أمي .. طفلتي المُدللة ؟

عبير عتيق
السبت ، ٢٠ مارس ٢٠٢١ الساعة ٠٩:١٥ مساءً

أول قلب أحبّني قبل أن أشغل حيزاً في الوجود..

أول روح احتوتني قبل أن أرى حقيقة الأشياء حولي..

أول من اعترفت بي كياناً ذو معنى..

أول من فرّضتني على عنجهية الحياة.. أول من تُزين يومي بابتسامتها..

أول من تلمح دمعة مُتستّرة تُكابر الانهمار.. أول سؤال أرد عليه كل يوم وأبداً.. أول رأي يَفُكّ عُقدي وآخر قرار يمحو شتاتي.. أول حضن اختبئ فيه إذا ما عِفت الحياة.. هي عيناي التي استنير بها..

تُصدّق هذياني..؟! 

تَسبح معي في خيالاتي الواسعة بلا ملل..! تُحب اختياراتي وتغدو اختيارتها أيضاً.. تُشجّع بذور أفكاري وترويها عزيمة.. تستوعب غضب خلف صمتي، وتفهم راحة بالٍ خلف سكوني..!  لم تمنعني من الجنون يوماً، بل تشاركني إياه أحياناً..! لم ترمني من الهاوية، وضعتني هناك وعلّمتني كيف أجد طريق العودة بأمان..

لم تقلّ لي نعم دائماً، ولم تنفذ كل رغباتي، ولم توافق على كل قراراتي لذا شكراً بحجم السماء في كل مرة كانت فيها ( لا) كلمتك الأولى لي.

لم تُجّبرني يوماً على شيء، بأسلوبها كانت تجعلني اختار ماتريد هي بقناعة، أو أختار ما أريد بمسؤولية.. لم تكن تقبل الاعتذار بسهولة، والآن أدركت سرّ ذلك.. رغم أنها فيض من العاطفة ولكن جدّيتها لا جدال فيها؛ لا أعرف حقاً كيف جمعت بين هذين النقيضين..؟!

لم تُخفي قُبح الكذب يوماً بستارٍ أبيض ، تحت مسمى "كذبةً بيضاء" ، بل علّمتني أن اختيار أطول الطرق وأكثرها مشقة واجب إن كان الصدق عنوانها.. الوضوح باعتدال، والصراحة بحدود وصايا احتفظ بها إلى الآن..

 

ممتنة أنكِ جعلتيني حَكماً على نفسي ، أُميز بين الصواب والخطأ، أُفرق بين العيب والحرام، وأعلم متى أُعير كلام الآخرين اهتماماً ومتى أرميه خلف البحر..

أنتي خليط عجيب بين الرِقة والصرامة، خفة الدم والجدية.. قربك مني لم يؤثر على هيبتك يوماً، بل زادها عظمة..

هل تعلمي أن ملامستك للأشياء تجعلها مقدسة حتى التراب تحت قدميك.. أما سرّ الجمال الذي تعكسينه على محيطك حيثما حللت لم يحالفني حظ معرفته..؟!

دعيني اعترف أنني أحب كل ما يحبه قلبك، روحاً كان أم جماد، انتبه لأبسط تفاصيلك التي تهملينها..

لولا أن الله بعظمته أخبرنا أن الجنة هي أفضل وأجمل مافي الوجود لبحثت لكِ عن وصفٍ أعمق. ولكن كلمته الحق وأنتي نعيم الجنان في الدنيا والآخرة..

يا من صبرها لا ينفذ، وعطاءها لا ينضب، وعالمها لا يضيق بأحد.. يا وطناً لا بديل له ، ولا غنى عنه.. يا أجمل البدايات وأعظم النهايات.. يا قبلتي المقدسة..

أمي حبيبتي  في كل مرة تبتسم لي الحياة أعلم أنك أرسلتي سهام دعاءك إلى السماء

مللت من نمطية كلمة أحبك  ولكن اعلمي أنكِ طفلتي المُدللة التي أخاف عليها من النسيم العابر

الحجر الصحفي في زمن الحوثي