إرهاب بالإرهاب!!!

فيصل علي
الخميس ، ٢٢ ديسمبر ٢٠١٦ الساعة ٠٦:٢٦ مساءً

من يكتبون تاريخ أمتنا اليمنية يتوزعون اليوم بين الجبهات ينزفون الدم والحبر والعرق والمال ويفتقدون إلى الراحة، وكيف يرتاح من همه الوطن واستعادة الدولة؟ هذا الوطن ليس مجرد حلم ولا حقيقة مثبتة ومرفوعة في الرف، بل سلوكا وممارسة وانفاسا قد تغيب في أي لحظة، لكنها لن تتراجع عن الحلم.

 

كان من المفترض أن أحلم أنا وغيري من الناس بتحسين المعيشة، أو زيادة الدخل، أو بالذهاب لرعي الأبقار في مزرعة في سهول تهامة بعيدا عن الضجيج وشراء لراحة البال بعيدا عن المدن المزدحمة، لكنها اللعنة وحدها من قادت إلينا هذا الانقلاب الغبي الذي أضاع البلد بلمحة عين، وحول مسار التاريخ نحو مجاهل مظلمة لا يكاد الرائي يبصر يده من شدة العتمة.

 

  قال لي صديقي الذي تعرفت عليه مؤخرا أنه كان يفكر وهو صغير -وما زالت نفس الأفكار تراوده-، حول ماذا لو أن الله خلقه في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام، وماذا لو كان قد وجد في زمن الصراع الذي حدث في المدينة بين الرجال على السلطة، مع أي طرف كان سيقف؟

 

- سألته لماذا هذه الأفكار؟

 

 - فأجاب، هذا الزمان صعب أن يعرف الواحد منا أين يقف وأين الحق من الباطل، لكن في الزمن القديم كان سيقف مع رسول الله ضد قريش الكفار، وسينصر الحق وهو مطمئنا 100%.

 

* قلت له ما يدريك يا مدبر أنك لن ترافق فجار قريش ضد مصدر النور الأول؟ وما يدريك أنك لن تكون ضمن فريق المحايدين بقيادة "عبد الله ولد أُبي ولد سلول" وأنك لن تكون ضمن فريق "عبد الله ولد سبأ”، مصدر اللعنة التي لم تنته إلى اليوم؟  وكيف لم تستطع الربط بين بني كيري وولد الشيخ وبين سابقيهم أعلاه؟

 

الهروب من الواقع إلى الأفكار العدمية لا يقود إلى فلسفة جديدة، بل يقود إلى معادلة صفرية مفادها أن فلانا من الناس ما زال غير مدركا لواقعه ولا يستطيع اختيار طريقه، ولم يحدد بعد إلى أين المسير، يحتاج الفرد منا لمراجعات دائمة لمواقفه حتى لا يقع في دائرة العادات أو خارج دائرة الفاعلية، المعركة اليوم معركة وطن وليست نزهة ولا يجب تبسيطها.

 

من صنعوا الانقلاب استندوا إلى مخطط رتبوه جيدا من سنة 2000 على أقل تقدير مع أجهزة أمنية دولية، وبعدها بعام واحد كان المخلوع يعرض خدماته على أكبر دولة في العالم ليساعدها في حرب الإرهاب، وكان قد بدأ بإنشاء الحرس الجمهوري وتبعه بإنشاء الوحدات الخاصة بمكافحة الإرهاب، وتشكيلات الأمن القومي، وتم فتح الطريق إلى الأردن ليتم هناك تدريب هذه الوحدات المرتبطة به مباشرة، كل من تدربوا في الأردن قد أشرف عليهم مدربون من الضفة الأخرى للبحر الميت، وبأسماء أمريكية.

 

من يفهم هذه القضية المرتبطة بالإرهاب سيفهم تلقائيا سر بقاء صالح إلى اليوم في صنعاء، ليست شجاعته ولا قدراته القتالية، بل اتفاقيات الإرهاب المشبوهة، والتي اباحت السيادة الوطنية " طائرة جت من الجو شو اسوي لها؟"، ولذلك أنا لا استغرب سر إصرار العجوز كيري على إيجاد حل في اليمن يضمن بقاء حلفائه في صنعاء كجزء من السلطة، محاولا إنقاذهم من المصير المحتوم الذي رسمه الشعب في 2011 وما بعدها، كل عناصر الأمن وقيادات الحرس كانوا ضمن إطار طائفة الأقلية التي يدافع عنها كيري.

 

قبل عودة كيري الأخيرة إلى الرياض كانت عمليتان إرهابيتان تضربان في عدن، كل شيء كان واضحا، وهو مجرد "إرهاب بالإرهاب"، وعلى هادي وحكومته أن يستجيبوا لتسوية كيري وولد الشيخ والتي تقضي بإنهاء الشرعية وتثبيت الانقلاب، المملكة العربية السعودية ستكون أول من يتضرر من هذه التسوية التي تثبت إيران في جنوبها لمغازلة الأقلية الطائفية في الأراضي السعودية.

 

الإرهاب الذي يحاربه كيري هو نفس الإرهاب الذي يحاربه قاسم سليماني، ونفس الإرهاب الذي يحاربه أبو علي الحاكم ونفس الإرهاب الذي يحاربه بشار الأسد، لا أدري ما إذا كانت مهنة سرقة الساعات تجمع بينهم، لكن أعلم أن هناك سرقة من نوع ما تجري بعلمهم جميعا، سرقة الحقيقة وحقوق إنسان هذه المنطقة بشكل عام.

 

محاولة ابتزاز وزارة الخزانة الامريكية للمقاومة والشرعية بإدراج الشيخ حسن أبكر أحد مشايخ الجوف، لا يخرج عن إطار مهمة العمليات الإرهابية في عدن، (عليكم أن تقبلوا بخارطة ولد الشيخ لصاحبها كيري).

 

سارعت أجهزة الاعلام الأمني التابعة للمخلوع للترويج لقضية الإرهاب وبعثها من جديد، واتهام المقاومة بإيواء إرهابيين، وامريكا مدركة أن هذه مزايدة لكنه لزوم الشغل الذي يحقق أهداف كيري في اليمن، وقضت مقترحاته الأخيرة بنقل الحوار إلى الأردن "بعيدا عن الله وقريبا من إسرائيل" وثمة همس حديث دار في الرباعية عن "نقل السلطات الرئاسية"، يبدو أن كيري يريد أن يغادر عمله وقد سلم اليمن بالمفتاح إلى إيران، كما فعل بريمر من قبل عندما سلم لها العراق، لكن الوقت تغير، ولم يعد بوسع أوباما وإدارته القيام بمثل هذا الدور، فخارطة المنطقة لم تعد بيد لاعب واحد من شواطئ مرمرة إلى سواحل عدن، كما أن تعاظم أدوار الشعوب هو أبرز الحقائق في الشرق الأوسط، لكن هناك من لا يريد أن يفهم.

 

خلاصته أن كتابة التاريخ ليست بالعمل الهين أبدا بل هي أشرف مهنة فعلتها الأمم الصانعة للحضارات، وتجنبتها الأمم الواهية، والتي ارتضت أن تعيش على هامش التاريخ، وشعبنا سيكتب تاريخه اليوم، سواء جاء كيري أو ذهب إلى الجحيم.

الحجر الصحفي في زمن الحوثي