السلام غير التطبيع

د. عبده مغلس
الجمعة ، ١٤ أغسطس ٢٠٢٠ الساعة ٠٨:١٧ مساءً

شتان بين الأمرين والخيارين "السلام أم التطبيع"، التطبيع دون سلام هو تسليم بالمشروع الصهيوني في فلسطين والمنطقة، بينما السلام الذي يتبعه التطبيع، هو خيار استراتيجي للفلسطينيين والعرب، وضعوا مشروعه، وحددوا خطواته ومبادئه، عبر المبادرة التي طرحها ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبد العزيز رحمه الله، وأقرت بالإجماع كمبادرة عربية لإحلال السلام في المنطقة، وتؤكد رغبة العرب في السلام العادل والدائم، لا الإستسلام والتطبيع الدائم، الذي هو رغبة اسرائيل، المبادرة العربية حملت اسم اعلان بيروت وأعلنت في "قمة الحق العربي" في بيروت عام ٢٠٠٢ في الدورة 14 لمجلس الجامعة العربية.

وقد حدد سمو ولي العهد السعودي حينها الأمير عبدالله بن عبد العزيز رحمه الله، خيار السلام وطريقه بقوله (ان العرب عندما قرروا قبول السلام خياراً استراتيجياً لم يفعلوا ذلك عن عجز مهلك او ضعف قاتل، وان اسرائيل تسرف في الخطأ اذا تصورت انها تستطيع ان تفرض سلاماً ظالمًا على العرب بقوة السلاح)،(ان السلام اتفاق حر بين طرفين متساويين، ولا يمكن ان يعيش سلام قائم على القمع او القهر، لقد قامت العملية السلمية على اساس واضح لا لبس فيه وهو الارض في مقابل السلام)،(ان السلام والاحتفاظ بالاراضي العربية المحتلة نقيضان لا يجتمعان، (اننا نؤمن بحمل السلاح دفاعاً عن النفس وردعاً للعدوان، لكننا نؤمن بالسلام اذا جاء قائماً على العدل والانصاف منهياً للعدوان)،( اقترح ان تتقدم الجامعة العربية بمشروع عربي جماعي واضح الى مجلس الامن، مشروع يقوم على امرين اساسيين:

العلاقات الطبيعية والامن لاسرائيل في مقابل الانسحاب الكامل من جميع الاراضي العربية المحتلة والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين)،(واناشد في الوقت نفسه كل الدول الصديقة في كل مكان من العالم ان تقف بشرف الانسانية لدعم هذا التوجه الذي يستهدف ازاحة خطر الحرب المدمرة وتحقيق السلام لجميع شعوب المنطقة بلا استثناء). قمة الحق العربي توصلت لمحاور مهمة في القضية الفلسطينية هي:

١- الإجماع العربي حول مبادرة السلام السعودية التي تبنتها القمة وصدرت في “إعلان بيروت” تحت عنوان مبادرة السلام العربية، لتؤكد رغبة العرب الحقيقية في السلام مقابل إنسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة وحل الدولتين.

٢- رفض كل أشكال التوطين للفلسطينين الذي يتنافى مع الوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة.

لقد قدم العرب هذه المبادرة بهدف وضع حد لما يتعرض له الشعب الفلسطيني، من اعمال قتل وتدمير وحصار، والزام اسرائيل بما اتفقت عليه مع الجانب الفلسطيني، وصولاً لتسوية عادلة، تستند على  قرارات الشرعية الدولية والاتفاقات التي توصل اليها الطرفان، وإيقاف مماطلة اسرائيل في تنفيذ ما اتفقت عليه مع الجانب الفلسطيني ومنعها من التملص من هذه الالتزامات. استند العرب في مبادرتهم للسلام على الأسس التالية:

١- أسس الشرعية الدولية وقرارت الامم المتحدة 242 و338 ومجلس الأمن 1397،ومبدأ الارض مقابل السلام، وما تبنته قرارات مؤتمر مدريد عام 1991، واكدته قرارات الاتحاد الاوروبي، وغيرها من المنظمات الاقليمية، ولذا فليس من حق اي جهة اجراء تعديل على هذه المرجعيات، أو ايجاد تفسيرات جديدة لها، تشجع اسرائيل للتنصل من التزاماتها او التراجع عما وقعته من اتفاقات.

٢- عملية السلام كل لا يتجزأ، والسلام العادل والشامل والدائم، الذي يتطلع اليه العرب، لن يتحقق الا بعودة الحقوق العربية كاملة لأصحابها، وفي مقدمتها قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وايجاد تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.

٣- حل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.

٤- الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة عام ٦٧.

٥- السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية هي القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني، والوقوف في وجه اي محاولة لتهميشها او اضعافها او ايجاد بديل عنها. والمبدأ الأشمل للسلام الحقيقي هو الممكن الوحيد، الذي من خلاله، تتم المقايضة الوحيدة، المسموح بها قومياً وتاريخياً للسلام، يجب ان يكون في مقابل تنفيذ اسرائيل، لقرارات الشرعية الدولية، وعلى رأسها الانسحاب الكامل من كافة الاراضي العربية المحتلة، الى حدود الرابع من حزيران عام 1967، وحق العودة للشعب الفلسطيني الى ارضه، وهذا وحده السبيل الى الاستقرار والسلام الحقيقي في المنطقة، وبمعنى أخر كل السلام في مقابل كل الحقوق أرضًا وعودة كما قال رئيس القمة العربية حينها رئيس لبنان العماد أميل لحود.

ومقابل هذا السلام في اعلان بيروت تقوم الدول العربية بما يلي:

١- اعتبار النزاع العربي ­ الاسرائيلي منتهياً، والدخول في اتفاق سلام بينها وبين اسرائيل مع تحقيق الامن لجميع دول المنطقة.

٢- انشاء علاقات طبيعية مع اسرائيل في اطار هذا السلام الشامل.

وبدون هذ السلام، وبدون هذه الأسس والمحددات، لا توجد عملية سلام بل عملية استسلام، عنوانها التطبيع، تقود المنطقة إلى حلقة مفرغة، من الاقتتال والعنف.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي