لله ثم للتاريخ

تيسير السامعي
الخميس ، ٢٨ يناير ٢٠٢١ الساعة ١١:٥٠ صباحاً

لا تلمْ الجنوبي الذي يطالب بالانفصال أو فك الارتباط أو تقرير المصير، لكن لُمْ من كان السبب في ذلك.

سياسة الهيمنة والاستحواذ وغياب الشراكة والتوزيع العادل للسلطة والثروة، التي مُورست من قِبل مراكز النفوذ في صنعاء والإصرار عليها، هي السبب.

عشت نهاية التسعينات (أيام الدراسة الجامعية) في عدن قرابة الخمس سنوات، كان لي زملاء من كل محافظات الجنوب، لم أجد أحدا يذكر الانفصال أو يتذمّر من الوحدة، بل إن الأغلبية العظمى كانوا يعتبرون الوحدة مقدّسة. الأمور تغيّرت، والقناعات تبدلت، لأنها وجدت من يغذيها، ممن لا يريدون الخير لليمن، إضافة إلى الإصرار على ثقافة الهيمنة عند من بأيديهم الأمور في صنعاء، حتى وصلت الأوضاع إلى ما وصلت إليه اليوم.. فلا تلوموا الضحية وتتركوا الجلاد!

وثيقة مخرجات 'الحوار الوطني' ومشروع 'الدولة الاتحادية'، التي أقرّها مؤتمر 'الحوار الوطني الشامل'، الذي عُقد في 2013، وشاركت فيه كل القوى السياسية في الشمال والجنوب، كانت فرصة كبيرة لإصلاح الوحدة، وإعادة بنائها على أسس سليمة تحقق الشراكة الحقيقية، غير أن الانقلاب عليها - في عام 2014- ومحاولة فرض أجندة الهيمنة بقوة السلاح على اليمن عامة والجنوب بشكل خاص، عقدّت الأمور وعمّقت الجراح، ووصلت الأوضاع إلى وضع سيّئ للغاية، لولا أن هناك قيادات من أبناء الجنوب -في مقدّمتهم الرئيس عبدربه منصور هادئ- ما يزالون متمسكين بالوحدة، لكان الانفصال حصل منذ سنوات. 

استمرار الأزمة الحالية، والحرب التي تعيشها اليمن منذ عام  2015، وإصرار بعض القوى في الشمال على حسم الأمور بقوة السلاح، وعدم الاعتراف بالواقع في الجنوب، واحترام إرادة الناس هناك، سيعّقد الوضع أكثر، وستكون النتيجة في النهاية "ذهاب الوحدة"، ليست الوحدة السياسية فقط بل والوحدة الشعبية والثقافية والاجتماعية أيضاً.

إذا كنا فعلا نحبّ الوحدة وحريصين على بقائها، علينا تقديم التنازلات التي من شأنها أن تحقق وحدة حقيقية قائمة على الشراكة الكاملة، وتقطع الصلة بالماضي، وتعطي كل ذي حق حقه. علينا أن ندرك أن القوة لا تصنع انتصارا، ولا تصنع أوطانا مستقرة، ولا يمكنها أن تصادر إرادة الناس، مهما كانت تملك من سلاح وعتاد.

لن تكون هناك وحدة إلا بالتراضي والحوار الحقيقي، الذي يفضي إلى حلول تُرضي الجميع. لا حل أمامنا إلا طريق الحكمة والعقل، وتقديم مصالح البلاد العليا أولا على الأجندة الخارجية، ثم على المصالح المناطقية والطائفية والحزبية.

نحن اليمنيين -بمختلف توجهاتنا من المهرة إلى صعدة- أمام مسئولية تاريخية وتحدٍ تاريخي، لا مجال فيه للنزعات والعواطف والمكايدات.. ولا مجال أمامنا إلا خيار واحد هو "الانتصار لليمن الكبير".

  من يخذل اليمن اليوم ويقدّم الأجندة الخارجية، ونزعاته الطائفية، وعواطفه المناطقية، وأفكاره الأيدلوجية والحزبية، على الانتصار لليمن الكبير الموحّد، سيذهب إلى مزبلة التاريخ، وستلعنه الأجيال  القادمة، فالتاربح لا يحابي أحدا. كل المبررات التي يحاول البعض أن يسوّقها للناس من أجل الاستمرار في غيّه والانتصار لعواطفه ونزعاته، مرفوضة تماما، لا تنخدعوا بالكلام المعسول عن الدفاع عن السيادة أو استعادة الدولة، وغيرها من المصطلحات التي يرددها اليوم تُجّار الحروب من أجل استمرار حروبهم.

  السيادة الحقيقية والدولة الحقيقية هي الانتصار لليمن الكبير.

الانتصار لليمن الكبير هو الإيمان بالسلام، وإيقاف الحرب، فالحرب لن تحقق إلا مزيدا من الدّمار. الانتصار لليمن الكبير هو الإيمان بالحوار والتعايش والشراكة الحقيقية والتوزيع العادل للسلطة والثروة. الانتصار لليمن الكبير هو الإيمان بالمواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية، فلا سيّد ولا زعيم ولا شيخ ولا قائد، كلنا مواطنون متساوون، مرجعيتنا جميعا هي "الدستور والقانون".

الانتصار لليمن الكبير هو رفض الأجندة الخارجية أيا كانت، وتحت أي مبرر. الانتصار لليمن الكبير هو العودة إلى ما توافق عليه اليمنيون، والاحتكام إلى صندوق الاقتراع. الانتصار لليمن الكبير هو بناء الإنسان اليمني أولا وقبل كل شيء، وبناء اقتصاد قوي وتنمية شاملة.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي