الإسناد العربي لاستراتيجيات التفكيك !!

عبدالواسع الفاتكي
الجمعة ، ٠٦ نوفمبر ٢٠١٥ الساعة ٠٨:٤٠ مساءً
تمر المنطقة العربية في مرحلة غاية في الخطورة ، أبرز سماتها الفوضى السياسية والعسكرية ، وانهيار كبير للأمن القومي العربي ، ومنظومة القيم الأخلاقية والإنسانية للمجتمعات العربية ، التي تعيش حربا بينية ضارية ، تقضي على ما تبقى من النسيج العربي ، وصولا لتفكيك الخريطة السياسية العربية ، التي دشن النظام الرسمي العربي تفكيكها ، حين ساهم مساهمة فاعلة ، في جريمة غزو العراق ، وإعادة تشكيله على أسس طائفية ومذهبية وعرقية ، كنموذج صارخ للشرق الأوسط الجديد ، الذي بشرت به وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس ، ناهيك عن فقدان النظام العربي للمؤسساتية ، التي تنظم هياكله ، وترشد قراره ، وما وضع الجامعة العربية إلا برهان قاطع لهذا الفقدان ، إضافة لاعتماده عسكرة السلطة وطغيانها ، في ظل غياب مشاريع نهضوية ، تنتشل المواطن العربي ، من براثن التخلف والفقر ، مما أفرز أزمات اقتصادية وسياسية مركبة ، أضحت وقودا لحروب متعددة ، نيرانها تستعر حتى الآن ، مهدرة الثروات العربية البشرية والمادية ، وناسفة السلم والاستقرار ، ويتفاقم في ظلها الفوضى ، وتزداد الكوارث ، ويتسارع في كنفها بيع الدول العربية بعضها لبعض ، في مزاد علني تتبناه بعض الدول العربية ،  ويرعاه المجتمع الدولي .
 
 
بمبررات مصطنعة ، كامتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل ، استخدمتها الدول الغربية ، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية  ؛ لإعادة التموضع في المنطقة العربية ، ورسم خريطة صراعات طويلة الأمد ، أحد أطرافها الأنظمة الاستبدادية ، التي دعمها النظام الرسمي الغربي ، والطرف الآخر المجتمعات العربية ، التي لم يكتف الاستبداد بإخراجها من دائرة الإنتاج الحضاري فحسب ، بل أرادها أن تتنازل عن ثوابت الأمة العربية ، وقضاياها المصيرية ، وألا تتجاوز الخطوط الحمراء التي وضعتها قوى الاستكبار العالمي ، كل ذلك من أجل إيصال العرب لمرجل الفناء الشامل .
 
 
جاءت ثورات الربيع العربي ، إثر فشل الأنظمة العربية في ترجمة تطلعات الشعوب ، وتحقيق الأمن والاستقرار والعدالة الاجتماعية ، مما حدا بالنظام الغربي ، أن يجعل الشرق الأوسط ميدانه الجديد والمتجدد ؛ لإدارة حرب ذكية ، بمنهجية جديدة ، تمزق البنى التحتية الديموغرافية ، وتملشن المجتمعات ، فاتحة أسواقا جديدة للعنف والإرهاب ، باستخدام جرثومة الاحتراب الطائفي والعرقي ، وفي سبيل ذلك ، ومن خلال منظومة إعلامية عربية ، يديرها جهاز أمني استخباراتي ، تشرف عليه دوائر استخباراتية غربية ، تم الترويج والتأصيل لمصطلحات الاحتراب الأيدلوجية ، عبر الدعاية السياسية الموجهة ، ففي العراق ظهرت مصطلحات الشيعة والسنة والأكراد ، وفي اليمن نشأ مصطلح الدواعش والتكفيريين ، ولكي لا تبقى هذه المصطلحات حبيسة التناول الإعلامي ، قدمت الاستخبارات الغربية ، الراعية الرسمية لكثير من الأنظمة العربية ،  الدعم اللوجستي لخلايا عملائها في البلدان العربية المستهدفة ؛  لتنفيذ عمليات ، ذات آثار خطيرة ،  تتآزر مع أحداث معينة  ؛ لتوظف سياسيا وإعلاميا ؛ لترسيخ مسببات الاحتراب ، والعزل والإقصاء واغتصاب السلطة وطوأفتها ؛  لتدمير تلاحم المجتمعات العربية ، يضاف إلى ذلك استخدام الدعاية الكاذبة ، والتضليل ونشر الأفكار والمعلومات المغلوطة عن عمد ؛ لخلق واقع مزيف وفهم مقلوب لدى المجتمعات   العربية ، يصرفها عن العدو الحقيقي، ويوجهها  نحو عدو وهمي ، كتصوير أن حركات الإسلام السياسي ، لاسيما حركة الإخوان المسلمين ، أنها حركات إرهابية ، وتضخيم التهديد الصادر منها ، وأنها وراء اللاستقرار الذي يعصف بالمنطقة ، كل هذا ؛  لصناعة بيئة الحرب ، وتبرير القمع والتنكيل للمكونات السياسية والاجتماعية ، واستمرار انهيار الجبهة الداخلية ؛  لتتمكن الأخطار الخارجية من اجتياحها بسهولة .
 
 
 
تعزز الإسناد العربي لاستراتيجيات تفكيك المجتمعات العربية ، إلى طوائف ومذاهب  وعشائر مسلحة ، من خلال انتهاج سياسات اقتصادية ، فاقمت من الفساد والفقر والجهل والبطالة ، واستعدت المواطن ، وأدت لحرمانه من حقوقه الأساسية ، ولما شهدت أربع دول عربية بوليسية انفجارا شعبيا  ، يطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية ، فبدلا من أن تدعم بقية الدول العربية المطالب الشعبية العادلة ، للمجتمعات الثائرة في ما سمي بدول الربيع العربي ، وقفت أغلبها ضد طموحات الجماهير العربية ،  فساندت الأنظمة الحاكمة ، التي سخرت مقومات وإمكانيات الدولة ؛  لاجتثاث كل صوت حر ينادي بالحرية والحياة الكريمة ،  مما أدخل المنطقة العربية في أتون حروب داخلية فتاكة ، أخرجت العرب من معادلة التوازن الإقليمي مع طهران وتل أبيب ، وفي ظل  تصادم الأنظمة الحاكمة  مع الإرادة الشعبية ، وغياب المعالجات الناجعة ، والقراءة الموضوعية للأحداث ، يصبح العرب حطبا لحروب ، لن تتوقف ، مالم يوقفوا النزيف الداخلي ، وهذا يتطلب إرادة عربية صلبة ، تتجاوز حرب الهويات الفرعية ، وتشيع روح التسامح ، وتعيد تأهيل جيل الشباب الواعد فكريا وسياسيا ؛  ليتولى مهمة الدفاع عن حاضر ومستقبل هذه الأمة .
 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي