المسلمون ومخاطبة العقل الغربي عن الإسلام

د. عبده مغلس
الخميس ، ٠٥ نوفمبر ٢٠٢٠ الساعة ٠٧:٤٣ مساءً

الحملات ضد الإسلام والمسلمين عملية منهجية وممنهجة، فالغرب المتعصب، ينظر للمسلمين من خلال موجهين،

الأول: تأثير من صناعتهم يتمثل في آلة الميديا الضخمة، التي تخدم أهداف رأسمالية التوحش، وأداتها الصهيونية، والمستهدفة الاسلام والمسلمين، من خلال الصاق التطرف والإرهاب بالإسلام -الدين الرسالة والرسول- والمسلمين، وهو تصور مبني على افكار المستشرقين المتعصبين وما أسسوه بدون موضوعية، من أفكار جهلة الإسلام القائمة على الفقه المغلوط. الثاني: من صنعنا، والمتمثل بأفكار مغلوطة، عن الإسلام ورسالته الخاتم، ورسوله ونبيه الخاتم محمد عليه الصلاة والسلام، وهي بعيدة تماماً عن كتاب الله وقرآنه، وبلاغ وتبليغ رسوله، ولا تُمثل حقيقة دين الإسلام، برسالته الخاتم ورسوله الخاتم، بل تُمثل رأياً فقهيا، لقائله يخدم مصالح القول والقائل، لا مصالح الدين، وتم توظيف هذه الأقوال بنسبها للدين، وهي ليست منه، لخدمة مصالح وأهداف القائلين السياسية والعنصرية، والسلطوية، وهي ما يمكننا وصفها بالفقه المغلوط الذي نكب الإسلام ديناً وأمة.

ولذلك فمخاطبة الغرب، المستندة على هذه الأرضية الفكرية، من قِبَلهم وقِبَلنا، لا تستطيع الدفاع، بصلابة وقوة عن ديننا الإسلام، برسالته ورسوله، ولا عن أمتنا الإسلامية. وخطاب الأخر الغربي يجب أن ينطلق من حقيقة الدين وجوهره، وحقيقة رسالته ورسوله، ولا يعتمد على منطلقاتهم الفكرية، ولا منطلقات الفقه المغلوط لدينا، وأوجز هنا بعض المحددات لمخاطبة الناس، بما فيهم الغرب عن حقيقة دين الإسلام وعظمته، وعظمة رسالته ورسوله.

1- ابراز الحقيقة القرآنية، التي تؤكد أن دين الله واحد، هو الإسلام منذ نوح عليه الصلاة والسلام، ومروراً بكل الأنبياء والرسل، وعلى رأسهم أبو الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، وأنه لا توجد ديانات سماوية ثلاث، بل هو دين الله الواحد بملله الثلاث، ملة اليهودية "الذين هادوا" ورسولهم موسى عليه الصلاة والسلام وكتابه التوراة، وملة النصارى" الذين قالوا نحن أنصار الله" ورسولهم عيسى عليه الصلاة والسلام وكتابه الأنجيل، وملة المؤمنين "الذين آمنوا" بالرسول الخاتم، ورسولهم خاتم الرسل محمد عليه الصلاة والسلام، وكتابه القرآن، والذي برسالته ختم الله وأكمل وأتم دينه الواحد الإسلام، ونحن أمة محمد لسنا وحدنا المسلمون فنحن ملة المؤمنون من المسلمين.

2- توضيح أن المغضوب عليهم، ليسوا اليهود فقط، والضالين ليسوا النصارى فقط، كما يقول بعض رواة الفقه، فبترتيل كلمة الضالين والمغضوب عليهم، في كتاب الله سنعرف الدلالة الحقيقية، بمن هم المقصودين في كتاب الله، فمثلاً المغضوب عليهم نجدهم في كتاب الله، الذي فصلهم وبينهم، حوالي 23 صنف، وكذلك الضالين تم تبيانهم وتفصيل صفاتهم.

3- ابراز دور ومكانة الإنسان والناس في هذا الدين، فقد تكررت كلمة "الإنسان" في كتاب الله حوالي 56 مرة، وتكررت كلمة "ناس" في كتاب الله حوالي 234 مرة.  

4- ابراز دور دين الإسلام، بكتابه ورسوله ورسالته، في رفع شأن الإنسان والحرية والمسؤولية، وقيم الإنسان والمحبة، والعيش والتعايش، وقبول الأخر، فقد قبل الله رأي ابليس في عصيان أمره، وزوده بوسائل وامكانيات اثبات حجته، في دعواه بأفضليته العنصرية، لرفض أمر السجود لآدم، ولا يوجد مفهوم للحرية، يقدم للمعارض القبول والتمكين، مثل ما يقدمه كتاب الله بهذا النموذج، وهذا منهج مفهوم الحرية والمعارضة في الإسلام، الذي يعلمنا قبول الأخر ورأيه وتمكينه.

