وانتصَرتْ تعـز بسَهْمَها التَّعِـزي

حبيب العِزِّي
الاثنين ، ١٧ أغسطس ٢٠١٥ الساعة ١٢:٣٠ مساءً
فرحةٌ عارمة تشهدها الحالمة تعز، بأخبار انتصاراتها المتتالية على كل الجبهات، بَسمة عريضة ترتسم على شفاه الأطفال والنساء والشيوخ، زغاريد النساء تصافحُ موجات الأثير، فتصدح في فضاءات السماء، رسومات الأطفال تعانق بهجتهم وضحكاتهم البريئة، أطباق الحلوى توزع في الأزقة والحارات، ألعاب نارية تضيء سماءها، فيشرق ليلها قبل أن تحُل أنوار الصباح.
 
تعز تستعيد الآن حريتها رويداً، تستعيد عافيتها بعد طول جراح، تتنفس الصعُداء بعد كابوس جاثم، ها هو فجرها يبزُغُ بعد ليل طويل وحالك، ها هي شمسها تُشرق بعد أن كان حجبها هُواة الظلام، ها هي المدنية تنتصر على الكهنوت، ها هي الأقلام تنتصر على البنادق، ها هي الحياة تنتصر على الموت.
منعوا عنها السهم الذهبي، أو عرقلوه لا يهُم، فكان جوابها "السَّهم التعزي"، إذ جاء صارماً وقاطعاً، كما حاسماً ومباغتاً أيضاً، تعز لم تكن تريد سهماً ذهبياً بالأساس، إنها كانت تنتظر فقط إشارة البدء بتحريرها، ضمن خُطة متكاملة لتحرير الوطن بأسره، فهي لم تشأ الانتصار لذاتها وحسب، وإنما شاءت الانتصار للوطن .. كل الوطن، من المهرة إلى صعدة.
 
لكن .. وحتى لا تأخذنا النشوة بعيداً، فنقع في دهاليز الأخطاء القاتلة، التي يُفخِّخها الأعداء في طريقنا بشكل كمائن، والتي سيستميتون من أجل وضعنا في شِراكها، يجب أن نتحلى بأعلى درجات الحيطة والحذر، في هذه اللحظات التاريخية، وعلى قادة المقاومة تقع مسئولية ذلك بالدرجة الأساس، كما وعلى كل المخلصين من أبناء الحالمة.
أول كمين: قد بدأ ينصبه لنا العدُو، هو محاولة خلق رأي عام بين أبناء المحافظة، يتنكَّر لدور التحالف العربي "المحوري" بقيادة المملكة العربية السعودية، في صناعة هذا النصر، ويقول بأن المقاومة وحدها هي من صنعته، وهذا ليس من شيم أبناء تعز مطلقاً، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، ولا ينكر الفضل لأهل الفضل إلاّ عديم الفضل.
وثاني كمين: هو ما تمّ تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي، من مشاهد لا أخلاقية، لعملية سحْل لقنَّاص حوثي، في أحد شوارع المدينة، في محاولة واضحة لتشويه المقاومة ورجالاتها، مستغلين بذلك أجواء الفرحة، لخلق الفوضى والبلبلة بين أوساط المواطنين.
 
وثالث كمين: هو "الزَّعْرَة والفِشْرة" الزائدة، ونشوة الفرح المبالغ فيه، والتي تصل حد البَطَر، وهو ما بدا واضحاً من خلال إطلاق الأعيرة النارية في الهواء وبكثافة، توحي بالزهو والخيلاء، والتي تتنافي وأخلاق رجال المقاومة، التي يُفترض أنها تستقي أخلاقها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي دخل مكة فاتحاً، وهو محنياً رأسه تواضعاً لله، حتى كادت لحيته الشريفة تُلامسُ ظهر بعيره.
 
ورابع كمين: هو محاولات السرقة ونهب الممتلكات العامة والخاصة، والإخلال بالأمن والسكينة العامة للناس، وهذا لم يحدُث حتى اللحظة، ولكنه أمر في غاية الخطورة إن حدث، ويُعد من أقوى الأسلحة التي يستخدمها العدو بعد انسحابه من أرض المعركة، فليحذر الجميع من هذا الأمر، وعلى رجال المقاومة، أن يتعاملوا بحزم وصرامة، مع كل من تسوِّل له نفسه القيام بمثل هذه المحاولات.
 
والكمين الخامس والأخير: وهو إذكاء النعرة المناطقية والعنصرية، "التي عانت منها تعز طويلاً"، سواء كان ذلك في التعامل مع الأسرى، أو في محاولة تصوير انتصار تعـز وكأنه انتصاراً للتعزيين وحدهم، إذ الأصلُ أن تكون الفرحة في سياقها الصحيح، وهو أن انتصار تعـز ليس سوى حلقة "مهمة" في سلسلة الوطن الكبير، اليمن الواحد والموحَّد، وأن الفرحة الحقيقية والانتصار الحقيقي، لن يكتمل ولن يكون، إلاَّ يوم أنْ تتحرر صنعاء وصعدة وكامل تراب الوطن.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي