احذروا أن تقعوا في تفخيخ "الحوثي " في الإعلان المشترك لـ "غريفيث"..! (2)

د. علي العسلي
الخميس ، ٢٢ اكتوبر ٢٠٢٠ الساعة ٠٨:٢٨ مساءً

لا زلنا فيما بعد  "إذْ".. فوردت عبارة  (و إذ يؤكدان على رغبتهما في الوصول إلى حل سياسي عادل ينهي الحرب والعمل على ضمان السلامة والأمن والرَّخاء لشعب اليمن وشعوب الدول المجاورة) ، ربما نقول في هذه العبارة إشارة مبطنة إلى ان الانقلاب على العملية السياسية الذي  أدى إلى هذا الاستنتاج ، وهذا  صحيح فاسنخدام القوة والانقلاب وإقامة حرب طاحنة على اليمنيين من قبل الحوثين قد أضر كثيراً بسلامة وأمن ورخاء اليمن والدول المجاورة؛ ولذلك وجب العمل على إنهاء الانقلاب بسرعة ؛ وينبغي ألا تأخذنا هذه العبارة إلى تصفير العداد ،فقد توصل اليمنيون للحلول لكافة مشكلاتهم في مؤتمر الحوار الوطني ،والمطلوب فقط الحوار على آليات التنفيذ وفقط.. صحيح أن الحوثين يرغبون بحوار جديد لأنهم لا يريدون يمن جديد  بدولة اتحادية، بل يرغبون ويقتلون، فيقتلون ويقتلون كي تبقى المركزية  والحكم للمركز المقدس؛ ولذلك قاموا بهذه الحرب ،إلا ان الشعب اليمني مصمم على الاستمرار بخياراته مهما كلفه ذلك من وقت وتضحيات..!؛ 

 

 ثم أتت عبارة (وإذ يعلنان التزامهما بسيادة اليمن واستقلاله ووحدة وسلامة أراضيه).. هذا يقتضي إنهاء الانقلاب وحل حكومة الأمر الواقع والتوجه لتشكيل حكومة وحدة وطنية بحسب مخرجات الحوار الوطني والذي اتقلب عليه الحوثيون وقسموا اليمن وارتضوا أن يحكموا بعض مناطقه ويقومون بدعم الانفصالين بجنوبه..!؛  اما بنود باقي مسودة  الإعلان فيحتاج لمناقشة كثيرة، اتمنى ألا نضطر لمناقشتها مرة أخرى، وأن الشرعية بمفاوضيها مدركين  لما يرغب به الحوثيون من تمرير، وواعين  جداً لصياغة غريفيث المتماهية مع رغبة الحوثين.؛ ولذلك لن ادخل في تفاصيل المسودة  الآن، ولكن لي بعض الملاحظات السريعة  إجمالا.. لقد وردت عبارة في متن الاعلان  تقول: (يوقف طرفا هذا الاتفاق وجميع من ينتسب إليهما وقفاً كاملاً جميع العمليات العسكرية الهجومية البرية والجوية والبحرية بما في ذلك إعادة نشر القوات والأسلحة الثقيلة والمتوسطة والذخائر.).. 

 

فالقرارات الدولية قالت تسليم الأسلحة والانسحاب من العاصمة وباقي المدن ولم تقول يا سيد غريفيث "اعادة  نشر القوات المسلحة الثقيلة والمتوسطة" بل تسليمها للدولة.. وفي هذه الفقرة  ايضا إقرار بالتدخل الخارجي؛ والفقرة غير قابلة للتنفيذ.. فالنص جعل دولة  إيران تابعة للحوثي والواقع هو العكس ،فلو كان  الإعلان والتوقيع بين ايران والتحالف فيمكن في هذا الحال تنفيذه بكل سهولة ..وكما قلنا النص وضع ايران تابعة وجعل التحالف العربي أيضا  تابع للشرعية؛ ومعلوم أنه تدخله قد جاء بطلب رسمي من الشرعية، لكنه لا يتبعه وله مصالحه ،ولذلك هو يعمل في اليمن ليس كتابع ،بل مفوّض ومجاز من المجتمع الدولي فوق طلب الحكومة الشرعية تدخله، فكيف الاعلان  يجعله تابع للشرعية وهل التحالف سيوافق عليه كما يروج المبعوث ، ثم لنفترض أن التحالف وايران تابعان وهما القوتان الضاربتان في البحر والبر والجو فلماذا لا يوسع المبعوث مباحثاته ويشركهم في التشاور حول الاعلان ويطلب منهم  التوقيع أيضا والالتزام به..؟!، 

