المغترب اليمني بين إهمال مسؤولي الحكومة وإبتزاز مسؤولي المنفذ الحدودي ( 2 - 2 )

علي هيثم الميسري
السبت ، ٠٣ اكتوبر ٢٠٢٠ الساعة ١١:٥٢ مساءً

 

    تكملة لحديث البارحة أقول مستعيناً بالله : حينما عدت في اليوم التالي لإستلام نتيجة الفحص طلبت من الدكتورة ومساعدها خدمة إنسانية بأن يجعلا نتيجة الفحص بتاريخ ووقت صبيحة يوم السفر لإحتمالات التأخير في السفر ، للأسف وجدت قبح الرد من الدكتورة ناهد وغطرسة أقبح أما مساعدها فقد رفض قاطعاً وأخبرني محاولاً إقناعي بأن وزير الصحة لو عـَلـِمَ بالأمر لأمر بإغلاق المختبر ، فتبسمت ساخراً وقلت له وهل يعلم الوزير بهذه الفوضى المصطنعة في المختبر ؟ وذهبت من أمامه ساخطاً ، وحينها تذكرت بأن منظمة الصحة العالمية منحت اليمن مساعدات طبية عبارة عن معدات وأموال كفيلة بفتح مراكز صحية ومختبرات خاصة بجائحة كورونا في كل محافظة يمنية بدلاً عن المركزين في عدن وسيئون ، بالإضافة إلى المنحة الكويتية لأمير الإنسانية الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح طـَيـَّبَ الله ثراه وهي عبارة عن 20 مليون دولار وغيرها من المنح من بعض الدول ، فيا ترى أين ذهبت كل هذه المساعدات ؟ لا أظن أن كل تلك المساعدات عبارة عن مركزين في عدن وسيئون ومركزين آخرين قيد الإنشاء في عتق ومأرب .

     في يوم السفر وصلنا لمكتب السفريات التي ستأخذنا إلى الرياض وهنا بدأت معاناة أخرى وأولاها كانت إخبارنا من قـِبـَل موظفي مكتب السفريات بأن الحافلات سـَتـَقـِلُّنا إلى المنفذ اليمني ثم سنذهب مشياً على الأقدام لحوالي كيلو متر نجر خلفنا حقائبنا إلى المنفذ السعودي وهناك تنتظرنا حافلات أخرى ستذهب بنا كلاً إلى وجهته ، شعرنا حينها أنه ضـُحـِكَ علينا وأننا أمام أمر واقع ومازاد الطين بله أن الحافلات تأخرت ساعتين وكل لحظة أحسب ما تبقى من زمن وثيقة الفحص التي إنتهى من صلاحيتها حوالي 21 ساعة ونحن لازلنا في عدن ، فبدأت أفقد أعصابي وبداية كانت في مكتب السفريات الذي كنت على وشك أن نتشابك بالأيدي لولا إمتصاص غضبي من قـِبـَل بعض موظفي المكتب .

     وصلت الحافلات بعد تأخرها ساعتين وبدأ المسافرين يتسابقون ويتزاحمون على ركوب الحافلات وصعدت على إحداها لأرتب مقاعد لي ولأسرتي في المقاعد المخصصة للعائلات ، فوجدت فتاة وأمها وخالها يريدون القعود في مقاعد العائلات ولكن كان هناك شاب يرفض مغادرة المقعد بكل ما يملكه من بذاءة فخاطبته قائلاً هذه مقاعد العائلات فقال لن أغادر المقعد ولا يستطيع كائن من كان أن يبعدني من هذا المقعد ، وهنا فقدت أعصابي وبدأت بالصراخ عليه وكنت على وشك أن أدخل معه بعراك لولا تدخل الحاضرين وأمسكوا بي وهدأوا من ثورتي ، فجاء أحد موظفي المكتب ووعدني بأن يخصص لي وأفراد أسرتي في حافلة أخرى ومعنا الأسرة الأخرى ، وبالفعل أوفى الموظف بوعده وأخذنا مقاعدنا وكنا عائلتين فقط في الحافلة ، وإكتشفت أن الأسرة الأخرى من تعز وقد قـَدِموا إلى عدن منذُ أيام للفحص والسفر منها وقد عانوا المر والمرار ، وإنطلقت الحافلة بعد ثلاث ساعات من وقت المغادرة أي أن توقيت وثيقة الفحص قد بلغت يوم كامل فبدأت الهواجس تراودني بأننا لن نصل للمنفذ السعودي إلا وقد إنتهت صلاحية الوثيقة .

