سبتمبر و كهوف الظلام

أحمد المقرمي
الجمعة ، ٢٢ سبتمبر ٢٠١٧ الساعة ٠٧:٥٩ مساءً

 

كسر اليمنيون ليلة السادس و العشرين من سبتمبر من سنة  1962م. باب العزلة الذي كان الكهنوت الإمامي قد أحكم إغلاقه،  فإذا باليمنيين يطلعون على عالم جديد كأنما جاؤوا إليه من كوكب آخر .

  و في المقابل فقد اطلعت شعوب العالم  - بكسر الثورة لباب العزلة - على متحف مفتوح يعرض عليهم حياة قرون ماضية ، أو حياة القرون الوسطى،  كما أوروبا.

   لم يغادر الإمام يحيى اليمن، و لم تغادر عقيلته أفق الحاكم الذي لا يرى لنفسه من مهام غير جباية الرعية و امتصاص جهود الناس و دماء الشعب، الذي عليه أن يبقى باستمرار يدفع كل ما يكسبه ( لمولاه ) الإمام ، و ينعم بتقبيل قدميه و ركبتيه ؛ لأنه بزعم الكهنوت إبن السماء، و ليس لأحد أن يقول له كما قيل لعمر من أين لك هذا ؟ - و قد رأوا عليه ثوبا يزيد على ما وزعه على الناس،  حتى أسقطوا مساءلتهم عندما علموا أن الزيادة كانت ثوب ابنه عبدالله الذي آثر أباه بنصيبه -

أما هنا فشعار الكهنوت الإمامي  : لماذا أخفيت عنا هذا  !؟ فأنت و مالك للإمام، و ليس لأحد أن ينصح، و إلا فسجن ( الأهنوم) بانتظارك،  و تخبرك قصيدة (مصرع الضمير ) لأبي الأحرار الزبيري الذي راح ينتقد الوضع و يتصدى للنصح ، فقيل له إن شئت رضا الإمام و المنصب فدع التعرض بأي نصح أو نقد،  فقال حينها فصيدته الشهيرة مصرع الضمير ، و فيها  :

 

   مت في ضلوعك ياضمير

  وادفن حياتك في الصدور

 

   لأن نصح الإمام تجاوز ما بعده تجاوز ، و تطاول على منزلة الكهنوت  ( المعصوم ) و أسرة ترى لنفسها نسبا يستعلي على كل البشر :

 

   نصحت فقالوا هدمت البلاد

   و  زلزلت  أركان  اعتابها

 

   

  و مالك و النصح في أسرة

  تنال  السماء  بأنسابها  !

 

 فوجد نفسه في قعر سجن الأهنوم السيئ الصيت !

  و قد كان يحيى ، مؤمن شديد الإيمان بالواجبات التي فرضها آباؤه على الرعية، و ورثها عنهم ، و ورثها هو لبنيه ، كما كان مؤمن شديد الإيمان أيضا بمهامه و واجباته تجاه الرعية و التي كانت محصورة في المثابرة  بتحصيل  كل ما لدى الرعية من أموال !

   فإذا ما حلت بالشعب مجاعة،  و ماتت الآلاف و تجرأ بعض العقلاء بالطلب منه أن ينفق شيئا  من الحبوب و الطعام المتكدس  في مخازنه ؛ لينقذ الناس من الموت ، كان رده بكل برود  : " من عاش فهو سعيد و من مات فهو شهيد " !

  أما الطاغية أحمد يا جناه ! فكثيرا ما سافر الى الخارج و اطلع على تطور  حياة الشعوب و جهود الحكومات، لكنه هو الآخر كان شديد الإيمان بفلسفة الحكم الإمامي الكهنوتي ، و هو أن يعطي للرعوي ركبتيه يتمسح بهما، و أن يستلب منه كل  ما يملك و حتى اللقمة من يديه  !

  فإذا ما تحدث من الرعية أحد عن العدالة و الحرية و ضرورة الأخذ بأساليب العصر، يبرق العبيد إلى أحمد ياجناه ؛ يخبرونه بمؤامرة كبرى تهدد العرش من بعض الاحرار الذين نجوا بقدر من  سيف الانتقام و الإعدام من أحرار و ثوار 48؛ فيقطع ياجناه زيارته في ( روما ) ليصل يحمل غضبة كهنوتية، فيخطب خطبة السيف الشهيرة محذرا من العصريين، و مهددا : ( والله لأروين سيفي من دماء هؤلاء العصريين !) ، بالرغم من أن مظاهر و صور بل و متعة حضارة العصر في روما لم تغادر مخيلته و ذاكرته بعد ، لكنه معجون أبا و ذرية بالتخلف الذي يجد حكمه فيه.

  لقد جعل يحيى و أحمد اليمن في كهف و وقفا بكل قوة على بابه ؛ ليمنعا أي شعاع أو نور يمكن أن يتسلل إلى داخل الكهف،  و اليوم كهف مران يريد أن يتمدد ليستعيد كهف الإمامة و الكهنوت من جديد.

   عبده الحوثي هو الاخر مؤمن جدا بأن يمنح ركبتيه و قدميه لكل العبيد ، و مؤمن بأن يتقرب بنهب مرتبات و ممتلكات الرعية و كل الموارد كما هو حاصل اليوم بهدف إعادة اليمن إلى كهف الظلمات  ! ... و لكن هيهات :

 

 و بطن الشعب حبلى من جديد

 ستولد  ثوىة  فيها  الكرامة

الحجر الصحفي في زمن الحوثي