إلى صنعاء

عبير عتيق
الجمعة ، ٢٦ مارس ٢٠٢١ الساعة ١٠:١٩ مساءً

 

في مثل هذا اليوم قبل ستة أعوام استيقظنا جميعاً على واقع مختلف وأحداث جديدة بينما لم يَنْمِ البعض بتاتاً..

أتذكّر أنها الليلة الأولى والوحيدة التي لم أشعر بشيء كنت في حالة موت مؤقت..! فكيف لصنعاء أن تبكي طوال الليل ولا يفتزّ قلبي لها..؟! كيف أن أنين روحها لم يُزعزع غيبوبتي العجيبة..؟! أنا مازلت أمقُتُ نفسي وألومها على تلك الليلة..! فقط عندما أتذكّرها تتصور لي خيالات صنعاء وهي تكتوي صامتة بغزارة النيران المُمطرة..

أتروا كيف أن صنعاء أمٌ حنون، كتمت ألماً ألمَّ بها خوفاً على قلوبنا من الفزع..؟! تُرى ماذا قدّمنا لأمّنا الرؤوف لنستحق كل ذلك..؟! فعلاً كما قيل الأم تعطي بسخاء وبلا مقابل..

كانت ليلة خميس ، الليلة التي قلبت الدنيا حالها مُفاجِئةً الجميع.. لا أدري كم ساعة انقضت وكيف مرت حرارتها على صنعاء..؟! ما أتذكّره أن فجر ذلك اليوم كان هادئاً كغير العادة حتى العصافير كانت في سُبات عميق، فقد كانت ليلتهم مُنهِكة..ذلك اليوم الذي لم أُكمل فيه طريقي المُعتاد..؟ 

لم ولن أنسى عجزي في احتضان صنعاء وهي ترتجف شامخة في الليالي المُوحشة.. لم ولن أنسى أياماً حُرِمت فيها من تأمل سماءها الصافية كما اعتدت..؟! لم ولن أنسى كيف أن الحياة حزمتْ متاعها وهاجرت بلا موعد عودةٍ معلوم..؟!

أتذكُرين يا صنعاء يوم الوداع..؟! كيف كان باهتاً.. كيف أن الصمت خيّم على قلوبنا..! كيف أن الدهشة اعتلت ملامحنا والذبول كسى أرواحنا..!

أتذكّر جيداً أن عيناي لم ترمش حينها، خوفاً من أن تفوتها إحدى تفاصيلك، حاولت أن أصور كل جمالك لأمتلِئ به زاداً في رحلتي المجهولة.. أتذكّر واستغرب معاً أنني لم أبكي، شعرت حينها بخيانتي لي، كيف فقدت السيطرة عليّ..؟! تُرى هل كان هول الموقف سبباً، أم أن أمل البقاء كان أقوى..؟!

أُجدد وعدي لكِ اليوم، واستسمحكِ عُذراً ، و أُقسم أنني لم ولن أُفلِتَ يدكِ في منتصف الطريق، فأنا إن أحببت شيئاً أُدمِنُهُ، وأنتِ إدماني الأبدي الذي لن أقاومه ولا أخجل منه..

أتعلمين..؟! أنني أحيّا على نصف شهيقي الذي لن يكتمل زفيره إلا بعليل نسيمك.. عن ماذا أحدثكِ يا صنعاء..؟! أخبريني؟!  عن وحدة الليالي، برودة الروح، أم بكاء القلب..؟! لقد تجرّعنا هذه الكؤوس الثلاثة واعتدنا مرارتها في بُعدكِ..

صنعاء..!  هل أجول في تفكيركِ حِيناً، كما أنكِ تحتلّي كل تفكيري..؟! تسرقين كل أوقاتي، وفي شرعي أُحلِل ذلك لكِ..! فأنا أراكِ في أعين المارة، في أحاديثهم، وفي كل مناماتي كيف لا وأنتِ الدفئ الذي يحتضن قسوة الأيام عليّ.. ويد العون الأولى التي تنتشل ضياعي..

أُبشركِ يا حبيبتي هاهي دمعتي الأولى انهمرت، ولكنها مجهولة الهوية كما أنا سواكي..! تُرى هل هي دمعة الحنين أم أنها الدمعة التي اختبأت يوم الوداع..؟! لا أدري ولا تدرين! ما لَحِظته أنها حفرت على خدّاي مجرى دائماً تسبح فيه كل أشواقي إليكِ..

أخبريني أما زال الحمام الزاجل يحوم في ربوع سماءك..؟!  كي أُرسل بعض قُبلاتي إليكِ وتُهديني بكرمك معه روحاً أحيّا بها حتى يحين لُقياكِ..؟!

سأختم مُناديةً الشمس كما ناداها أبانا البردوني: يا شمس صنعاء الكسول ... أما بدا لكِ أن تدوري..؟!

الحجر الصحفي في زمن الحوثي