 

ثم في فقرة أخرى (( تُجمِّد قوى طرفي هذا الاتفاق ومنتسبيهما على الفور مواقعها وعملياتها بما في ذلك عمليات التحشيد)).. التجميد يعني اقرار بسيطة المنقلب للمواقع الذي اغتصبها.. هذا النص إقرار بسلطة الحوثي في المناطق التي متواجد فيها والاعلان جاء ليرسخ له نفوذه وسلطته فيها، نعم! تسليم بسلطة الأمر الواقع وللحالة القائمة وهذا يتقاطع مع الحرص على اليمن وسلامة أراضيه وسيادته ووحدته  وما إلى ذلك من ديباجة في مقدمة الاعلان  وقبل هذه الفقرة هناك بحسب المسودة ما يدّل على تطبيع شامل لما هو قائم  لوقف إطلاق النار  وفتح المطارات والسماح بحركة الافراد والبضائع وما إلى ذلك... وفي مكان آخر وردت عبارة يمتنع طرفا هذا الاتفاق ومنتسبيهما عن القيام بــ (جميع الأعمال التي من شأنها تعريض العمليات الإنسانية للخطر كنشر الألغام والعبوات الناسفة المرتجلة.) في هذا النص مغالطة كبرى وأفخاخ مسمومة في هذا الإعلان فمن ينشر الألغام ويعرض الحياة العامة والإنسانية للخطر، كان الأجدر أن يقول ان الطرف الذي زرع الألغام قد تعهد بالامتناع عن النشر وتعهد بإعطاء الخرائط لما قد تمّ زرعه..؟ وهناك عبارة.. 

 

 يُنفِّذ طرفا هذا الاتفاق وجميع منتسبيهما على الفور تشكيل: (لجنة تنسيق عسكري برئاسة الأمم المتحدة وعضوية ممثلين عسكريين رفيعي المستوى من كلا طرفي الاتفاق) هذا النص أيضا مفخخ ومسموم فيوحي بأن للحوثين جيش محترف وليس مليشيات انقلب على الشرعية والجيش الوطني وكل المؤسسات.. فالطرفان يا سيد مارتن هما طرفان شرعي منتخب  محليا ومعترف به دوليا، وموصف دوليا الحوثي بالمنقلب والقرارات والمرجعيات تلزمه بأنهاء انقلابه، و يتفاوض معه كي ينهي انقلابه لا للمماثلة والمساوة والندية والتمكين ..! .. ووردت عبارة في غاية الخطورة وفيها اتهام للتحالف وجعله طرف وتجريده من السيطرة الجوية والتفتيش على تهريب الحوثي للأسلحة ونقل الرقابة لطرف ثالث لم يسميه.. إن تأكيد الإعلان على أن توكل العملية لطرف ثالث يعني فيما يعنيه تحميل مسؤولية َ التحالف فيما مضى باعتباره معتدي وليس جاء بطلب سلطة شرعية.. تقول العبارة.. (خلال المرحلة الأولية لوقف إطلاق النَّار سوف يُسمَح بتنفيذ طلعات جوية غير مسلحة لغايات المراقبة والاستطلاع. وبناءً على طلب من رئيس لجنة التنسيق العسكري، تُسلَّم المعلومات المُجمَّعة إلى رئيس اللجنة لمساعدتها في معالجة أي خروقات واقعة أو مُحتَمَلٌ وقوعها لوقف إطلاق النَّار. 

 

وفي المراجعة الرسمية الشهرية الاولى، تبحث لجنة التنسيق العسكرية موضوع استمرار استخدام الطلعات الجوية الاستطلاعية. وسوف تستمر الأمم المتحدة في البحث عن تنفيذ تلك المهمة من خلال طرف ثالث.).. الغريب أننا نسمع تصريحات لمسؤولي الشرعية والتحالف بأنهم  داعمون لغريفيث في اطروحاته وافكاره لعملية وقف إطلاق النار الشامل وهذا شيء جيد، لكن احذروا أن تُقَعُوا لغريفيث ونصوصه المفخخة واعتمدوا على اصحاب الاختصاص والاستشارات الدولية .. ارجوا أن أكون قد اثرت بعض النقاط، و لا تزال الفرصة متاحة لتعديل مسودة غريفيث بما بتوافق مع المرجعيات والقرارات الدولية...  

 

والسلام.. وجمعة مباركة..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي