عض الأصابع

أحمد محمد مرشد
الجمعة ، ٠٦ مايو ٢٠١٦ الساعة ٠٥:٣٣ مساءً

قبل مفاوضات الكويت كان هناك نوع من التفاؤل الحذر بين أوساط الطبقة السياسية اليمنية من الجانبيين ، جانب الشرعية وجانب الإنقلاب ..

يعود التفاؤل في الجانب الحكومي إلى التنازلات التي قدمها وفد الحوثيون في مباحثات الرياض السرية ، وتفاؤل الإنقلابيين مرده إلى الإتفاق الخفي الذي تم إبرامه مع نائب الرئيس ورئيس الوزراء السابق خالد بحاح، والذي كان ينص على سحب صلاحيات هادي إلى حين تأتي الفرصة المناسبة لإخراجه من الساحة السياسية بشكل نهائي ، يؤيد هذا الكلام ماذكره " عراب الإنقلاب"  المخلوع صالح لقناة 'روسيا اليوم' و إعلانه عن استعداده لتسهيل عودة حكومة بحاح وممارسة صلاحياتها بشكل كامل  ..

 ويبدو أن هادي وصلت إليه تفاصيل الإتفاق - كما ذكر أكثر من طرف إعلامي مقرب منه - فلعب لعبته التي لا يُجيد غيرها ، وهي إعادة خلط وإرباك  أوراق خصومه السياسيين ، وهو ما فعله مع الانقلابيين ، ف"تغدى" بحاح قبل أن "يتعشى به" كما يقول المثل اليمني الدارج ..

كان اختيار هادي لوقت إصدار قراراته التي لم يستشير فيها أحداً ، وفاجأ بها القريب قبل البعيد ، توقيتاً قاتلاً بالنسبة للإنقلابيين الذين رتبوا أوراقهم ، وأعدوا العدة لتنفيذ مخططاتهم ، وتم إعلان مكان وتأريخ المفاوضات وأعلنوا قبولهم وحضورهم،  فأتت القرارات التي لم تخطر ببالهم ..

وبعد مماطلة في الحضور ، حضر الإنقلابيون وبدأوا في استعراضاتهم الفارغة ، وقد بينت  في مقال سابق الغرض من هذه التصرفات الخرقاء ..

لكن ما يهمنا هنا هو أن نتحدث عن الفريق الحكومي المفاوض، والذي يتعرض إلى هجوم شديد من الرأي العام المؤيد للشرعية،  والذي يرى ردة فعل الوفد تنّم عن ضعفٍ وقلة حيلة، ووصل الأمر بقصد أو بدونه إلى التشكيك بوطنية الوفد عامة ورئيسه عبدالملك المخلافي خاصة ..

يُعذر الناس فيما يقولون لما يبدو أمامهم من ظواهر الأمور، ولأنهم مغيبون عن كثيرٍ من التفاصيل التي تحدث خلف الكواليس  ، والحقيقة أن وفد الشرعية يلعبها بحرفية عالية ، وفق الإمكانيات المتاحة أمامه ، ففي السياسة يضيق ويتسع هامش المناورات أمامك حسب الأوراق التي تمتلكها ..

وبصريح العبارة لا يملك وفد الحكومة غير ورقتين إذا فقدهما فقد كل شي ، وهما قرار مجلس الأمن 2216 ، وشرعية هادي ..

فالأول ملزم للإنقلابيين ومحرجٌ للمؤيدين لهم،  والثاني يمنع أي صفة يتفاوض بإسمها المتمردون غير صفة التمرد ، وبهاتين الورقتين الوحيدتين يفاوض الوفد.

 يبذل الانقلابيون جهوداً مضينةً لإستفزاز الجانب الحكومي سياسياً عبر تصرفات وتصريحات تحمل في ظاهرها رسالةً للرأي العام مفادها أننا لا نعبأ بأحد ، وعسكرياً عبر خرق الهدنة في مختلف جبهات القتال  وذلك لإظهار ضعف الوفد  وإلجاءه إلى وقف المفاوضات ، والإنسحاب منها ليجدوا لهم مبرراً أمام العالم يخففون من خلاله الضغط الواقع عليهم ..

الوفد الحكومي ورغم الضغوط التي تُمارس عليه، بل وتجاهله من بعض الفاعلين الدوليين ،  وتدليل وفد الإنقلابين والاجتماع به مرة بشكل منفرد ومرة بشكل جماعي من قِبل بعض سفراء الدول الفاعلة ، إلا أنه لم يقدم أي تنازل طُلب منه وبقي ثابتاً على موقفه ، و بالأمس رفض المفاوضات المباشرة مما جعل الضغط الخفي يتحرك يميناً وشمالاً لزحزحة الموقف،  وذلك بإرسال الدكتور عبداللطيف الزياني إلى الكويت وتكليفه بمحاورة وفد الحكومة وإقناعه بالعدول عن قراره ، ولو لم يكن موقف الوفد الحكومي قوياً ومؤثراً ما طُلب من الزياني السفر إلى الكويت..  وكان يمكن الإكتفاء بسفير المجلس المتواجد في الكويت .

الوفد الحكومي في الكويت قويٌ ومتماسكٌ ويعلم ما يريد تماماً وإنسحابه لن يوقف الإنقلابيين وسيكون مبرر لزيادة وحشيتهم ..

 

وما يحدث في الكويت الآن هو لعبة ( عض الأصابع ) بين الوفد الحكومي من جهة وبين الإنقلابيين والمناصرون لهم إقليمياً ودولياً وهم كُثر وأولهم مبعوث الأمم المتحدة والذي تظهر على لسانه بين الفينة والأخرى بعض ما يخفيه من التحيز ، ولعل تصريحه الأخير الذي أعلن فيه تحيد المسار السياسي عن المسار الميداني مثالٌ صارخٌ على تحيزه وفقده لصفة الحياد ..

الإنقلابيون..  مشروع إيراني طائفي مُعانٌ بقوة دولية تقف خلفه وتمده بأسباب قوته وبقاءه ، وقود هذا المشروع فئةٌ من إخواننا بغت علينا بعلم أو بغير علم ، وجعلت من أنفسها سهاماً توجه نحونا بيد أعدائنا ..

 ومواجهة هذا المشروع ليست بالأمر اليسير ، ولا بد أن نتحلى بالنَفَس الطويل والصبر، وإعانة كل من يقف معنا بما يحتاجه من دعم..  ولهذا فواجبنا يقتضي دعم الوفد الحكومي ومؤازرته بدلاً من مهاجمته ..

الحجر الصحفي في زمن الحوثي