قبل الفطور- البدايات تتشابه لكن النهايات تختلف!!!!!

برفيسور: أيوب الحمادي
الأحد ، ٠٢ مايو ٢٠٢١ الساعة ٠٣:٤٨ مساءً

 عندما دخلت المانيا لقيت فيها عرب واجانب من دول اخرى، وكان العرب هم اغنى طبقة يعيشون الجنة بها وبالذات من هم من العراق وليبيا واليمن الشمالي والجزائر ومصر. كان الفيتناميون حالهم مقارنة بالعرب فقراء ولا يتقنون اللغة الالماني ولا يتزوجون من المانيات. صعوبة اللغة ونطقها حاجز كبير كان امامهم, لذلك كانوا كشريحة مهاجرة امامنا العرب منعزلين أو أقلها لحالهم. بعد ١٩٩٠ حصل تغيير في حالهم تماما, احتمال فكري نابع مما يحصل في بلدهم، وانعكس عليهم، أي ما حصل في فيتنام من باب القدر حصل في حياتهم هنا، فتحركوا في التجارة والمطاعم والاستيراد بأشياء بسيطة كنا نظنها أنها لا تجلب شيء. لكن المطعم الفيتنامي كان خلية عمل فالزوج و الزوجة والابن والاخ يعملون معا ويكملون بعض، وحتى وان كان محل ثياب بسيط مثلا. اليوم  صاروا هم اغنى شريحة مهاجرة بتملك العقارات والاعمال الحرة  والترابط مع بلدهم في التجارة اقلها في الجزء الشرقي من المانيا، ولا تجد احد منهم في مكاتب الرعاية الاجتماعية أو نقول نادر جدا مقارنة بغيرهم، بينما العرب ظلوا كما اوطانهم وتنعكس حال أوطانهم عليهم برغم أنهم كانوا في حال أفضل ولا اقصد التعميم هنا، ولكن من مضحكات القدر.  كنت جالس اشرح موضوع عن فيتنام وما حصل هناك كدولة وكما اعرف من طلابي واصحابي منها واختلاطي بهم. كان طريق جمهورية فيتنام الاشتراكية إلى التجارة الحرة صعب ومعقد، حتى أواخر ثمانينيات القرن الماضي، كان البلد يحكمه اقتصاد مخطط له رقابة صارمة يستند إلى نموذج الاتحاد السوفيتي المبكر. فقط الجفاف الشديد والمجاعات اللاحقة  وانقطاع الدعم أجبرت الحكام في هانوي على إعادة التفكير. في عام ١٩٩٠ قرروا القيام بتحرير السوق وشق سياسة انفتاح وتعاون  جديدة حتى مع من هم في خانة الاعداء،  ويكفي ان تعرفوا ان الدخل القومي لها كان اقل من اليمن بكثير الى ١٩٩٠ ولم يصل حتى ٧ مليار دولار. بلد فقير كان يعتمد على دعم السوفيت و المانيا الشرقية وما تصدر.

 التصدير وقتها من موردها الطبيعية لم يتجاوز حتى ٢ مليار و ٤٠٠ مليون دولار بينما ما تستورد كان اكثر مما تصدر بفارق ٤٠٠ مليون دولار. انهارت السوفيت والمانيا الشرقية في نفس العام، وبداء التحول في السوق المقيدة والمخططة الفيتنامية والاعتماد على الذات. بدأت الحكومة في خصخصة الشركات المملوكة للدولة وإعادة هيكلتها. وكانت النتيجة نموا مثيرا للإعجاب، والذي سرعان ما تخطى اليوم "النمور" مثل تايلاند وماليزيا  لدرجة ارتفاع الناتج القومي خلال ١٠  سنوات الى ٥ اضعاف وصل الى ٣٣ مليار دولار ولم تمر ٢٥ سنة عن ١٩٩٠ الا والناتج القومي ١٨٦ مليار دولار والتصدير في حدود ١٥٠ مليار دولار بارتفاع ١٤٧ مليار دولار عن عام ١٩٩٠ ، اي تضاعف الامر اكثر من ٧٠ مرة  في خلال ٢٥ سنة.

 اما اليوم فالناتج القومي لفيتنام بلغ ٣٢٩ مليار  بارتفاع ٩٠ مليار عن قبل سنتين والذي يعادل ٢٤١ مليار دولار. اما التصدير فنحن نتحدث عن ٢٢ مليار دولار شهريا، اي ما تصدره فيتنام في العام يتجاوز حاجز ٢٩٠ مليار دولار ولم تعد تصدر مواد اولية او زراعية وانما صناعية مثل الآلات والمعدات الكهربائية بقيمة ١١٧ مليار دولار أمريكي والأحذية بقيمة ٢٢ مليار دولار أي ٤ اضعاف ما كانت تصدره اليمن قبل الحرب تقريبا من كل منتجاتها وهذا فقط في مجال الأحذية مثلا. 

اليوم فيتنام تصدر ايضا الآلات المختلفة بما في ذلك أجهزة الكمبيوتر بقيمة ١٥ مليار دولار، و الملابس والاكسسوارات بقيمة  ١٥ مليار دولار،  الأجهزة البصرية والتقنية والطبية بقيمة  ٦ مليار دولار و القهوة و الشاي و البهارات ٤ مليار دولار. وهنا نجد انها حتى في القهوة فيتنام  اصبحت ثاني اكبر مصدر للبن خلال ٣٠ عاما، و يعد انتاج القهوة في فيتنام "قصة نجاح" شارك فيها بعض رواد الاعمال المعروفين على المستوى الوطني هناك. و يمكن تصور ذلك بالنظر الى عدد سكان فيتنام البالغ ٩٧ مليون نسمة  فإن إجمالي صادراتها في عام ٢٠١٨  يترجم إلى حوالي ٣٠٠٠ دولار لكل فيتنامي.

 فيتنام استثمرت في التعليم والاستقرار، وهذا جعلها تكون في اقل من ٢٥ سنة من النمور الصاعدة، استقطبت في ٢٠ سنة اكثر من ١٤ الف مشروع استثماري اجنبي وفيها الان اكثر من ٩١٠٠ شركة اجنبية، وهي من قائمة الدول ١٠ في التصدير في العالم، وتتحرك بسرعة  للصعود  برغم عن مشاكل الفساد والمنافسة الخارجية.  صحيح ان التطور الاقتصادي السريع لفيتنام يرجع إلى عوامل مختلفة مثل الموقع الجغرافي الملائم للبلاد، ورأس المال البشري وعلى سبيل المثال العمالة الرخيصة والمؤهلة، لكن لازال هنا طموح اكبر لازالت تسعى اليه فيتنام  لحل المشكلات الأساسية مثل الافتقار إلى القدرة التنافسية للعديد من الشركات المملوكة للدولة والفساد والبنية التحتية الضعيفة والعقبات البيروقراطية. 

ما يهم هنا ان ننظر للنجاح احتمال نتعلم من تجارب الشعوب، ففيتنام استقطبت اكثر من ٩١٠٠ شركة اجنبية وهذا العدد للعام ٢٠١٥ ، اما اليوم فلن استغرب ان كان الحديث عن ١٥ الف شركة اجنبية ونحن نحارب اليمني اينما يكون، كونه ليس منا ونجعله يهاجر مشتت الافكار، ويستثمر في ادغال افريقيا ولا يظل تحت عجرفة وعنصرية اخيه. 

هم يتحركون الى الامام ويعرفون طريقهم، يبحثون عن الانفتاح والاستقرار و استقطاب المال والبشر  كون مشاريعهم لا تنظر للماضي ونحن عكسهم تماما. غيرنا ينجح كون  لديهم  في السلطة عقول البلد تنتج مشاريع حياة وعمل وتنمية ونحن نتخندق مع شخصيات لاتمتلك اي امكانيات غير الحزاوي والهدرة والزعامات الفارغة ومشاريع الماضي، وننتظر معجزة تحصل.  البدايات تتشابه لكن النهايات تختلف بسبب العقول في السلطة، وانظروا لحالنا ٦ الى ٧ مليون مغترب و٨٠ في المائة منا كمجتمع تحت خط الفقر.  فهل يجب ان نستمر كما نحن ام يجب اقلها ان نطمح مثل غيرنا واقول اقلها ان نجنب اليمني الاختيار بين الاحتراب او الاغتراب.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي