الصحفي.. خصم الحوثيين الأول

همدان العليي
الأحد ، ٢٧ مايو ٢٠١٨ الساعة ٠٤:٢٩ صباحاً

 

دشنت مليشيا الحوثي الإمامية إرهابها على العاصمة اليمنية صنعاء بالقصف على مبنى التلفزيون الحكومي بالسلاح الثقيل في 19 سبتمبر/أيلول 2014، رغم وجود ما لا يقل عن 300 موظف في المبنى، ليتم السيطرة عليه كاملة في اليوم التالي، بعد سقوط عدد من الجرحى، واحتراق وتدمير أجزاء منه.


وبعد السيطرة على المدينة، اقتحمت المليشيا مقرات القنوات التلفزيونية، والصحف، والإذاعات الحكومية، والأهلية الأخرى، وصادرت محتوياتها، واختطفت بعض العاملين فيها، لتُعتبر الفترة الزمنية التي حكم فيها الحوثيون صنعاء من أسوأ المراحل التي مر بها الإعلام اليمني، بعدما ظهر انفتاح كبير للحريات الإعلامية وزاد عدد القنوات الفضائية الحزبية والأهلية والمستقلة والإذاعات والصحف والمواقع الإخبارية قبل انقلاب المليشيات الحوثية.


يُغتال الصحفي، أو يُختطف، ويُعذب في اليمن بسبب تناوله للأخبار والأحداث، أو لأنه عبّر عن رأيه بمنشور بمواقع التواصل الاجتماعي، ومن ينجو من الاغتيال، أو الاختطاف، أو الاعتداء، يبقى متخفياً عن الأنظار بعدما تم التحريض ضده، ويُفصل من عمله، وتُسلب حقوقه المالية، أو ينتهي به الحال في مدينة، أو دولة أخرى بعدما تم تهجيره قسرًا.


هذه الممارسات، والانتهاكات ضد الصحفيين بمثابة حرب مفتوحة أعلن عنها زعيم مليشيا الحوثي عبدالملك الحوثي على الإعلاميين في خطاب بثته قناة (المسيرة) التابعة للحوثيين في سبتمبر 2015، والذي أكد فيه على أن المخالفين لتوجهه من "فئة الصحفيين والمثقفين أكثر خطرا على هذا البلد ممن يقاتلون في الجبهات". فلماذا تعتبر مليشيا الحوثي الصحفي أخطر من المقاتل في الميدان؟ لماذا تعتبر القلم والكلمة أشد فتكاً من الدبابة والمدفع؟!


يستهدف الحوثيون الإعلام والإعلاميين لأسباب كثيرة، لكن أهمها: أن هذه الفئة الأكثر إدراكاً في المجتمع اليمني لأهمية وجود الدولة، وسلطة القانون، ورفض الجماعات المسلحة. فمليشيا الحوثي تستند على كتلة كبيرة من الأكاذيب والادعاءات التاريخية، والمعاصرة، ومهمة الصحفي غالباً هي تفنيد هذه الأكاذيب للعامة (توعية)، كما يضطلع الصحفي بمهمة كشف الانتهاكات، وأشكال الفساد المالي، والإداري الذي تمارسه المليشيا للرأي العام العالمي، وهذا أمر مزعج جداً للمليشيا؛ لأنها تحاول تقديم نفسها بشكل يختلف تماماً عن جوهرها العدائي والعنصري الكهنوتي.


ولذلك، فإن سقوط الضحايا من الإعلاميين والصحفيين بين الفينة والأخرى ليست أحداثا عرضية، بل أعمالا منظمة، تهدف إلى تقييد الحريات، وإرهاب الصحفيين، ومنعهم من تناول ونشر الأخبار التي تكشف انتهاكات الحوثيين وفسادهم في المناطق التي يسيطرون عليها.


ومن المهم القول هنا: إن الجرائم التي يرتكبها الحوثيون ضد الصحفيين في اليمن، لن تسقط بالتقادم، فمن ارتكبها لن يفلت من العقاب، وسيأتي اليوم الذي يُحاسب فيه كل شخص قتل أو اختطف أو عذب أو لاحق الصحفيين. باعتبار ذلك حقا إنسانيا، وبناء على قرار اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ١٨ ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٣، الذي حث الدول الأعضاء "على بذل قصارى جهودها لمنع أعمال العنف ضد الصحفيين، والعاملين في وسـائط الإعلام، وعلى كفالة المساءلة عـن طريق إجراء تحقيقات محايدة، وسريعة، وفعّالة في جميع ما يُدَّعَى وقوعه في نطاق ولايتها من أعمال عنف ضد الصحفيين، والعاملين في وسائط الإعلام، وعلى تقديم مرتكبي هذه الجرائم إلى العدالة وضمان وصول الضحايا إلى سبل الانتصاف المناسبة".

الحجر الصحفي في زمن الحوثي