اليمن والخليج ضرورة واستثناء

عبدالواسع الفاتكي
الخميس ، ٠٢ ابريل ٢٠١٥ الساعة ٠٤:١٦ مساءً
ثمة من يرى أن عاصفة الحزم ما كان لها أن تنفذ لولا التغيرات الحاصلة في نظام الحكم السعودي المتجسدة بالملك سلمان وفريقه وهناك من ينتقد العاصفة ويضعها في إطار سياسة متناقضة  لدول الخليج وبالذات السعودية ويستشهدون بمواقف السعودية القوية والداعمة لانقلاب السيسي على الرئيس المنتخب محمد مرسي وقيادتها لعاصفة الحزم للقضاء على انقلاب صالح والحوثي على الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي يغيب عن هؤلاء أن هناك ثلاثة تفسيرات يمكن أن نعتبرها محددات للسياسة الخليجية إزاء دول الربيع العربي الأول يرى أن الخليج يمارس سياسة في مضمونها معادية لدول الثورات مخافة قيام أنظمة ديمقراطية وتمتد تأثير الثورات إليها والثاني يرى أن الخليج لا يقلقه ما يحدث في دول الربيع العربي فما تشهده تلك الدول من انفلات أمني وتدهور اقتصادي وسياسي يعطي برهانا ساطعا لشعوب الخليج على المخاطر الناجمة من التغيير الذي تسلكه الشعوب في دول الربيع تحت مسمى ثورة ومن هذا المنطلق فهي في مأمن من وصول رياح الثورات إليها وما يوجه سياساتها هو شعورها بالمسؤولية تجاه الأمة العربية 
 
 
في حقيقة الأمر أن التفسير الثالث يقضي بأن المحرك لسياسة دول الخليج نحو دول الربيع العربي ليس دافع الخوف أو الإحساس بالمسؤولية في الدرجة الأولى بقدر ما هو تأثير ما يحدث في تلك الدول على النواحي الأمنية والاقتصادية والاستراتيجية لدول مجلس التعاون الخليجي والحسابات المرتبطة بالأمن القومي الخليجي والعربي في ظل فراغ القوة الناتج من صراعات تعيشها دول عربية محورية كالعراق وسوريا ومصر واليمن يواكب ذلك تدخل لقوى إقليمية غير عربية في شؤون تلك الدول بأشكال ومستويات مختلفة  وهنا نستطيع القول أن من يصف سياسة الخليج بالتناقض تجاه ثورات الربيع العربي لم يأخذ في الاعتبار هذا التفسير لتلكم السياسات الخليجية الذي يحدد سياسة الخليج إزاء الثورات وفقا لكل حالة على حدة فكان الوقوف مع الجيش المصري بقيادة السيسي للانقضاض على السلطة في مصر من زاوية أن وجود الإخوان المسلمين في سدة الحكم خطر محدق بالأمن القومي الخليجي وكان الدعم الكبير لوجستيا وماديا للثورة السورية ضد نظام بشار الذي يمثل بالنسبة للخليج شرطي إيران في المنطقة وفيما يتعلق بالقذافي فإن علاقته السيئة مع قادة دول مجلس التعاون بالإضافة إلى المجازر التي ارتكبتها مليشياته بحق الليبيين دفع الخليج للوقوف ضده بقوة
 
 
الأهمية الكبيرة لليمن الذي يمثل عمقا حيويا للجزيرة والخليج يجعل منه عاملا مهما لاستقرار المنطقة ويظهر الحاجة الملحة ليمن آمن مستقر من أجل مواجهة الأخطار المشتركة فضلا عن الموقع الاستراتيجي لليمن بما يمثله خليج عدن ومضيق باب المندب من أهمية قصوى لخطوط الملاحة العالمية علاوة على ما يمثله التواجد الأجنبي في سواحل وأراضي دول مطلة على البحر الأحمر كجيبوتي وإريتريا من تحديات لأمن الخليج لذا فالحالة اليمنية تمثل نموذجا فريدا واستثنائيا في سياسة دول الخليج تجاه دول الثورات العربية ويمكن أن نصنف  سياسة مجلس التعاون إزاء ثورة اليمنيين لثلاث مراحل الأولى هي مرحلة ما قبل المبادرة التي شهدت قدرا من التباين بين الموقف القطري وموقف السعودية وبقية دول الخليج حيث تبنت قطر موقفا مناصرا لقوى الثورة اليمنية ودعمتها  مباشرة على الأقل على المستوى الإعلامي والسياسي في حين عملت السعودية على إعطاء نظام صالح فرصة ليتعامل مع الموقف ويسيطر على الأوضاع وعندما اتضح صعوبة تحقيق ذلك استنادا للحقائق القائمة على أرض الواقع اتجهت السعودية لإيجاد قدر مناسب من التقارب مع قطر من أجل التوصل إلى اتفاق حول السياسة التي يمكن لدول الخليج تبنيها بخصوص الثورة اليمنية  في إطار مجلس التعاون الخليجي فأتت المرحلة الثانية المتمثلة بصياغة وطرح المبادرة تلك الصياغة النابعة من حساسية نظم الخليج من أساليب التغيير الثورية وتأييدها للإصلاح المتدرج ومن ثم  رسمت سياستها تجاه الثورة اليمنية بنوع من التحفظ واعتبرتها أزمة وسلكت طريقا إصلاحيا بما يتيح قدرا من التحكم في مساره وتوجيهه بما لا يتعارض مع مصالحها وأما المرحلة الثالثة فبدأت عقب الشروع في تنفيذ المبادرة ودعم الرئيس الانتقالي لاستكمال تنفيذها وفقا لآليتها التنفيذية مع تقديم مساعدات اقتصادية لتخفيف معاناة اليمنيين 
 
 
خريطة الصراع اليمنية معقدة ومتشابكة وتمتلئ بفرقاء كثر فهناك قوى ما يطلق عليه الإسلام السياسي التي يمثل التجمع اليمني للإصلاح أكبرها وهناك الحراك الجنوبي وحركة الحوثيين وأنصار الشريعة والقوى التقليدية القبلية وقوى النظام السابق وشباب الثورة وأحزاب ذات توجه مدني فكانت دول الخليج في هذا الوضع الذي يمتزج فيه الديني بالمدني بالقبلي بالسياسي تفضل القوى النظامية وحين تيقنت من عدم بقائها سعت لبديل نظامي يحل محلها من خلال المبادرة الخليجية وإذا ما نظرنا لعلاقة دول الخليج بالقوى الآنفة الذكر فهي مرهونة بمدى وزنها في الساحة السياسية وعلاقتها بالقوى الإقليمية والدولية ووفق هذا المعيار تغيرت سياسة دول الخليج إزاء صالح والحوثي إذ تأكد لها بما لا يدع مجالا للشك خروجهما عن المبادرة الخليجية وتحولهما لأدوات إيرانية تسعى لبسط النفوذ الإيراني في اليمن وتقويض وزعزعة أمن الجزيرة والخليج العربي وكان من نتائج هذا التغير التقارب مع الإخوان والقيام بعاصفة الحزم بعد أن أدركت دول الخليج خطورة ما يصنعه حلف صالح والحوثي وأن الحلول السياسية لا تجدي نفعا مع هذا الحلف فقررت التسريع بعملية جراحية عسكرية تصحح بها بعض أدوارها الخاطئة في  رعايتها لعملية الانتقال السياسي في اليمن 
 
 
إن السيناريوهات المسقبلية لسياسية الخليج تجاه اليمن ستعطي أولوية لوحدة اليمن واستقراره وستسعى في الأمد القريب لتنفيذ ما تبقى من المبادرة الخليجية وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني وإيجاد نظام سياسي مستقر مصدرلخير اليمن وجيرانه فإذا  تم ذلك يمكن توقع سيناريو آخر  يقود فيه الخليج مشروع تنمية وتأهيل اليمن لعضوية مجلس التعاون وهذا ما نأمله وتفرضه ظروف المنطقة .
الحجر الصحفي في زمن الحوثي