رحيلك اوجعني

خليل السفياني
الاربعاء ، ١٣ يناير ٢٠٢١ الساعة ٠٤:١٣ مساءً

الشيخ محمد صالح رجب رحمك الله وداعا"

خالي الحبيب منذ صغري وأنت في عيني مثلي الأعلى وتاج رأسي.. فأنت في عيني ملاك، أرى فيك ما لا يراه الآخرون.

رأيت فيك بياض القلب وتواضع النفس وطهر الروح.. رأيت فيك حسن الخلق وصفح الإساءة وصدق الكلمة.. رأيت فيك لين الجانب ودماثة الأخلاق وسماحة النفس.. رأيت فيك بشاشة الوجه وحب الخير وبعد النظر.. رأيت فيك كرماً لا ينتهي وعطاء لا ينضب وصبراً لا ينفد وحناناً لا يوصف. عندما كنت أخط السطور  كنت أشعر بأنني أستمد منه قوة تجعلني لا أتعثر حين أقدم على خطوة ما، أما اليوم فقد تحولت قدرة القلم على مساندتي إلى مصدر ضعف وهزيمة لي برحيلك . فكلما حاولت أن أمسك به شعرت بارتعاش في يدي حتى صرت أكرهه لأنه سيخط ما يدمي قلبي  .. لم أكن أتخيل أنني سأمسك بالقلم ذات يوم لأكتب به كلمات رثاء في من أحببته و ترعرت وتعلمت وكبرت على يديه كيف أستخدمه، لأقول له عبره "وداعاً ياحببيي" . حزني أكبر بكثير من كلمات يخطها قلمي ويعبُر بها وديان الأسى باحثاً عنك في كل مكان، محاولاً تهدئة نفسي بان اتذكر  طفولتي وشبابي . أحاول أن أعبر ولو بكلمات مقتضبة عن هذا الشعور الفظيع، فأسقط في بحر الفشل وكأنني فقدت القدرة على التعبير . حاولت أن أبحث عن كلمات سافرت مع غيابك وكأنني أرفض في داخلي فكرة الغياب، فالحزن على فراق رجل مثلك  لا يمكن أن يختصر بكلمات . وحين صمت وأنا غارق في بحر أحزاني، تتساقط دموعي  كنت أجول بناظري والغصة في حلقي قد أفقدتني القدرة على الكلام والتعبير، ، رحيلك مُرٌّ .

 ولكن المُلتقى الجنَّة “إن شاء الله” ليس هناك أقسى على النفس من رؤية حبيبك مُسجَّى بلا حِراك، تراه ولا يراك، تنظر إليه للمرة الأخيرة ولا تكاد تُصدِّق ما ترى، هَمَمْتُ مِراراً أن أسأل كل الاحبه والأقارب أحقاً مات حبيبي ؟  أحقاً رحل ولن يعود؟ يا أيها الطاهر النقي..  يا أيها الطيِّب السخي؛ لو علمتُ أنَّ رحيلك كان وشيكًا، لكُنتُ أعددتُ نفسي، وتقرَّبتُ منك أكثر، ولتزوَّدتُ من بِرِّك بما قد ينفعني بعد وفاتك، ولأخبرتك أنِّي لا أجد نفسي من دونك، ولا أعلم كيف سيصبح شكل حياتي بعدك، ليتك تسمعني الآن لأُخبرك أنَّ فراقك ينتزع الحياة من روحي، ويقذف بي إلى أعماق الضياع. الحقيقة الوحيدة أنَّك غادرت الدنيا إلى الأبد! ‏إنَّ العين لتدمع، وإنَّ القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا، وإنا على فراقك ياخالي الحبيب  لمحزونون.. إنّا لله وإنّا إليه راجعون رحلتَ وفي القلب غُصَّة وفي النفس حسرة؛ منحتنا كل شيء، قدَّمتَ لنا ما لم يقدمه احد، ومنذ أن عرفتُ الحياة وأنتَ لنا العطاء والاحتواء، والصبر والوفاء، والأب والعم والخال والسند والداعم والناصح   كنت أنت البارَّ بنا ولم ينلك البِرُّ منَّا كما يجب أن يكون البِرُّ. زرعت فينا كرم الخُلُق، وسماحة النفس، ولين الطباع، وصِدق التواضع، وحُبَّ المساكين، والإحسان إلى المُسيئين، لم أسمعك يوماً تذكر أحداً بسوء، ولم أشاهد في حياتي أحداً يُبغضك، كنت تُوصينا بالهدوء والتثبُّت قبل إطلاق الأحكام وإحسان الظن في الجميع، لم تأتِ يوماً مدافعاً عن الباطل أو ساكتاً عنه؛ بل كنتُ تقف في وجه الظالم وتمنعه،  ستفتقدك المآذن وتشهد لك محاريبها، وقد صدح نداء الحق بصوتك خمسون عاماً (الله أكبر الله أكبر.. لا إله إلا الله) ستفتقدك مجالس لمِّ الشمل، ومشاريع الإصلاح؛ فكم من متخاصمين وأخوة وأبناء عمومة مختلفين كان رأيك سبباً في الإصلاح بينهم.. ستفتقدك الأرامل والمطلقات،والفقراء والمحتاجين وطلاب العلم  سأفتقدك يا حببيي ..

فقدتُّك ويغلبني بكاءٌ مرير، رحلتَ وتركتني أتجرُّع ألم فراقك، فقدتُّك كثيراً، وأشعر أن الدنيا تضيق بي، ويا ليتني كنت أدري كم تمنيت ان اراك قبل وفاتك  أتعلم أي حزن يعبث في قلوبنا ونحنا نودعك ودَّعتُك وأبدلني الله بجميل ذِكرك، وبياض سيرتك، ودَّعتُك ولم أُودِّع مآثرك وكريم خصالك، ودَّعتُك ولم أنسَ إحسانك إلينا، وصدق عطفك لا ينفك عنا أبداً..

عزائنا أنك أقبلتَ على مولاك بوجه مضيء، رافعاً سبابتك مُوحِّداً..

عزائنا أنك أقبلتَ على من هو أرحم منَّا وأكرم منَّا، وأنك انتقلت من دار الفناء والبلاء إلى دار المستقر والبقاء.. عزائنا ياسيدي  هو حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: “إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله قبل موته،   اللهم إنك تعلم حبه لفعل الخيرات، وإعانته للضعفاء، ومحبته للمساكين، وقربه من الفقراء والمحتاجين  اللهم إنك تعلم أنه رفض الدنيا والمناصب وملذات الحياه  اللهم إنك تعلم انه كان عونا" وسندا لطلاب العلم والعمل الصالح  اللهم آنس وحشته واغسله بالماء والثلج والبرد اللهم عامله بما أنت أهله واجعل الجنة داره وقراره

الحجر الصحفي في زمن الحوثي