سبتمبر الفن: سيمفونية السبعين ودور التوجيه المعنوي

بلال الطيب
الجمعة ، ١٨ سبتمبر ٢٠٢٠ الساعة ٠٨:٢٧ مساءً

كانت مَلحمة السبعين يومًا البطولية انتصارًا يمنيًا خالصًا، وامتدادًا طبيعيًا لتأكيد هويتنا الوطنية، وإعادة إعلام الناس بتفاصيلها المدهشة تُشكل تجذيرًا للثورة، وتحفيزًا للصمود والمقاومة، ومقارعةً للباطل مهما كانت قوة هذا الباطل وسطوته، وتأصيلًا للوعي لدى الأجيال، حتى لا تُصادر تلك الروح الوثابة من الذاكرة والوجدان.

التوجيه المعنوي جزء هام في استراتيجية حرب السبعين يومًا، وبداية انطلاق الإعلام العسكري اليمني، كان حاضرًا وبقوة، يلتقي الوجوه المُحاربة، ويلمس شغاف قلوبهم، أسسه أحد مُناضلي ثورة سبتمبر الضابط محمد حسن السراجي، وتولى مهام تفعيله حوالي 30 ضابطًا، إلى جانب فصيل احتياطي تم تشكيله بأوامر من النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب - رئيس هيئة الأركان، وكان يتم دفعه إلى المُواجهات في حال استجدت أحداث طارئة، وقد أدى دوره ببسالة أثناء معارك عصر.

عندما تشكلت المقاومة الشعبية كان ضباط التوجيه من بين أعضاء قيادتها ومقاتليها، وكان لهم برنامج إذاعي يومي اسمه «حماة الوطن»، القائمون عليه يعدونه ويسجلونه ميدانيًا، ينطلقون إلى المواقع، ويعيشون مع الجنود، وينقلون انطباعاتهم، ويرفهون عليهم، بمشاركة رائعة للفنان الكبير علي بن علي الأنسي، والفنان الساخر حمود زيد عيسى «صالح علي»، اللذين ارتديا الزي العسكري، وحملا السلاح، ورافقا فريق التوجيه المعنوي خطوة خطوة.

كما كان لأم الشهيد اللقية دور لا ينسى، واظبت على زيارة النساء في تجمعاتهن، وعملت على توعيتهن، وتعريفهن بالثورة وأهدافها، والإمامة ومخاطرها، وبثت نداها بلكنتها الدارجة عبر أثير إذاعة صنعاء، وكان تعبيرها صادقًا أثر في كثيرين، فيما صداه لم يفارق مخيلة من عايشوا تلك اللحظة. وتمثلت أبرز مهام أعضاء التوجيه المعنوي في استقبال الصحفيين الأجانب، ومرافقتهم إلى مواقع التماس، وعن طريق هؤلاء المراسلين تم نقل تفاصيل الحصار أولا بأول، وعرف العالم الكثير عن صنعاء - المدينة المنكوبة، وقصة صمودها الأسطوري.

التوجيه المعنوي كان كاميرا التصوير، التي وثقت أحداث تلك الملحمة، وأسست العمل الفوتوغرافي العسكري المُحترف، وكان أيضاً منشورات الحرب النفسية، ومحاضرات رفع الروح المعنوية، وبيانات سياسية موجهة، صدرت أربعة منها، ثلاثة موجهة لحشود المرتزقة، وبيان أخير للطابور الخامس، كان افتتاحه بالآية الكريمة: «لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم»، وختامه ببيتين من الشعر: أما سماسرة البلاد فعصبةٌ

عار على أهل البلاد بقاؤها

ابليسُ أعلن صاغرًا إفلاسه 

لما تبين عنده إغراؤها  

كان المقامون يرددون بعض الزوامل الحماسية، منها هذا الزامل الذي صاغ كلماته محمد حسين الحضرمي:

يوم الحصار اشتد ونادانا المناد

أين الرجال بالغوث صنعاء تحتضر

أين الذي قالوا على خير الجهاد

وفكوا المدفع باوجاه الفجَر

واحنا استعدنا والامل فينا استعاد

الله اكبر قالها كل البشر

لبيك يا صنعاء يا نبض الفؤاد

الكون لاجلك قد تجمع واحتشر

كان للتوجيه المعنوي إذاعة متحركة، بسيارة نقل مكشوفة، تنطلق إلى المناطق المستهدفة بالقذائف العشوائية، وتفتح الأناشيد والشعارات والأشعار الحماسية التي كان لها أعظم الأثر في تثبيت النفوس وترسيخ الطمأنينة. 

في شهادته على تلك المرحلة قال جار الله عُمر: «كان من غير المألوف أن تشاهد سيارة تخلو من مكبر صوت مُركب على مُقدمتها، أو مُسجلة تذيع الأناشيد الوطنية بأصوات عالية تملأ رحاب المدينة، باعثة الحماس والعزم في كل إنسان له قلب وسمع، وكانت أغنية المُقاتلين المُفضلة تلك الأنشودة الوطنية الرائعة التي كان يصدح بها صوت المرحوم الفنان علي الآنسي، ويلهج بها كل لسان: قسمًا برب العزة، أني سأحمي ثورتي، وأصون جمهوريتي..».

 يقول نعمان المسعودي، وهو مدير ذات الدائرة إبان الحصار: «لم يكن هناك موقع عسكري لم نزره، ونعيش مع أبطاله، ومعنا الفنانون وجهاز التسجيل ومعدات التصوير. لم تكن هناك حارة أو شارع في العاصمة إلا وصدحت فيه الأناشيد الثورية والكلمات الحماسية عبر ميكرفون سيارة التوجيه التي كانت تزود المواطنين أيضًا بالمواد الغذائية الضرورية، وكان العمل الإعلامي على خط وطني واحد، من مقر إدارة التوجيه المعنوي، إلى مقر قيادة المقاومة الشعبية، إلى إذاعة صنعاء». 

وإلى جانب الصوت والقلم، شارك أعضاء التوجيه المعنوي في القتال، وسقط ثلاثة من أفضل ضباطه شهداء في سبيل القضية والوطن. - الصورة: علي بن علي الآنسي مع الأبطال في مواقع الدفاع عن عاصمة الجمهورية أثناء حصار السبعين

الحجر الصحفي في زمن الحوثي