     مرت الساعات ثقيلة لم أنام أو أغفو فيها لحظة واحدة على الرغم من أنني كنت مرهقاً ولم أنام في ليلة السفر إلا سويعات قليلة ، إلى أن وصلنا النقطة العسكرية الأخيرة قبل وصولنا المنفذ وكانت أمامنا حافلة إستوقفها أفراد النقطة ونزل منها سائق الحافلة لا أعلم مادار بينهم من حديث ثم صعد السائق وغادر بالحافلة دونما تفتيش ، وحينما جاء دورنا طلب منا أفراد النقطة النزول لتفتيش حقائبنا وإستنكرنا فعلهم هذا وأنه ليس من صلاحيتهم ، فردوا علينا بغلظة وقال سائق الحافلة نرجوكم إلتزام الهدوء حتى لا يأخرونا ففهمنا حينها بأن سائق الحافلة الأولى قد أرشاهم بعد أن جمع من الركاب مبالغ مالية ، فلم نجد بـُدَّاً إلا الإنصياع لأوامر تلك الكائنات التي ملأت بطونها بالسحت ونسأله تعالى أن يجعل أمعائها سيخان من نار جهنم ، ففعلنا ما أمرونا به وفتحنا كل حقائبنا وفتشوها تفتيش سريع يوحي بأنه مجرد إبتزاز لـِنـَهـَب لهم ما تجود به أنفسنا من أموال وخاب ظنهم .

     إنطلقت بنا الحافلة حتى وصلنا المنفذ حوالي الساعة السادسة صباحاً فنزلت علينا فاجعة حينما شاهدنا كـَمٌّ هائل من السيارات والحافلات أمامنا فأخذنا دورنا بعد كل تلك البشر ، وبينما نحن في الإنتظار وصلنا خبر كالصاعقة بأن المنفذ سيـُغلـَق لأربع ساعات فإحتسبنا الله عز وجل على من عذبنا هذا العذاب ، مرت الساعات ثقيلة حتى راودتني فكرة بأن أتحسس إستراحة لأستريح بها وعائلتي ونتناول وجبة الغذاء ، فوجدت ضالتي بأن إستأجرت غرفة وأخبرت رب الأسرة التعزيـَّة بذلك وإستحسن الرأي وفعل كما فعلت ، وبعد حوالي أربع ساعات إرتحنا بها عدنا إلى الحافلة ورأيناها لم تتحرك ولو متراً واحداً فلا يزال المنفذ مغلق وتفاجأنا بأن كل ركاب الحافلة غادروها ولم يـَعـُد بها إلا أُسرَتينا .

     قال لي رفيق السفر الأخ التعزي سألت البعض عن الأحوال فقالوا بأن غالبية الركاب غادروا الحافلات ليتدبروا أمرهم في المنفذ فما رأيك نحن أيضاً نترجل من الحافلة ونتدبر أمرنا ولا سيما أن معنا نساء ؟ فإستحسنت الفكرة وقلت له إذاً إذهب أنت وولدي للمنفذ وتأكدا فذهبا وعادا ومعهما أخبار سارة بأن قائد المنفذ وافق على إدخال أسرتينا بعد أن توسلا وتوددا له ، فنقلنا حقائبنا من الحافلة إلى حافلة أجرة صغيرة حتى أن الحافلة لم تسعنا جميعاً فقلت إذهبوا أنتم وأنا وولدي البكر سنلحقكم على أقدامنا ، فأسرعت وولدي الخـُطى ولحقناهم سريعاً وكانت المسافة حوالي 500 متر فرأيناهم ينتظرونا بشغف وما إن وصلنا حتى أنزلنا حقائبنا ووضعناها في حافلة أخرى ، ناولنا سائق الحافلة الأولى أجرته وذهب بنا سائق الحافلة الأخرى إلى مبنى المنفذ حيث تتواجد هناك إدارة الجوازات والجمارك وكانت المسافة أكثر من نصف كيلو ، فلكم أن تتخيلوا حجم السيل العارم من البشر ينتظرون فرصة السماح لهم بالمغادرة غير أولئك الذين دفعوا الأموال لأفراد وضباط المنفذ ليغادروا ، وهنا نتوقف هنيهة ونتساءل بسؤال موجع : ماذا نقول عن وطن يدفع مواطنيه الأموال ليغادروه ؟ .

     سارت بنا الحافلة الصغيرة ببطئ خوفاً على تساقط حقائبنا لرداءة الطريق ووعورته وكنا بداخل الحافلة بوضع مزري ومؤلم ، وصلنا إلى قسم الجوازات فأخبرنا السائق بأن نناوله جوازاتنا ومع كل جواز عشرة ريال سعودي أو ألف ريال يمني فقلنا له ولـِمَ ندفع هذه المبالغ فقال ليخارجوكم فأعطيناه مكرهين ، ولم تمر لحظات حتى جاء وسلمنا جوازاتنا وذهب بنا إلى آخر موقع للمنفذ اليمني وقال هنا ستنزلون فأنا لا يحق لي الدخول بكم إلى المنفذ السعودي ، وقلنا ما الحل هل سنسير على أقدامنا ونجر خلفنا حقائبنا في هذا الوقت من الليل فقد كانت الساعة السابعة ليلاً فقال إنتظروا قليلاً سأخاطب القائد ، بعد مخاطبة القائد شعرنا بأن الحظ إبتسم لنا مرة أخرى فقد كان هناك شخصين يريدا الدخول ومعهما حافلة صغيرة دون كراسي فأخبرهما القائد بأن يأخذانا معهما وكان أيضاً من حسن حظهما لأنهما كانا سـَيـُعفـِّنا وستنبعث منهما روائح كريهة وهما ينتظران أن يـُسمح لهما بالدخول .

