن خالفنا، ونقتل لمجرد الاختلاف المذهبي والمناطقي والسياسي، ونبرر سلوكنا الشاذ ضد غيرنا. في الغرب لا يختزل دور المراة في النكاح و الانجاب وفرض الوصايا عليها في كل شيئ، وانما هى نصف المجتمع بدون مغالاة وقيادة الدولة تحتهن تعمل بانسجام غريب. في الغرب تستطع الزواج من من تريد حتى لو كانت بنت المستشارة الألمانية ان كان هناك توافق دون ان يقف القانون ضد هذه الرغبة، ويمكن ايضا لو انت فقير فتح بيت والحفاظ على كرامتك مهما كان معتقدك حتى وان كنت معدوم، وتستطع تأثيث شقة يتحملها مكتب الرعاية الاجتماعية بما انك قانوني اي دافع ضرائب من قبل، و اقامتك ٥ سنوات قانونية، بينما في المملكة على سبيل الذكر كموطن الرسالة وفيها مقدساتنا، وقبر نبينا ومحرك المنطقة الاسلامية ينتظر الانسان لمدة ٣ سنوات تقريبا، وقبلها يجب ان يكون لديه عمل واقامه سارية المفعول للحصول على إذن لزواج مواطنة، غلبانة، فقيرة، ارملة او مطلقة، ولم اقل بنت شيخ او امير هذا وهو يماني من نفس الثقافة والارض فما بالكم بهندي او صومالى مسلم، والذين قد ينتظرون قرن من الزمان. والمشكلة ان في الغرب زوجتك تعطيك طريق قانوني للجنسية والاقامة، واطفالك يحملون جنسية البلد بعكس الخليج و المملكة ارض الاسلام، والذي يجعل زواجك دون فائدة قانونية تذكر غير انك تنام مع الكفيل بسرير واحد.

في الغرب يحصل المقيم على الجنسية بعد ٦ الى ٧ سنوات متواصلة ان تكلم لغة البلاد، وألم بقليل من المعلومات العامة حول نظام الدولة و تقسيمها و ٤ مواد من الدستور كل على بعض لا تتجاوز ١٤ صفحة، وفي موطن الاسلام والخليج الاسلامية لا يُمنح الجنسية للعربي حتى وان ولد فيها و حفظ القرءآن بالقراءات السبع، التي حددها ابن مجاهد، و الانجيل والتوارة وتاريخ الجزيرة العربية من هبوط آدم عليه السلام مرورا بقبائلها وصعالكها حتى يومنا، فما بالكم بالهندي المسلم، هذا وهي مناطق تفتقر للسكان كثروة.

في الغرب يسعون دون تهاون الى استقطاب وتوطن وتجنيس كل كفاءة تخدم شعوبهم والانسانية جمعاء، ونخبنا وقادتنا تحارب ابنائنا ومغتربينا وكوادرنا العربية إما بانتقاصهم في الوظيفة، او المواطنة، او اقصائهم من الوظيفة القيادية او تطفيشهم او جعل المواطن، الذي امكانيته محدودة مدير عليهم بحكم انه فقط مواطن، وانت وافد.

في الغرب عقولهم النيرة تدير مؤسسات الدولة وقطاعات الانتاج، وفي اوطاننا جهال القوم وعسكر وشيوخ الوطن و بلاطجة السياسة والدين متمرتسين في كل مفصل في الدولة الى ان يسلموها الى المهدي المنتظر كما سمعنا، حتى ولو نظرنا الى حالنا في الدول الفقيرة . وفي الغرب لا تجد كفيلاً غربي يبتزّ مقيم عربي او هندي او صيني، يتاجر به او يطلب منه شيء دون وجه حق ولا تسمع كلاما جارحا، وفي عالمنا طفل صغير او كبير في الخليج يكفي ليقول لك اسكت ولاّ ارجعك بلدك، انا مواطن وانت مقيم تحتاج تتعلم كيف تخاطب المواطن تاج راسك، وكأن بيديهم صكوك من رب العالمين بتوزيع الارزاق، وحتى لو نظرنا لاخواننا في المناطق اليمنية الجنوبية وتعاملهم مع ابناء المناطق الشمالية هذا و نحن فقراء ننتظر دعم الخارج لنا بسلات غذاء.

في الغرب قد تجد امرأة تعمل كخادمة حدد لها النظام عدد الساعات و الايجار العادل دون انتقاص كرامتها و وضوح الشروط و الواجبات، وفي عالمنا تعمل مثل هذه الانسانة لمدة ١٨ ساعة في اليوم ٧ ايام في الاسبوع ب٢٠٠ يورو كما هو حال اخوتنا في الخليج مثلا ناهيكم عن الاستغلال و ما خفي كان اعظم كما نسمع هنا وهناك.

