(حزب المتمصلحين) ودوائري الثلاث

ناصر العشاري
السبت ، ٢٢ فبراير ٢٠٢٠ الساعة ٠٥:٠٣ مساءً

قبل أن أطرح ما قد يثير دبابير الخصومة والفجور، فإنني أعتقد بأنه ينبغي أن يكون من لوازم إيماننا ويمانيتنا أن كافة اليمنيين مهما كانت توجهاتهم وانتماءاتهم ومناطقهم أخوة في الدم والعقيدة والهوية، شركاء في الوطن والمصير، ولا عدو لنا سوى عصابات الشَّرِ والشِّرك والإرهاب والكهنوت الحوثية الفارسية وأسيادها العلوج، ولا ثأر لنا إلا منهم، أما بعد.. 

كل يوم تترسخ عقيدتي وقناعتي المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بحرمة وخطورة التحزب في المجتمع والأمة الواحدة، وبخاصة حين تخوض الأمة معركة عقيدة ووجود مع عدو عقائدي أزلي صريح؛ وقناعتي بأن الأحزاب تحوِّل أتباعها إلى قطعان بلا عقيدة ولا مبدأ ولا ضمير..

ويتجلى ذلك في مواقف أتباع أبرز حزبين في اليمن وهما المؤتمر والإصلاح وسأسميهما حزب (المُتَمَصلِحين) الذين تناقضت أقوالهم وتضادت أفعالهم ومواقفهم تماماً في بضع سنين، وهم مستعدون للانضمام لمن كانوا يقاتلونه ويكفرونه، ومقاتلة من كانوا يسبحون بحمده ويتحالفون معه في أي وقت إعلاءً لمصالحهم الشخصية والحزبية إذا اقتضت ذلك وليس إعلاءً لكلمة الله أو لمصلحة أمتهم ووطنهم، ولكنهم لم يفكروا في سكرة تحزبهم وتعصبهم أن يغيروا مواقفهم ويتنازلوا لبعضهم ويتوحدوا معاً كأبناء وطن واحد وأصحاب عقيدة وهوية واحدة، ومصير واحد، لتحرير وطنهم واستنقاذ ما تبقى من كرامتهم وهويتهم..

فأتباع الإصلاح مثلاً ونكاية بالمؤتمر ورئيسه وقفوا في ساحة واحدة وصف واحد مع الحوثيين الأنجاس مع معرفتهم لشرك شركائهم البواح من أجل إسقاط حزب المؤتمر ورئيسه الذين تعايشوا معهم طوال أعمارهم بسلام وتجمعهم عقيدة وهوية وثقافة واحدة؛ ليكونوا بعد ذلك هم أول ضحايا الحوثيينَ المجرمين الذين تحالفوا معهم، ثم استنجدوا بدول التحالف وقاتلوا الحوثيين ولعنوا وخَوّنوا من تحالف معهم من المؤتمر..

ومن جانب آخر فكثير من أتباع المؤتمر مثلاً قاتلوا في صف الحوثي منقادين له ونحورهم دون نحره، وتحالفوا معه، ومكنوه من وطنهم ومناطقهم بحجة مواجهة من سموها دول العدوان، ولعنوا وخَوَّنوا وأَخوَنوا كل يمني  تحالف أو قاتل معها لاستنقاذ وطنه من أذناب إيران إلى وقت قريب، ولا زال بعضهم حتى الآن؛ واليوم يخونون ويؤخونون ويلعنون مثلاً حتى من ينتقد تصرفات بعض دول التحالف بلا خجل، ويتهمونه بالخيانة والتحالف مع الحوثيين، ويتفانون في إرضاء وشكر من كانوا يسمونها دول العدوان التي قاتلوها لسنوات ويتحالفون معها، ويقاتلون تحت إمرتها..