6- ابراز تميز دين الإسلام الخاتم، بعدم الإكراه فلا اكراه في الدين، ولا نافية لجنس الاكراه، ويقوم الدين على الإبلاغ والتبليغ، بدون وسائل الإكراه القولية والمادية، كما يقوم على سلطة الضمير لا سلطة الدولة ولا سلطة الإكراه.

7- ابراز قوة الحق وحجته ومنطقه، في محاجة كل دعاوى الباطل والكيد والإفك، فقد وضح وفصل وبين الله في كتابه، كل أقوال الباطل والتهم، التي قيلت عنه سبحانه، وقيلت عن رسالاته ورسله وانبيائه، وعلى رأسهم رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام، وقد أوضح القرآن آيات تتلى، كل ما حاول الباطل الصاقه برسولنا، على مستوى عقله ورسالته وأهله، وبين لنا القرآن منهجية وكيفية الرد على كل هذا الباطل.  

8- ابراز تأكيد القرآن، على احترام وتقديس كل الرسل، والكتب المنزلة على موسى عليه الصلاة والسلام والتوراة والألواح، وعلى عيسى عليه الصلاة والسلام الإنجيل والفرقان، ورسولنا محمد عليه الصلاة والسلام، وكتابه القرآن والفرقان.

9- ابراز تأكيد القرآن بأن الإسلام، دين الله الواحد بمختلف ملله، وعلى رأسها ملة اليهود "الذين هادوا" وملة النصارى الذين قالوا لعيسى عليه الصلاة والسلام "نحن أنصار الله" وملة المؤمنون الذين آمنوا بالرسول والنبي الخاتم وبالقرآن الذي بلغ.

10- ابراز ارساء الرسول عليه الصلاة والسلام، لدستور وقانون أول تعايش بين الناس، بمختلف الملل الإسلامية والمشركين والمنافقين، يقوم على تقدير واحترام الأخر، وعلى أساس المواطنة لا التدين والعرق والقبيلة، وهو وثيقة المدينة، وسبق بذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بألف ومائتي سنة، والذي أتى ليؤكد قيومية دين الله الواحد، على كل الناس والفطرة الإنسانية، التي لن تخرج عن مضامين رسالته الخاتم، كما غير اسم يثرب للمدينة، تأكيد لمفهوم مدنية الدولة، والدين والتعايش، وبهذا الدستور تم الغاء القرى القائمة على الأحادية وعدم قبول الآخر.

11- التأكيد على أن كل ما علق بدين الإسلام الخاتم، وكتابه القرآن، من تراث بشري مغلوط، لا علاقة له بدين الإسلام الخاتم، وأصليه العظيمين كتاب الله وصحيح سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، التي بالقطع لا تعارض ولا تخالف آيات الله في القرآن، فقد منع الله رسوله، من القول عنه والتقول عليه، بما يخاف الكتاب، الذي أنزله عليه، وما يخالفهما هي مفاهيم لاجتهادات إنسانية، ارتبطت بمصالح خاصة كالسلطة والهيمنة والملك.

12- التأكيد على ان دين الإسلام الحق ينظر للناس كلهم أنهم من أصل واحد تجمعهم أخوة الإنسان، ومنهجه يسعى لخير كل الناس المؤمنين به والكافرين به، وحين دعى أبو الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن يختص الله برزقه المؤمنين فقط، لم يجبه الله لذلك وخص برزقه كل خلقه مؤمنهم ومجرمهم، "المجرم في المصطلح القرآني المنكر لوجود الله واليوم الأخر وهو النقيض للمؤمن".

13- ابراز جوهر الإسلام بأنه دين السلام، ورسالته تحمل السلام، وتحيته السلام "السلام عليكم" وهدفه كرامة الإنسان ورفع الأصر والأغلال عن الإنسانية جمعاء، وشوراه تقوم على " ادخلوا في السلم كافة" وحرم القتل والعدوان وشرع نصرة المظلوم، ومنع احتكار الثروة للأغنياء من الناس.

