هذا ما يحدث في اليمن بالضبط ؟

سام الغباري
الثلاثاء ، ٠٦ أغسطس ٢٠١٩ الساعة ٠٥:٥٤ مساءً

أعلن رئيس وزراء ليبيا استعداده خوض انتخابات برلمانية ورئاسية قبل نهاية العام الحالي ، كبادرة لإنهاء الصراع المسلح في بلاده . ذلك أمر رائع . لكنه إعلان لا تطيق ميليشيا الحوثي في اليمن سماعه أو ترديد مبادرة مشابهة له ، لأن عقيدتها وهويتها شيئان آخران لا ينتميان إلى اليمنيين في شيء .

لنبتعد قليلًا عن إيران ، ونتحدث عن الحوثي كميليشيا وعقيدة وهوية ، ولنسأله من أين جاء ؟ ، الإجابة ليست معقدة ، فـ "عبدالملك بدرالدين" يقول لكل اليمنيين أنه ليس يمنيًا وإن ارتدى لباسهم وتحدث مثلهم وبلكنتهم . تشكلت أولى حواضنه بالحديث المتكرر عن "إعادة إحياء الزيدية" ، ولما كانت "الزيدية" انتماءٌ قديم لتشكيلة الحُكم المذهبي في اليمن قبل 57 عامًا ، انخرط فيها سكان المناطق الشمالية كـ "مذهب" وتخلوا عنها بعد حرب دامت ثمان سنين بنهاية العام ١٩٧٠م، وتفكك منظومة الحكم الإمامي في الشطر الشمالي من اليمن بعد قيام الجمهورية ، لكن أثرها كان باقيًا ، ولم يتنبّه القادة الثوريون الجُدد لأهمية تفكيك البنية الاجتماعية "الزيدية" التي تؤمن بمسار حُكم عرقي لـ "إمام" ينتسب إلى "العلويين" وتحديدًا إلى "الحسن والحسين" ولا يجوز لغيرهم من اليمنيين الأصليين منازعتهم على ذلك وفق شريعتهم المذهبية، ما لم يكن غاصبًا للحُكم .

الحوثي جاء من هذه البيئة التي اُعيد إحيائها ، وقد كانت فصول تعليمهم "الخاصة" لأبنائهم تُدار في منازلهم طيلة سنوات الجمهورية ، ولم يلتفت أحد إلى منع "العنصرية" المذهبية والعرقية، وتعامل اليمنيون بتسامح كارثي معها ، ظنًا منهم أنها جزء من الحريات الديمقراطية والتعدد المميز ، لكن النهاية كانت دامية ، قفز الحوثيون إلى السلطة مُعلنين أنهم استطاعوا تدمير الجمهورية من الداخل بتواطئ عرقي من أبناء عمومة "زعيم الحوثيين" الذين كان معظمهم مؤمنًا بأحقية الهاشميين الحصرية في حُكم اليمن، وبناء "جمهوريتهم" الجديدة المماثلة لجمهورية "الخميني" في إيران .

خدع الخميني الإيرانيين بدعاوى التغيير وإنهاء حكم "الفرد" لكنه عاد مُحملًا بقداسة إنتسابه إلى العائلة الهاشمية التي يُقدّسها الشيعة بصرامة ، فاستوى على عرش "الشاه" وجمع أنصاره المتشيعين لتشكيل "جمهورية" مُفصلة على مقاسه . تاركًا رئاسة الجمهورية لرجل آخر من العامة يختاره الناس وينشغلون بتبديله، لكنهم لا يستطيعون انتزاعه هو عن كرسيه ، وقد حصّن نفسه ونظامه بمؤسسات عسكرية وتشريعية موازية للدولة الإيرانية . صار "الولي الفقيه" دولة داخل الدولة .

 

قلت ذات مرة أن "الخميني" اقترب من "الزيدية" في شكل نظامه ، وقد أسهم ذلك في تشكيل قواسم "مشتركة " مع الحوثيين الزيود في اليمن، الذين كانوا إلى وقت قريب يتحدثون عن مذهبهم بنوع من الفخر ، مرددين أنهم "شيعة السنة وسنة الشيعة" ، وتلك إحدى أكثر المقولات الشائعة إثارة للسخرية ، وحيلة لغوية ماهرة سرعان ما أظهرت الممارسات الحوثية أنها لم تكن محض طبيعة إجرامية لقادتها فحسب ، بل تاريخ متأصل في كتبهم ومروياتهم وفتاويهم التي كانت تُطبع في صنعاء بأريحية ساذجة .

كنوع من الولاء لداعميهم ، يُسهم الحوثيون اليوم في ممارسة الأعمال القذرة لتنفيس مكامن الضغط الدولي والإسلامي على إيران بفاتورة مدفوعة من دماء اليمنيين ، ولن تفلح هذه المرة التفسيرات التي تتحدث عن أصول الحوثيين وسُلالتهم المنتشرة في اليمن بأنها "فارسية" لتبرير انسجامهم الكامل مع نظام الآيات في طهران، قد يكون ذلك صحيحًا ، لكن الحقيقة المطلقة أنهم يؤمنون بنظرية "الولاية الهاشمية" وهي عمود المذهب الزيدي الذي لم يعد صالحًا للاستعمال سوى في اليمن ، وهذا هو ما يمنعهم عن تقديم تنازلات حقيقية لحقن الدم اليمني .

 

حين ننتصر ، الهزيمة العسكرية للحوثيين لا تكفي، بل ينبغي أن تُفكر النخب اليمنية في حل جذري يدفن هذا الصراع الدموي الذي يتكرر في بلادهم منذ ألف عام ، فهل يستطيعون ؟ ، ذلك ما سنتحدث عنه من صنعاء وليس من عدن . 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي