لو أن .. ؟

عبير عتيق
السبت ، ١٩ ديسمبر ٢٠٢٠ الساعة ٠٩:٥١ مساءً

ذهبوا فارغين ،آملين العودة ممتلئين..

ظنوا أنهم سيعتادوا ولن يَشتاقوا لها ولهم..

هي تلك الأحلام تبادرت في جُعبتهم فهمّوا  لجمع حقائبهم مسافرين..

ظنوا أن في تلك الرحلة سعادتهم وأنهم إلى الجنة سائرين.. ظنوا أنها لن تَصعُب وسيتحملوا وسيحاربوا من أجل عيشٍ كريم..

من أجل خبزٍ يسدون به كيس الأنين في أحشائهم..

من أجل رداءٍ يُظهرهم بمظهرٍ حسين.. من أجل طفلٍ يتباهى بألوانه وكراسته أمام الحاضرين.. من أجل قدمٍ التصقت بالأرض رداً للجميل ،فلم تتذمر تلك الأرض من خشونة تلك القدمين.. من أجل بذلةٍ سوداء، وقميصٍ أبيض، وربطة عنقٍ حمراء أنيقة تُخفي ألم السنين.. من أجل ، ومن أجل ......  

ذهبوا آملين العودة قريباً ظناً منهم أنها بضعة سنين..! وها هي السنين تَمُر مُمزقةً أفئدتهم شوقاً وحنين..

منهم من ذهب بحقيبته وعقله يطير فرحاً لأنه سيعود بِكَمٍ من العلم الثمين لأجل وطنٍ ضاقت مقاعده بالطامحين.. ومنهم من ذهب بحثاً عن خلطةٍ سحريةٍ تُزيل آلامه التي ما وجد لها ساحر يحمل ذات هويته في وطنٍ ضاق بالمتعبين..

لا فرق..! جميعهم ذهبوا وبعد أن تألموا وماصبروا ، عادوا مُستعجلين..  إلا ذاك الذي ذهب من أجل بيتٍ جميل وسُترةٍ من حرير..

فقد أرغمته السنين تَحمل ُغربة الوطن والشوق للمحبين من أهلٍ ، وأصدقاءٍ، وفتاة أحلامه في ذلك القصر الحصين.. كي لا يعود فارغاً بعد البكاء شوقاً في تلك الليالي التي سادها صمت ٌ طويل.. بكى كثيراً وعمل لساعات إضافية حتى عاد بجسمٍ نحيل ، وابتسامةٍ جافةٍ تخفي عن الأحبة ما يحمل القلب من خبايا فعلت به مالم يفعله الريجيم.. لا يهمه كيف عاد! وكيف أصبح!  تمنى فقط "لو أنه" لم يذهب..!

"لو أنه" عاش بحضن أمه وكنف أبيه الذي مات وهو بعيد يبحث عن حُلمه في أرض الغريب.. "لو أنه" تحمّل ما فرضته عليه أرضه المقدسة لديه من شقاءٍ، وما ترك تلك الأحلام تُبعده عن حبه لها رغم قساوتها، والعيش فيها مع الكادحين..

لم يعد يَهُم الآن، المهم أنه قد عاد.. ولكن كلما أحرقته شقوق قدمه عند الوضوء  تذكّر أن في نفسه شيء لن يموت مع السنين  تمنى "لو أنه " لم يذهب..

"لو أنه " لم يذهب لما أحرقته مياه الوضوء عند كل صلاة..!

الحجر الصحفي في زمن الحوثي