واليوم كذلك بدأ بعض الإصلاحيين بمهاجمة السعودية التي استنجدوا بها وتحالفوا معها وتفانوا في شكرها وحمدها وتخوين من يقف ضدها كقائدة للأمة، واعتبروها الآن عدوة، بل وتقارب بعضهم في مواقفه مع الحوثيين وإيران وأصبح لا يمانع من التحالف معهم مجدداً بعد كل فظائعهم وبعد كل من قتلوهم وسحلوهم من إخوانهم.. أتحدث بهذا الوضوح، بإشفاق وبلا نفاق، إذ أنني مع كل ذلك فموقفي من كافة الأحزاب اليمنية وأتباعها هو موقف المشفق عليهم، والمحب لكل يمني آثر كرامته وعقيدته ووطنه على مصالحه ومصالح حزبه، وانقاد وأسلم لله وحده، وليس لبشر مثله منظرين ولاعبين سياسيين نفعيين لا يبالون بعقيدة وهوية اليمنيين ولا بدمائهم ومصيرهم..

وكنت قد أعلنت عن (وثيقة عهد أحرار اليمن) كفاصلة وامتحان حقيقي للصادقين في مقاومة الحوثي قولاً وفعلاً، ولنستبين الذين قطعوا كل خطوط الرجعة مع الإمامة والشرك والكهنوت الفارسي، ولنستبين قطعان المتحزبين الذين يدّعون الوطنية والانتماء للعروبة والإسلام ممن لا تهمهم سوى مصالحهم الشخصية والحزبية؛ وذلك حين أقسمت وتحديت (حزب المتمصلحين) وكل يمني بأن يقسم بالله العظيم على مقاومة الشرك والكهنوت الحوثي بلا مساومة حتى نهايته أو نهايتنا إن كانوا صادقين ويوقع باسمه على ذلك القسم، فلم أجد حتى بعدد الأصابع..

و بمناسبة الحديث عن التحزب الذي دمر وطننا وشعبنا، فأنا أعتبر أن كل جماعة من المسلمين تؤطِّر نفسها بأي إطار سوى إطار الأمة الواحدة بدوائرها الثلاث وتتعصب له؛ أعتبرها حزباً ينطبق عليه معني التحزب والتشيع مهما تلاعبت بأسمائها..

وأطرح هذا الطرح كيمني عربي مسلم موحد حر طليق يحلق في آفاق أمته الرحبة، ويأبى أن تقيده حسابات حزبية، أو تحبسه انتماءات ضيقة، ولاؤه لله ثم لوطنه وأمته بدوائرها الثلاث وهي: أولاً: دائرة المركز أو القلب التي يمثلها الوطن الأم وهي الأمة اليمنية هنا، وثانياً: دائرة المحيط أو الدم والتي يمثلها الوطن العربي الكبير وهي أمتنا العربية، وثالثاً: دائرة الأرض أو الجسد الأكبر التي يمثلها العالم الإسلامي وهي أمتنا الإسلامية الموحِّدة..

وأتساءل هنا: بالله عليكم هل لو كان أتباع هذه الأحزاب وغيرها من الأحزاب والجماعات متحررين من القيود الحزبية ونعراتها، وكان ولاؤهم لله ثم لوطنهم وأمتهم وليس لأحزابهم وقادتها؛ هل كانت شرذمة الحوثي الفارسية الخسيسة الدسيسة القليلة الذليلة الدخيلة على شعبنا؛ ستتمكن من رقاب شعب بأسره، ومن فرض شركها وكهنوتها وخرافاتها عليه، وقهره وقتله والسيطرة على قراره ومقدراته؟!

وهل كانوا سيضطرون لكل هذا التناقض والتضاد في الأقوال والأفعال، ولكل هذا الموت والذل والتشرد والتشرذم والضياع، الذي أعتقد أنه عقوبة ربانية عامة بسبب المتحزبين المتعصبين الذين فرقوا الأمة شيعاً وأحزابا؟!  وختاماً إن كنا أهل إيمان فالقول الفصل للرحمن الذي حذر مَن فرقوا دينهم وكانوا شيعاً مِن أن يكونوا من المشركين: { منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين (31) من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون (32) } الروم

 { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون (159) } اﻷنعام.  

الحجر الصحفي في زمن الحوثي