مثل هذه الايام بدأت الساعة صفر !!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
الاربعاء ، ١٢ مايو ٢٠٢١ الساعة ٠٥:٣٨ صباحاً

 في " ٧ مايو" في عام ١٩٤٥ إستسلمت ألمانيا للحلفاء فى دار مدرسة صغيرة هى مركز قيادة الجنرال "أيزنهاور" ، وكانت حطام لا يبدو عليها انها كانت دولة، والشعب في مختلف اطيافه كان في حالة خوف، وإحباط، وصدمة، و إنهيار تام بعد الاستسلام بدون مغالاة. الحزن في كل بيت وكل اسرة. قتل منهم ٧ مليون فرد كنتيجة مباشرة للمعارك داخل الحدود الألمانية منهم ٣,٣ مليون عسكري مع نهاية عام ١٩٤٦م. وليس ذلك وحسب فقد كان هناك اكثر من ٤ الى ٥ مليون معتقل منهم في سيبريا يقاسون العذاب، والذين لن يعود الكثير منهم ولن يرو اهلهم، قتل منهم ١,٥ مليون في معسكرات العمل السوفيتي**، واخرين عند الامريكان . منازل بل مدن وبعض القرى كاملة سُويت بالأرض، قوات الحلفاء وبالذات الامريكان حملوا معهم العلماء والبرامج البحثية، ام الروس فاكتفوا بالمصانع والآلات والكنوز. تم مصادرات المال والحاضر والمستقبل، حتى لا يقوم بعدها قائمة للالمان مرة اخرى. لقد دُمرت البُنية التحتية بشكل كامل حتى لم يظل حجرا على حجر في مدن مثل همبورج ودرزدن ومجدبورج كما كان. تم تقسيم بلدهم إلى أربع مناطق محتلة، جمعت فيما بعد القسمة الأمريكية والبريطانية والفرنسية لتشكل في ما عرف بألمانيا الغربية، وعرفت القسمة السوفيتية بألمانيا الشرقية. تم فصل النمسا عن ألمانيا وقسمت هي الأخرى لأربعة مناطق محتلة، والتي عادت لتتحد، حتى عاصمتهم تم تقسيمها الى اربعة اقسام ايضا. اما مابقى من الشعب فكان عبارة عن نساء وأطفال وشيوخ. اما الرجال فجزء كبير منهم قتلوا، واخرون في الاسر في سبيريا وغيرهم، وجزء مصابون او من قوائم المشتتين، انتشر الجوع وتوقفت الحية السابقة، إنتشرت فكرة الإنتحار بين كثير من النازيين والاحباط، كثر اغتصاب النساء والاغتيالات، لكن رغم ذلك لم تنكسر العزيمة عند نسائهم وشيوخهم من الانطلاق من جديد وفي تصحيح فكرهم وسلوكهم الخاطيء، والذي اوصلهم الى ماهم عليه. ثم تلاها فكرة النهوض من الباقيين على قيد الحياة، ليس بصراخ الكنائس و دعوات المنابر او الانتظار لامر السماء، و انما بمعطيات وامكانيات الواقع الجديد وفكر اخر منفتح دون التباكي على الماضي، في غياب تام للحكومة و وجود محتلين اجانب وعدم وجود مال او حتى موارد اقتصادية بعد ان صودرت بلدهم. ثم تمخضت بعدها خطة مرشال لتعمير اوروبا، والتي سوف نفرد لها وقتها منشور اخر. بعد الحرب بدأ النساء والشيوخ والاطفال في المانيا بجمع الأنقاض لإعادة بناء البيوت وجمع الأوراق والكتب من تحت البيوت المهدمة من اجل اعادة عجلة الحياة الى الدوران بعد ان توقفت. بدأو بفتح الحضانات والمدارس و المعاهد حتى لا يضيع الاطفال بين ركام الماضي والخراب والشوارع، وليس كحالنا نترك اولادنا في كل صراع في الشوارع. كتبوا على بقايا الجدران المحطمة، وحفظوا في انفسهم شعارات تثبت الأمل عند الصغير قبل الكبير وتحث على تقديس العلم والعمل، مثل لا تنتظر حقك إفعل ما تستطيع ، إزرع الأمل قبل القمح، كل ذلك من دون خطابات طويلة ومكررة او دينية في بهوات الكنائس. هذه النغمة عيشتها انا معهم في اسلوب اخر في ٢٠٠٣ و٢٠١٣م عند حدوث الفيضانات في مدنهم وقراهم، والتى تظهر عفوائية نسائهم ورجالهم في التفاني في العمل التطوعي من غير انتظار مقابل هنا او عند الرب. كانت الفترة الاولى بعد الحرب تضميد الجراح وبناء البيوت والمدارس و الجامعات بالأمل والإيمان، والعزيمة، والمثابرة، فصنعوا النجاح بمعطيات و اقعهم. فاطلق العالم على النساء الالمانيات في تلك الفترة نساء المباني المحطمة.! بدأ الامل يعود الى الناس بإصرار نسائهم وحكمة شيوخهم مثل "كونراد أديناور" وردد شعار اننا سنواجه مشاكلنا ببحار من الصبر لا ينفذ، وبرغم ان اسراهم لم يعودو بعد، تعلم ابنائهم بشغف، انتشرت المكتبات والكتب حتى انهم لم يضيعوا وقت في نقاش او جدال, لماذا انهزمنا؟ وفي العام ١٩٥٤ ، فازت ألمانيا بكأس العالم، وكما ورد فقد كانت احذية اللاعبين في الاندية الالمانية والشعب لازالت الى وقتها مهترية " والى يومنا هذا عند كثير منهم من باب الاقتصاد كما يقال". لم يكن لديهم المال حتى يستوردون حسب الموضة والطلب، وانما كان هناك اولويات فعلموا الناس الادخار الى يومنا هذا. بعد ان عادت الحياة الى المدارس والجامعات في عهد عجوزهم "كونراد أديناور" اى من عام ١٩٥٥ كانت مرحلة بناء مصانع الانتاج، كتبوا شعاراتهم لهذه المرحلة ليس على المنابر وليست رسائل الغفران او المعلقات، وانما عبارات قصيرة تعكس قيمة العلم والعمل مثل "جدية وأمل" او "لتعلم لا يوجد شخص مسن" او"التجربة التجربة تصنع محترف". ألفترة التى تلتها بعد تم تسليح جيل كامل لم يعيش الحرب ليس بالبندقية ، وانما بالكتاب والقلم اى بالمعرفة ، بسياسة قادتهم مثل "لدفيج ارهارد" و"جورج كسنجر" اى من ١٩٦٥ حتى ١٩٧٤م، مما اظهر الاطمئنان والثقة بالدولة فظهرت رؤوس الأموال ورجال الأعمال، وتكفّل كل رجل أعمال وقتها بـ خمسين شاباً يُدربهم و يُعلمهم ، والتي لا زالت الى اليوم هذا ضريبة اجيال موجودة باسلوب الزامي واخلاقي وقبله اقتصادي . كانت مهمة الإعلام وقتها فتح افق جديدة في فكرهم ، مما بث الأمل و الاصرار عن النجاح والبحث عن الفرص والكف عن البحث عن مملكة السماء او الاوهام. في الحقبة التى تلتها كانت المعجزة او الطفرة في المجتمع الذي لايستسلم، والذي واجه العالم ببحور من الصبر، والتي بداءت بعد مستشارهم "فيلي برند" في ١٩٧٥ م وعهد "هلموت شمت". وهنا بدا الالمان بادخار المال الفائض في الميزانية لمجابهة اعباء الوحدة القادمة مع الجزء الشرقي من دون فلسفة او تغني. وكان الشعار هذه المرة "الذي عنده رؤية اى بيع كلام وفلسفة يذهب الى الطبيب يتعالج"، رفعوا شعار الجد والاجتهاد في العمل ولم الشمل واعادة الاسرة وتوجوهها من دون صراخ وعويل في ايام مستشارهم "هلموت كول" في ٣ اكتوبر١٩٩٠م ، برغم الحذر الشديد من الشرق والغرب من عودة المانيا كصداع اخر. لكن كانت المانيا قد خرجت كالمارد لا يمكن ان يظل حبيس الفانوس، خطت مسار الانفتاح وطمنوا العالم ان المانيا اليوم لن تكون الماضي اى ليست النازية، وانما الاوروبية ولن يحدوا عنها. بعد وحدتهم عادت القاطرة الألمانية كعنقاء من جديد رافعين شعارهم الجديد بعد الوحدة ان المانيا ليست الجغرافية، وانما الانسان، وصار كل حزب يدعو في الانتخابات هنا يقول لمواطنيه "انت المانيا". في اخر السنوات كان شعار جديد اخر قد ارتفع بعد ان ترسخت المانيا وهو "المانيا اليوم قوية ولابد ان تظل قوية" .لا تميز بين منظفة الحمامات ولا رئيس الجامعة، او حتى الدولة الكل دافع ضرائب وهم في الحقوق و الوجبات والطوابير في اى مصلحة سواسية. تعرفون ان الالمان يكاد يكون هو الشعب الوحيد في العالم, الذي يحتفل في ٦ يونيو بهزيمته يوم إنزال القوات الأمريكية والبريطانية على شواطئ (نورماندي) الواقعة في شمال فرنسا في ٦ يونيو ١٩٤٤. هم لا يريدون ان يذكروا الماضي لانهم اليوم اقوى مما كانوا وسوف ينجحون في العشر سنوات القادمة في المنة القارة الاوروبية بعد ان صارت القاطرة, التى تسحب عجلة الاقتصاد. والسر يكمن في الانسان وتأهيله فقد كانت ولازالت ركائز المانيا هم الشباب، لذلك جهزوهم بسلاح المعرفة والمبادرة. خُلاصة الامر ألمانيا بدأت من تحت الصفر مقارنة بحالنا في اليمن ولم توقف العوائق امامهم ولا المشاكل وانما غيروا الواقع بتكتفهم وتفاعلهم البناء في بناء انفسهم وقراهم ومدنهم , وبوجود ادراك حقيقي من الامريكان ان المانيا هي الحاجز امام الروس. لم يعطوا التخطيط لرجال الكنيسة ولا الى العسكر ولا المليشيات وانما الى المبدعين والمنتجين فهؤلاء من كانوا فرسان الرهان. فقد ادرك الجميع ان الحاضر نعيشه بما تزودنا به من الماضي ام المستقبل بما سوف نتزود به في الحاضر، فمن تزود الان بالسلاح لن يتقن حمل القلم و من تزود اليوم بالكتاب والقلم فقد عرف ان المستقبل بيد المجتمعات و الدول, التي تعتمد على المعرفة .

 

الموضوع نشر في السابق لكن حبيت تترسخ الفكرة حول فكرة النهوض من بين ركام الحرب ومخلفاتها **طبعا لم يكونوا الالمان ملائكة، فقد اعدموا قرابة ٢ مليون اسير سوفيتي كما ورد .

الحجر الصحفي في زمن الحوثي