     نقلنا حقائبنا من الحافلة الثانية إلى الحافلة الثالثة وجاء وقت الحساب فقال لنا سائق الحافلة ناولوني 400 قلت له 400 ماذا ؟ لإنني بصراحةتملكني الغباء للحظات فإحترت ما بين 400 ألف ريال يمني و 400 ريال سعودي فكلاهما مبلغ خيالي مبالغ فيه ، فقال لي 400 ريال سعودي قلت له أنت تبالغ بأجرتك ونحن مقدرين تعاونك معنا فقال لو ما كنت أنا لما دخلتوا فأوحى إلينا كما قال لي رفيق السفر بأن المبلغ ليس له وحده ، فأخرجت محفظتي وقلت له أقسم بالله لا أملك غير هذه ال 300 ريال سعودي وأنت تعلم بأن باقي معنا طريق طويل إلى الرياض ، فناولته مائة ريال ورفيقي التعزي ناوله 200 ريال وأخذ المبلغ ساخطاً وذهب ونحن ركبنا الحافلة الثالثة وإنطلقت بنا الحافلة الثالثة ولا يوجد بمحفظتي سوى 200 ريال سعودي .

     لكم أن تتخيلوا قعودنا في حافلة بدون مقاعد أنا وأحد الأخوين بجانب السائق والآخرين خلفنا في الخلف ، فسارت بنا الحافلة وكان كـُلٍّ منا يشعر بنشوة الإنتصار أن وصلنا المنفذ السعودي وبدأنا نستلم نماذج لتعبئتها لكل وافد فينا ، في حقيقة الأمر تفاجأت بالتعامل الراقي لموظفي للمنفذ السعودي حينما سلمناهم النماذج المعبأة وشهادات الفحص ، وتفاجأت لأمرين ونحن أمام موظفين سعوديين راقيين بتعاملهما وإنسانيتهما لم نجدهما في وطننا .. الأمر الأول أنهما لم يدققا في صلاحية الفحص بقدر تدقيقهما لنتيجة الفحص .. أما الأمر الآخر وهو أنه كان معهما ختم واحد فقط وليس ختمين فكان أحدهما يختم أوراق وافد والآخر ينتظره حتى ينتهي ليأخذه ويختم ما معه من وثائق ونماذج ، وبفضل من الله ومـِنـَّته إنتهينا سريعاً من هذا الإجراء فإتجهنا إلى الجمارك وكان أيضاً تعامل راقي معنا من قـِبـَل موظفي الجمارك فأنزلنا حقائبنا للتفتيش ووضعناها أمام سير التفتيش وذهبنا لقسم الجوازات لإنهاء إجراءت الدخول وختم جوازاتنا .

     كان موظفي الجوازات الأرقى تعاملاً معنا حتى أنهم كانوا يمازحوننا بلطف وإنتهينا سريعاً وعدنا إلى حقائبنا ووجدناها بحالها كما وضعناها ، وقالوا لنا خذوا حقائبكم ومن خلال وضعها إكتشفنا أنهم لم يفتشوها أو حتى يفتحوها ، فحملناها مرة أخرى إلى الحافلة وإتجهنا إلى الحافلات الكبيرة التابعة لمكتب السفريات والتي كانت تنتظرنا ، وَدَّعت إبن تعز الحالمة رفيق السفر فقد كانت وجهته إلى مدينة جدة ووضعنا حقائبنا في الحافلة المتجهة للرياض وصعدنا ، ومن حسن حظنا كنا آخر الركاب فوضعونا في قسم العوائل بمقدمة الحافلة وأخذنا مقاعدنا وكنا غير مصدقين بأننا قد إنتهينا من رحلة الألم .

     بالفعل كانت رحلة ألم وآهات ولكنها لم ولن تُفقـِدنا الأمل في وطننا الغالي بأن يُشفى ، فوطننا عليل من قلة قليلة من أبناؤه المتاجرين بإسم الوطن سواء في شماله أو في جنوبه ، وسواء كان أولئك المتاجرين مرتزقة أو مسؤولين .. عصابات أو مليشيات ، فوالله الذي لا إله غيره وطننا اليمني الكبير سيتعافى فوضعه الآن وضع التطهير والله عز وجل رؤوف رحيم ، ألم يقُل رسولنا الكريم صل الله عليه وسلم إني أرى نـَفـَس الرحمن من هاهنا وأشار إلى اليمن .. والله عز وجل لا يقبل أن يكون نـَـفـَسهُ في اليمن ولا يزال اليمن به جيفة وأنتم تعلمون ما تلك الجيفة ، فـَدُمتَ بخير يا شعبنا العظيم ودام اليمن الغالي لأبناؤه الكرماء المخلصين .. ولا نامت أعين الخونة الساعون لبيع وطننا بسعر بخس .

علي هيثم الميسري

الحجر الصحفي في زمن الحوثي