في الغرب نطرد وزيرا لانه اشترى لإبنه تذكرة طيران بتخفيضه كوزير، بقيمة لا تتجاوز ٣٠٠ يورو، وفي اوطاننا ابن الوزير هو الوزير القادم، وابيه لا يرى للمناقصات الا ابنه و اخيه، وحتى يفسح المجال لنفسه ولابنه لا يكل في تطفيش و اتهام و تخوين اهل الكفائات، وحتى لو نظرتم ليس فقط للخليج والعرب، وانما الشرعية اليمنية الفقيرة و المشتتة، التي لم تترك وظيفة الا واعطتها ابنائهم واقربائهم.

في الغرب الانسان المعاق والفاشل يُدعم حتى ينجح و يبدع، وفي بلادنا المريض والمعاق نسترزق بهم على ابواب المساجد والمصالح والاشارات. في الغرب تخلصوا من رجال الدين والاقطاعيين والفاشليين من ادارات مصائر الناس منذ العصور الوسطى، وفي اوطاننا العربية ننشئ لهم امبراطوريات بصكوك ربانية وسلالية ولوائح دستورية و استحقاقات مرحلية . في الغرب لا وقت الا للعمل وبناء المصانع والانتاج ونحن لا نملك لا مصانع تتحرك، ولا طاقات تفكر، ولا حتى خطاب عقلاني ولا سلوك انساني، ولا سياسة واضحة، ولا احلام مشروعة غير العمالة و الارتزاق، ولا حتى صرف صحي يسترنا من بقايا الامطار و انتشار الامراض و الأوبئة.

في الغرب يتعامل النظام بالاسلام النقي معك رغم كفرهم بالحساب و المعتقدات الدينية وفي بلادنا العربية المختلفة اصحاب السلطة و الفضيلة المطلقة تتعامل بمناهج الكفر و الاقصاء والتطفيش للاخر والعنصرية و الطرد حتى، وان كنت من نفس الوطن، برغم ايمانهم بالاخرة والغريب اننا ندعي الحق المطلق والجنة لنا. في الغرب الدولة تدفع مرتب للطفل ويزيد مرتبات الاطفال كلما زاد عددهم في الاسرة حتى و لو كنت جديد على هذا البلد او طالب او موظف. اي الدولة تدعم بالاسرة مع الاطفال مهما كانت جنسيتها و معتقدها و تسهل استمرار الاسرة و حتى رسوم الدولة تنخفض للاسرة مع الاطفال والضرائب، و تزيد لهم الرعاية الاجتماعية، وحتى رسوم استئجار الكتب تنخفض الى النصف للاسرة مع الاطفال، وايضا رسوم الحضانات للاطفال حتى لايشكل ذلك ثقل على رب الاسرة، بينما في المملكة لا يستطيع الاجنبي العربي ينام وهو يعلم انه سوف يدفع رسوم كل شهر لم يفرضها احد في الارض كلها على اسرة مقيم بهذا الحجم تكسر ظهره.

في الغرب لايطرد من الوظيفة شخص بسبب جواز سفره، او بلده، ولا ينهى عقد دون انذار مبكر، ولايستهدف فئة بعينها، ومن هم من بلد صراع وحرب فهم تحت الحماية الانسانية، وفي المملكة اغلق عقود عمل لدكاترة كونهم من اليمن ونحن نعيش جوار، فماذا بقينا لنحمل بعضنا بعض تحت مفهوم الجوار والاسلام وقبل ذلك الانسانية اقلها اعطوهم وقت لبحث البدائل، لا ادري اين اقف بالسرد، الذي لن ينتهي و لكني اكتفي.

وبناء على السرد السابق فيتضح لنا ان الفرق بيننا و بينهم هو السلوك الانساني، الذي يجسده القانون تحت حماية الكرامة الانسانية من المساس بها او استغلالها.

يتضح لنا ايضا من السرد ان قوة المجتمع وتماسكه وتفوقه واحلام انتاج الدولة المدنية الحديثة القوية، التي تتجسد فيها الفضيلة كصفة ربانية لنا كمسلمين قبل ان نتحدث عن القانون يكن نتيجة تقييم سلوكيتنا اولا و اخيرا، يكون نتيجة استمرار التأثير الثقافي والتسامح والتعايش، و ليس نتيجة استغلال ضعف الاخر او احتياجه، ومصادرة كرامته بصور مختلفة، وبحجج مختلفة نابعة عن المنهج الديني المذهبي، او الفقر الاقتصادي, او الاستغلال الانساني او السياسي او المناطقي او العسكري. البشر ترتقي بقوانينها وسلوكها، ونحن نسقط بقوانينا، وسلوكنا، وممارستنا و اخلاقنا كل يوم اكثر!!!!!

الحجر الصحفي في زمن الحوثي