العدوان التركي في مواجهة العالم

محمد عبدالله الصلاحي
السبت ، ١٢ اكتوبر ٢٠١٩ الساعة ٠٥:١٨ مساءً

قبل فترة حين ادعى الحوثي مسؤوليته عن هجمات أرامكو، تحدث إردوغان مبررا للحوثي ادعاء فعله فقال «من بدأ بقصف بلد الآخر»، بدا من حديثه وكأنه ينكر بشكل عام أي تدخل عسكري على بلدان أخرى، وأن هذا مبدأ ثابت في سياسته، فعارض وجود التحالف في اليمن، وأعطى للحوثي مشروعية الرد على بلدان دول التحالف بناء على مزاعمه في تبني هجوم أرامكو، دون أن يتنبه في حديثه إلى أن تدخل التحالف العربي في اليمن كان محدد الهدف، وإيجابي النتائج لليمن وشعبه، وبسند قانوني ودعوة من الرئيس اليمني لمواجهة الانقلاب الحوثي، وتطبيقا للقرارات الأممية التي أدانت هذا الانقلاب ودعت لإنهائه.

حديث إردوغان هذا يأخذنا إلى مستجدات الشمال السوري والتدخل التركي فيه، دون أن يكون له الحق في هذا، فلا الحكومة - مع الإشارة إلى الموقف المعارض لها - دعته لإسنادها، ولا الشعب طالب بتدخله، ولا الخارج بارك عدوانه، ليهدم بذلك مزاعم ادعاء المثالية التي حواها حديثه السابق، وليفتح الباب للأكراد خصوصا ولسوريا عموما بحق الرد، وفقا للقانون الذي سنه إردوغان ذاته (من بدأ بالتدخل في بلد الآخر؟).

تمارس تركيا سياسة التوسع عسكريا، مثلما مارس رئيسها سياسة التدخل السياسي في شؤون غيره، ومثل هذه السلوكيات لا يمكن أن تصدر من بلد يحرص على السلام، بقدر ما أنها نتاج لأطماع السيطرة والنفوذ على حساب البلدان الأخرى.

لا يمكن لتركيا أن تحظى بثقة العرب وهي تحمل أطماعا توسعية على حساب بلدانهم، الثقة تأتي من العمل مع الجميع لتعزيز أمنهم وسلامتهم، لا العمل ضد الجميع والعدوان عليهم إما سياسيا أو عسكريا، هذا المعيار الأول للثقة، وهو ما تفتقد له تركيا في المنطقة العربية، وتتشارك في هذا مع إيران التي تحمل أهدافا وأطماعا مماثلة، وكلاهما «خلافة المرشد، وولاية الفقيه» مشاريع مرفوضة عربيا.

إردوغان كرئيس هو أكثر من تغنى بمظلومية الشعب السوري، وتركيا كدولة هي أكثر من استفاد من الأزمة السورية سياسيا، وعسكريا، واقتصاديا، وإنسانيا في استغلال بشع لم يراع أدنى مسؤولية تجاه بلد جار أهلكته الحرب، فالنفوذ السياسي التركي في سوريا اُستخدم كورقة أرادت تركيا أن تنعكس نتائجها لصالح تعزيز نفوذها السياسي في المنطقة عموما، واُستخدم للمقايضة مع قضايا أخرى للتخفيف عن تركيا من الضغوط الدولية فيها، كما أن التواجد العسكري التركي في سوريا مثل نافذة للولوج العسكري إلى المنطقة العربية، وبمقابل الفاتورة ذات الكلفة الباهظة التي خسرها اقتصاد سوريا، كانت تركيا واقتصادها المستفيد الوحيد من هذا، وكذلك استخدمت تركيا ملف اللاجئين في إطار تجاذباتها الدائمة مع أوروبا.

لا يستند إردوغان في تدخله بسوريا على أي أساس قانوني أو شرعي، بل وضع تركيا في مواجهة العالم، فالعدوان قوبل برفض عربي وغربي ودولي، وإدانات واسعة له، حيث أدانته دول عربية عديدة والجامعة العربية كذلك وهو موقف متوافق مع القانون الدولي الرافض لانتهاك سيادة دولة أخرى بغض النظر عن الموقف العربي من الحكومة السورية، في حين كان موقف قطر خارج هذا الإجماع العربي ومؤيدا للعدوان تجاه دولة عربية، وأدانه كذلك المجتمع الدولي، وعبر الاتحاد الأوروبي في بيان مشترك لدوله الـ 28 عن رفضه له.

إضافة إلى إدانته بشكل فردي من قبل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا وغيرها من الدول الأوروبية، هذا الموقف الأوروبي المندد للغزو دعا إردوغان للتهديد بفتح حدود بلاده أمام مرور اللاجئين إلى أوروبا، في استغلال واضح وفاضح لقضية اللاجئين والقضية السورية عموما لتحقيق مصالح إردوغان بعيدا عن أي اعتبارات إنسانية، والنتيجة من هذه المواقف الرافضة للغزو التركي تؤكد أنه لا يمكن لتركيا أن تخرج منه كما دخلته، سياسيا واقتصاديا وحتى عسكريا، فلكل فعل عاقبة وعقوبة.

وكان الرئيس الأمريكي ترمب قد هدد بفرض عقوبات على تركيا، ولا زالت أصداء العقوبات الأمريكية السابقة على الاقتصاد التركي باقية، بسبب قضية القس برانسون واحتجاز تركيا له حينها، ومع العدوان التركي على سوريا، وحديث أمريكا عن عقوبات جديدة تجاه تركيا نتيجة فعلها هذا، تواجه تركيا مجددا صعوبات في الداخل، وعقوبات من الخارج، تثقل كاهلها وكاهل حاكمها الموهوم بثوب الخلافة، والمثقل بخسائر الانتخابات البلدية، وتراجع الاقتصاد، وتزعزع ثقة شعبه به.

التدخل التركي غير القانوني في سوريا وردود الأفعال العربية والدولية الرافضة له، تضعنا أمام صورة أخرى من الأعمال العسكرية دق إردوغان كثيرا على وترها وحاول استغلالها، وهي «الحرب في اليمن» ووجود التحالف العربي الداعم لليمن، والمسنود بشرعية الرئيس وقرارات الحكومة وقبول الشعب له والمتوافق مع تأييد دولي وقرارات أممية. هذه الأحداث تضعنا أمام مشهد كما هو في الواقع دون زيادة، مفاده «من يهب لنجدة جاره؟ ومن يتدخل للاعتداء عليه؟».

 

*صحيفة مكة

الحجر الصحفي في زمن الحوثي