يناير 1986 مجزرة الرفاق

عبدالناصر العوذلي
الاربعاء ، ١٣ يناير ٢٠٢١ الساعة ١٠:٤٢ مساءً

 

تمر علينا  اليوم  الذكرى الخامسة والثلاثين لأحداث  يناير المشؤومة التي انفجرت بين الرفاق في الحزب الاشتراكي عام 1986 ..

في مثل هذا اليوم وصل  الإحتقان السياسي بين رفاق الحزب الى مرحلة الإنفجار فكانت الساعة العاشرة من صبيحة يوم الإثنين في المكتب السياسي مجزرة لرموز وقيادات الحزب في واحدة من أكبر عمليات التصفية التي قام بها الرفاق فيما بينهم، منذ الإستقلال عام 1967 ..

لم يكن الرفاق في الحزب الاشتراكي اليمني، بمستوى حجم الدولة التي آلت إليهم إدارتها، بعد رحيل المستعمر، ولم يكن الرفاق بالأهلية التي تخولهم إدارة شؤون البلد، فلقد كانوا شلل وجماعات تدعي انها تنطلق من مفاهيم الاشتراكية العلمية .

والراجح والمرئي، أن   الاحداث القتالية المتتالية، فيما بينهم، من 67 الى 86، تدل على انهم قطعان، لاتفقه ماتدعي انها تنضوي تحت تعاليمه، فتصرفاتهم المراهقة، اثبتت انهم مجموعة من القبائل، تتأطر، في إطار، القبيلة والمنطقة، وأثبت نوع الصراع انه مناطقي صرف أكثر من أن يكون صراعا أيدولوجيا .. 

نظرية إشتراكية هشة، يحملها من لا يفقهها، في بلد ترفضها، أمر يدل دلالة واضحة ان النخبة السياسية التي حكمت الجنوب هي نخبة سياسية وصلت  حد السفه وعدم الأهلية القانونية والعلمية والإجتماعية يتضح ذلك من خلال جهلهم الواضح في بناء مؤسسات الدولة وإرساء دعائم دولة متوائمة منسجمة مع شعبها ومع محيطها العربي ..

كانت الصراعات التي يقوم بها الرفاق فيما بينهم  متتالية وهي كل اربع سنوات بالأكثر ففي عام 1968 كانت الحركة التصحيحية التي أطاحت بقحطان الشعبي وفيصل عبداللطيف الشعبي وأمسك مقاليد  الأمور الرئيس سالم ربيع علي 《سالمين 》وفي مطلع السبعينات من  القرن العشرين. جاءت المرحلة التالية من صراع الرفاق. 

 فكانت التصفيات التي طالت العديد من رموز الحكم آنذاك  فمنهم من تمت تصفيته جسديا مثل محمد صالح مطيع  ومنهم من فر الى شمال الوطن مثل وزير الدفاع حسين عثمان عشال ومحمد علي هيثم رئيس الوزراء آنذاك، وفي عام 1978 كان الإنقلاب الذي أطاح  بالرجل القوي والرئيس الذي بدأ يصنع نموذج للدولة المدنية سالم ربيع علي 《سالمين 》 ..

كان هذا الإنقلاب بقيادة علي ناصر محمد وعلي احمد ناصر عنتر وعبدالفتاح إسماعيل وصالح مصلح وعلي شايع والإخير تقول  روايات انه من قام بإطلاق الرصاص على الرئيس سالمين وأرداه قتيلا بعد أن قاتل الأخير  حتى نفذت من الذخيرة هو ورفاقه امزربة وعلي سالم لعور  جاعم صالح   ..

ومن ثم تسلم الرئاسة عبدالفتاح إسماعيل وهو في خوف شديد كونه يعلم أن هذا الكرسي مميت وهو أيضا قد اخذ الدروس والعبر ممن سبق وتعلم أن يدير المؤامرات من الخلف لكنه ينأى بنفسه من التصفيات التي لم  تكن تطاله على مدى مراحل التصفيات  منذ  الإستقلال .

 عبدالفتاح إسماعيل كان الجناح الناعم في الحزب الاشتراكي اليمني والأكثر رايكالية شيوعية  والأكثر ارتباطا بموسكو وبعد عام من تقلده مهام الرئاسة اتفق الرفاق على تصفيته وكان علي عنتر ورفاقه من الضالع ويافع يؤيدون قرار تصفيته جسديا  لكن علي ناصر محمد كان له رأي آخر وهو الإبقاء على حياة الرجل ونفيه الى موسكو  وقد كان ذلك .

 أقنع علي ناصر  رفيقه عبدالفتاح إسماعيل  بالرحيل وترك الأمر حفاظا" على حياته . رحل عبدالفتاح إسماعيل الى منفاه واستلم  علي ناصر محمد الأمانة العامة للحزب ورئاسة الدولة ورئاسة مجلس الوزراء ثلاثة في واحد ،لكن  الصراعات كانت قائمة على قدم وساق فقد كان علي احمد ناصر عنتر وزيرا للدفاع وصالح مصلح وزيرا للداخلية وكلاهما من الضالع وعملا على تجيير  المؤسسة العسكرية والأمنية لمديرية الضالع بنمط مناطقي بحت بعيد عن روح البناء المؤسسي المتوازن الذي يراعي حقوق المحافظات الاخرى .

حينها  أدرك علي ناصر  أن هذا الخطر سيدمر المؤسسة العسكرية، ورأى أن  الأمر قد بلغ مداه واصبح الجيش والأمن في اكثريته من الضالع ومعهم حليفتهم يافع الذي عرف عليهم التبعية المطلقة للضالع ، ولذلك أصر علي ناصر محمد على تغيير علي عنتر من وزارة الدفاع وتعيينه نائبا لرئيس الجمهورية، ولكن الأخير أصر على ان لا يترك الوزارة إلا ان يكون البديل من الضالع  وقد كان له  ذلك فالبديل الذي طرحه علي عنتر هو صالح مصلح قاسم، وامسك صالح مصلح قاسم وزارة الدفاع في حين ذهبت الداخلية لأحمد مساعد حسين المحسوب على جناح علي ناصر  ..

ظل الصراع بين الرفاق ينمو كنار تحت الرماد وتشكلت جماعتين متنازعتين في صفوف الحزب الاشتراكي وهي جماعة الرئيس علي ناصر محمد وجماعة  نائبة علي أحمد ناصر عنتر  كان الإحتقان ينمو يوما بعد يوم وكانت مراكز القوى للتيارين تتنامى في أجواء  تسودها العديد من الخلافات بلغت حد المواجهات في 85 قبيل انعقاد المؤتمر الثالث للحزب وكان جناح عنتر قد استقدم عدو الأمس الذي قرروا قتله في 79 وهو عبدالفتاح إسماعيل وانضم الى جناحهم وعاد كعضو مكتب سياسي .

 كانت الإحتقانات تدور على أشدها وطرح حينها  للتخفيف من حدة الإحتقان  أن يتنازل علي ناصر محمد عن رئاسة الوزراء التي كانت ضمن اختصاصاته الى جانب امانة الحزب ورئاسة مجلس الشعب الأعلى لكن علي ناصر أصر  ان لا يتنازل عنها الا لشخصية حضرمية محايدة وكانت تلك الشخصية هي شخصية المهندس حيدر ابو بكر العطاس كحل وسط وشخصية مقبولة للطرفين . 

 وكان حينذاك يجري التحضير  لانعقاد المؤتمر الثالث للحزب  عام 1985  والذي حضره العديد من الشخصيات الشيوعية العربية كوسطاء  مثل جورج حبش ونايف خواتمة وغيرهم من الشخصيات الاخرى .  عقد المؤتمر الثالث للحزب في أجواء ملبدة بسحابات الخلاف والإحتقان السياسي الذي يوشك على الإنفجار حيث أن المقاتلين القبليين من الطرفين كانت عدن تمتلىء بهم ولكن مر المؤتمر بسلام وخرج بقرارات وكان حيدر العطاس من ضمن مخرجات هذا المؤتمر حيث تقلد رئاسة الوزراء .

غادر الوسطاء العرب ثرى العاصمة عدن  ولم تغادر الخلافات التي تعصف بالرفاق وظل التوتر قائما وكان جناح عنتر يصر على أن يقدم علي ناصر إستقالته من رئاسة الدولة ومن الأمانة العامة للحزب وكان يوم 13 يناير يوم انعقاد جلسة المكتب  السياسي للحزب الذي اتفق أن يقدم علي ناصر استقالته وتطوى صفحته ذلك  أن التيار المناوىء له قد اعد عدته وجهز اموره  من حيث تسجيل الاستقالة للرئيس عبر التصوير التلفزيوني وتذاع بعد ذلك عبر كافة وسائل  الإعلام ..

الرئيس علي ناصر كان هو الآخر قد أعد عدته وقرر أن  يتغدى بهم قبل أن يتعشوا به فقد حضرت سياراته بصورة طبيعية وأرسل حارسه الشخصي حسان  الذي دخل الى المكتب السياسي وهو يحمل شنطة الرئيس إيحاء" أن الرئيس سياتي خلفه غير أن الخطة كانت أن يفرغ حسان رصاصات بندقه الكلاشنكوف في صدور الرفاق المجتمعين فكانت المجررة  التي راح ضحيتها اغلب قيادات الحزب ولم ينجو منها غير علي سالم البيض الذي تظاهر بالموت وعبدالفتاح إسماعيل الذي خرج بمعية البيض في دبابة واحدة وبعد ذلك تم التخلص من عبدالفتاح إسماعيل في مساء نفس اليوم وقيل أن صالح  سعيد من قات بتصفيه .

ودارت رحى معركة لمدة خمسة عشر يوما قتل خلالها مايقرب من خمسة عشر ألف من أفراد الجيش والأمن وبعد ذلك انتهت المعركة لصالح التيار المناوىء للرئيس علي ناصر محمد وخرج علي ناصر ومؤيديه الى شمال الوطن وانقسم الجنوب بين زمرة هاربة في الشمال  وطغمة حاكمة في الجنوب وكانت  هذه الحرب التي دارت رحاها بين رفاق الحزب الاشتراكي اليمني هي التي انهت مقومات الجيش الجنوبي الذي كان جيشا عالي التدريب وبعد ذلك لم يستطع الرفاق الذين اداروا الجنوب بعد هذه الأحداث المأساوية  العمل على حلحلة الأمور والنهوض بالبلاد وفشلوا فشلا ذريعا في إدارة الدولة وكان هذا الفشل سببا في وصولهم الى اللجوء إلى الشمال للإعلان عن الوحدة في عام 1990 وبذلك انتهت حقبة الحزب الاشتراكي اليمني الذي اختزله الشريك المؤتمري بعد ذلك  وأنهى الشراكة معه بعد حرب صيف 1994  وأسدل الستار على ذلك الحزب وانكفأ في صفوف المعارضة

الحجر الصحفي في زمن الحوثي