14- التأكيد على التفريق بين آيات تحريم ومنع العدوان والقتل والإكراه وهي الأصل وبين آيات القتال الذي فرض على المؤمنين كرهاً لردع العدوان وهي تقوم على الضرورة.  15- ابراز دور رأسمالية التوحش وأدواتها، وعلى رأسها الصهيونية، في بث الفرقة والكراهية، والعداء والحروب، بين الناس، وملل دين الإسلام الواحد، اليهودية والنصرانية والمؤمنون، بهدف زيادة الثروة، والهيمنة على مصادرها ومقدراتها، فكل الحروب في تاريخنا المعاصر، من حروب نابليون، مرورا بالحربين العالميتين، وحتى اليوم، قامت بها رأسمالية التوحش، بدعاوى دينية وعرقية واقتصادية، لتزيد من تراكم ثرواتها على حساب الإنسانية وعذابها.

16- ابراز دور الصهيونية، خدمة للهدف السابق، في سن قوانين عنصرية، تخالف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتعمل على الغاء الحرية، ومعاداة كل الناس، وتقديس السامية واليهود والصهيونية، وعدم المساس بأي منها ونشر ثقافة الكراهية، ومن أمثلتها ما يلي:

١- الغاء قرار الأمم المتحدة الذي يوازي بين الصهيونية والعنصرية والصادر عام ١٩٧٥.

٢- الحملات ضد الأصولية، والتي يقصد بها الإرهاب، وتكييف كل الحملات لجعل الإرهاب مرادف للإسلام المحمدي، بل وهدفت لجعل الإسلام المحمدي دين الإرهاب، وخلق نوع من التلازم بين العرب والمسلمين من جهة، والارهاب من جهة أخرى، وتم حصر التطرف والإرهاب بهذه المنطقة بمسلميها وعربها.

٣- تذكير المجتمع الفرنسي، بقضية النقيب ألفريد دريفوس، وهو فرنسي الجنسية يهودي الديانة، وقضيته لا علاقة لها بدين الإسلام ورسالة محمد، وكانت صراع اجتماعي وسياسي، حدث في عهد الجمهورية الفرنسية الثالثة، وهزت هذه القضية المجتمع الفرنسي خلال اثني عشر عاما من عام 1894 الى عام 1906 وقسمته إلى فريقين، المؤيدون لدريفوس والمعارضون له.

٤- ملاحقة المفكر روجيه جارودي، والممثل الفرنسي الساخر ديودوني، وكاتب التحليلات حول إيديولوجيا اليمين المتطرف آلان سورال، اللذين لوحقوا وحكم عليهم، بتهم التحريض على الكراهية العرقية ضد اليهود، وفقاً للقانون الفرنسي، وتتم ملاحقة كل من يتجرأ على قول الحقيقة، وكتاب بول فندلي " من يجرؤ على الكلام" وغيره الكثيرين، من أحرار الكلمة، وتم سن هذه القوانين لتكبل الحريات، وحرية الراي والعقيدة، التي ينادي بها الغرب .

٥- اصدار قانون تجريم معاداة السامية في فرنسا، الذي أصبح قيداً للحريات، وهناك حملة لإصدار قانون، يجرم معاداة الصهيونية، والرئيس الفرنسي عام 2017 وفي ختام مراسم الاحتفال بالذكرى 75 لحملة اعتقالات "فال ديف" وبحضور نتانياهو، قام بموازاة بين مصطلحي السامية والصهيونية، فأكد أنه لن يتنازل أمام "معاداة الصهيونية" التي اعتبرها الشكل الجديد من "معاداة السامية" ويسعى الرئيس الفرنسي لسن هذا القانون.

٦- صدور قانون ضد "معاداة السامية" في اميركا، وقعه الرئيس جورج بوش، ويسمح القانون "بوضع لائحة بجميع الأعمال المعادية للسامية في العالم، ولائحة بعمليات الرد الواجبة على هذه الأعمال".

٧- هذه القوانين تعني بكل بساطة أنها تدعم وتبيح لإسرائيل، ان تنفذ اي عملية من خلال أجهزتها تريدها، ضد مؤسسات أو رموز، يهودية وغير يهودية، في أي بلد في العالم، وتتهم بالتالي "أعداءها" الحاضرين والمفترضين، العرب والمسلمين، ولديها سلفا قائمة الخيارات للرد، وهي جاهزة لتنفذها وفق ما رسمته هذه الأجهزة.

8- أعلن مجلس الكنائس العالمي (WCC) في انعقاد جمعيته التأسيسية عام 1984م بالقول " يقف مجلس الكنائس العالمي بحزم في النظر إلى معاداة السامية، على أنها لا يمكن التوفيق بينها وبين مهنة وممارسة الدين المسيحي، ووصفت معادات السامية بأنها خطيئة ضد الله والإنسانية" وهاذا الإعلان انهى تهمة اليهود بقتل المسيح عليه الصلاة والسلام والذي كان معتقد المسيحيين طوال تاريخهم.     

الحجر الصحفي في زمن الحوثي