الدفاع عن صنعاء من جوف الجوف

بلال الطيب
السبت ، ١٥ سبتمبر ٢٠١٨ الساعة ٠٧:٣٧ صباحاً

آ 

بقايا علم وطني مرمي على الأرض، ذو الوان باهتة، تنتصب أمامه بدلة عسكرية مهترئة، مصلوبة باستهتار فوق جذع شجرة شبه متهالكة، وصرخة الموت ترفرف بتعال فج، ومسلحين ذو وجوه كالحة يرمقون الغريب بنظرات كلها استفهام وتعجب، فيما صحبة شيخين من أعيان الجوف تكفلت بالحماية، وأغنت العيون الفاحصة عن السؤال، ومنعتها من التوغل في أي تحريات جانبية.

كنت حينها مغامراً يدلف محافظة الجوف لأول مرة، (اكتوبر 2009)، والحرب السادسة بين "الدولة والحوثيين" على أوجها، وكانت "الغيل" المديرية حيث مررنا حاضنة الحوثيين ومركز ثقلهم، تتوزع على جنبات الطريق العام فيها بقايا لثكنات عسكرية، كان الجيش الجمهوري حاضرا فيها إلى ما قبل مرورنا بعدة أيام، لتحل محلها نقاط تفتيش حوثية تعزز حضور جماعة طامحة، خيل لي لحظتها أنها لا ولن تتوقف عند حدود تلك النقطة الفاصلة والفاجعة.

ولجنا بوابة مديرية المصلوب، حاضرة بني نوف الزاهية، المشهد هنا مختلف، الدولة ونبرات العداء للحوثي حاضرة وبقوة، وفي سباق مع الزمن انجزت العديد من المواد الصحفية، نشرت فيما بعد بصحيفة الجمهورية الرسمية، كان ابرزها استطلاع ميداني عنوانه (بني نوف: الحوثي شاذ والآن ينال جزاءه).

بعد هذا الاستهلال، ثمة جزئية مهمة أحببت التذكير بها، فالحروب التي كانت تدور في الجوف هي في الأصل بين قبائل متحالفة مع الدولة، وبين قبائل متحالفة مع الحوثي، ولم تكن عقائدية، أو حتى وليدة لحظتها، بل كانت بمجملها حروب ثارات قديمة ومتشعبة، استغل الحوثي الموقف وتحالف مع القبائل القريبة منه، فيما أنضمت الأخرى إلى حلف الدولة، وقد حضرت شخصيا فيما بعد وفي منتصف العام 2010 جلسات صلح بين بعض هذه القبائل، في منزل محافظ محافظة الجوف حينها حسين حازب، بمدينة الحزم، عاصمة المحافظة، تفاصيلها تعزز ما ذهبت إليه أنفاً.

ومن هذا المنطلق، ومن باب رب ضارة نافعة، فقد ساهم هذا التناحر والصراع بين الإخوة الأعداء في كبح جماح الحوثي في التمدد والسيطرة، المغروس في سلوكياته، والذي أجاد استخدامه في كل حروبه العبثية، من دماج حتى عمران، وصولاً الى صنعاء.

الجوف اذا عصية على السقوط، وهي ورقة ضغط رابحة في يد الدولة والقبائل المتحالفة معها على السواء، اذا أجيد استغلالها الاستغلال الأمثل، وربما تكون القشة التي ستقصم ظهر البعير .

ومن وجهة نظري، أن الجوف حالياً تدافع عن صنعاء وعن كل اليمن، فاستمرار المعارك الدائرة هناك، وبذات الزخم الذي يتوارد إلى مسامعنا كل يوم، حتماً سيجبر الحوثي على تعزيز قواته المتهالكة، وبهذا سيخف الضغط عن صنعاء، فهذا المغرور لن يستسلم إلا لحتفه.

وكما توجهت قبائل قيفة من البيضاء، ومراد من مأرب، وقبائل أخرى قديماً وأثناء حصار السبعين يوماً للدفاع عن صنعاء، وفتح أبوابها من خارجها، ها هي اليوم تكرر ذات المشهد، ولكن عبر بوابة واحدة، بوابة جوف الجوف، هذا اذا لم يتدخل اللاعب الأجنبي، والزمرة الحاكمة، وينقذوا الحوثي في حال اقتربت ساعة الحسم، كسيناريوا ممل يتكرر منذ العام 2004.

آ  #كتبت هذا المقال قبل سقوط صنعاء باسبوع، ونشر يومها في صحيفة الجمهورية، 14سبتمبر 2014.

آ https://m.facebook.com/photo.php?fbid=1503145866491832&id=100003892994345&set=a.1453214401484979

الحجر الصحفي في زمن الحوثي