خواطر رمضانية"15" .. الإنس والجن في القرآن

د. علي العسلي
الاربعاء ، ٢٨ ابريل ٢٠٢١ الساعة ٠٩:٤٤ مساءً

الحديث اليوم عن ((الجنّ)) في القرآن  لتكتمل الصورة في الحديث عن أدم والملائكة والناس والشيطان؛ مع التركيز في هذه الخاطرة على الثنائية (الانس والجن) والعلاقة بينهما كأنموذج ..!؛ فكلمة "الجن" مشتقة من الستر والخفاء،((فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الَّيْلُ رَءَا كَوْكَبًا))، ويقال: {أجنت الحامل الجنين}،أي سترته في الرحم، ومنه في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ﴾؛ والجنة بأشجارها وتشابك أغصانها تستر وتحجب المرء عن رؤيته إذا دخلها، والجنان هو قلب الإنسان؛  سمي بذلك لأن عقله مستور، والجنين سمي بهذا الاسم لأنه مستور في ظلمات ثلاث المشيمة والرحم والبطن، ويسمى القبر جننًا ((مجنّة)) لأنه يستر المدفون الذي يوارى داخله بالتراب، ويسمى الدرع الذي يلبسه المقاتل بالمجن لأنه يستر جسمه و يحميه، وفي الحديث ؛  ﴿الصيام جنّة﴾، أي وقاية وستر لصاحبه من الشهوات والملذات..؛ واصطلاحا: الجن هو من العوالم الغيبية التي نصدق بوجودها ونؤمن بأن هذا العالم يستحيل علينا تعريفه بعيدًا عن الوحي.. ؛ والجن هم أجسام عاقلة تغلب عليها النارية كما يشهد لهذا القول فول ربنا تعالى: ﴿وَخَلَقَ الجَانَ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ﴾؛ اما الانس فهم من معاني الانسان وقد تحدثنا عنهم سابقا..؛ 

((الجن))  يشبه ا((الإنس))،في الهدف من خلقهما ؛ أي للــــ ((العبادة))، " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ"؛ والجن كما الانس منهم المسلمون ومنهم الكافرون ومنهم الدعاة ومنهم الفقهاء؛ قال تعالى : ((وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك )) ؛و قوله: (( وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون )) وقال ((فقالوا إنا سمعنا قرءانا عجبا)) وقال ((يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ )) وقال تعالى : ((يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ))..؛ فالجن كما الانسان أرواح عاقلة، مريدة، مكلفة..؛ وهم يأكلون، ويشربون، ويتناكحون، ولهم ذرية، ومحاسبون على أعمالهم في الآخرة.

أما الاختلاف يتمثل في أن الجنّ مجردون عن المادة، مستترون عن الحواس، لا يرون على طبيعتهم، ولا بصورتهم الحقيقية؛ فالجن خلق يغاير طبيعة البشر من حيث الشكل وأصل المادة المخلوقين منها، قال تعالى: ((خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّار)) ٍ.. ومن سياق آيات القرءان أن الجن خلقوا قبل الانسان ((والجانّ خلقناه من قبل من نار السموم))، ومثلهم مثل الانسان، منهم من يدخل الجنة ومنهم من يدخل النار، كما أنهم يتكاثرون مثل بني آدم..؛ ورد لفظ الجن في القرآن الكريم في عدة آيات، وسميت باسمهم سورة هي سورة الجن، فهذا المخلوق مهم إذاً..؛ وقد جاء في الحديث أن " الجن على ثلاثة أصناف، صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء، و صنف حيات و كلاب وصنف يحلون و يظعنون " ؛ وأشار القرءان عن الجن و الشياطين، فذُكر بعض انواعهم، حيث ذُكر الشيطان المارد و ذُكر العفريت و ذُكر القرين..؛ وورد ذكر الجن والإنس معا (الثقلان)، وسٌمّيا بالثقلين لأنهم يتباطؤون  في فعل الخير في الأرض ويفضّلون الحياة الدنيا على الآخرة ويكذّبوا بآيات الله إلا من رحم ..؛ 

تحدى الله ((الانس والجنّ)) بالإتيان بمثل القرءان وجه هذا التحدي للإنس والجن باعتبارهما معنيان بأوامر ونواهي هذا القرءان الكريم..، وورد تقديم الانس مرات وتقديم الجن كان هو الأكثر في اطار الثنائيات بحسب السياقات الوارد فيها اللفظين ..؛ أما العلاقة بين الانس والجن هي علاقة مبنية على تبادل المنافع والمصالح ؛وهذه هي ذاتها منذ القدم لم تتغير، ولآية الكريمة { ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم } ،قد لخصت بوضوح طبيعة وجوهر تلك العلاقة ((علاقة كفر ومعصية))..؛ فالاستمتاع  من الطرفين؛ فالجن تفتخر وتستمتع بما تقدمه، فالإنسي يبذل الطاعة وربما العبادة للجن، والجن يبذلون منافع السحر والشعوذة للإنس، فالعلاقة متبادلة بين الطرفين، ولكن في أسوأ صور العلاقات وأحطها منزلة.. وليعلم المرء أنه لا حصانة ولا حماية من أذى الشياطين والجن إلا بالإكثار من ذكر الله تعالى..؛

الحجر الصحفي في زمن الحوثي