الرئيس هادي .. المارد في وجه المؤامرة

محمد الحكيمي
الثلاثاء ، ١٧ مارس ٢٠١٥ الساعة ٠٩:٥٥ مساءً
تمر اليمن بمرحلة خطيرة جداً في مشوارها السياسي الحديث, وهي اليوم مهددة بالانهيار الكامل بسبب تآمر بعض أبنائها عليها بغرض الانتقام من الشعب, أو تنفيذاً لأجندة دول إقليمية لها مصالحها وأطماعها في اليمن. 
 
وإذا كان اليمنيون قد انتفضوا في ثورة شعبية سلمية في العام 2011م واستطاعوا من خلالها القضاء على رأس السلطة الذي ظل يحكم لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن, كرّس خلالها الحاكم المستبد، سياسة التجويع والتركيع مستخدماً وسائل الترغيب حيناً والترهيب حيناً آخر , ومع ذلك فإن إجماع قوى الشعب الحية على ضرورة التغيير قد جعلها تتوحّد خلف هذا الهدف الذي عمل الشعب على تحقيقه بطرق سلمية أبهرت العالم. 
 
وقد تميّزت ثورة اليمن عن أخواتها من ثورات الربيع العربي في أنها انتهت إلى التسوية السياسية ــ والتي بغض النظر عن موقف المؤيدين والمعرضين لها ــ فإن الكل يُجمع على أنها جنّبت البلاد ويلات حروب لم يكن بإمكان أي طرف إخمادها لو اشتعلت شرارتها , وهذه التسوية السياسية نفسها هي من حملت الأخ عبدربه منصور هادي إلى سدة الحكم كرئيس توافقي لجميع القوى السياسية على الساحة. 
 
وبلا شك فإن صعوبة المرحلة جعلت الكل يتهرّب من تحمل المسؤولية ليقبل هادي أن يتحمل المسؤولية التاريخية بشجاعة، حيث تسلّم أطلال دولة بلا جيش وبلا مؤسسات وبلا اقتصاد , لكنها بنفس الوقت غنية بالأزمات والصراعات التي تفنن في صناعتها المتحاربون من أهل السياسة والباحثين عن السلطة, وليكون هادي بهذا الأمر قد وضع نفسه كفدائي مستعد أن يضحي بكل شيء من أجل تجنيب البلاد الانجرار نحو الحرب , وكذلك تحقيق حلم أبناء الشعب في استكمال عملية التغيير التي بدأت مع ثورة فبراير الشعبية السلمية. 
 
ولقد تم ترجمة تحمل هادي للمسؤولية من خلال خروج ملايين اليمنيين لمنحه الثقة بإجماع وطني كبير ليحصل على شرعية شعبية مكملة للشرعيتين الدستورية والتوافقية بالإضافة إلى دعم المجتمع الدولي, لكنه بالطرف الآخر تم وضعه أمام العديد من العوائق والتحديات لعل أهمها تتمثل بتقاسم السلطة بين شقي النظام «النظام السابق والمعارضة» ولقد كانت صيغة التوافق التي تم اعتمادها بالمبادرة الخليجية تمثّل عائقاً حقيقياً أمام الكثير من القرارات, وهو ما جعل عملية التغيير تسير ببطء. 
 
لكن القوى المعادية للثورة لم تستسلم بل قامت تعيد رص صفوفها من خلال إقامة العديد من التحالفات من أجل إشعال الثورة المضادة التي تريد إعادة النظام السابق للحكم واستعادة السلطة, والقضاء على قوى الثورة والانتقام منها, ولهذا لم يكن مستغرباً أن يتحالف النظام السابق مع القوى الظلامية التي تكفر بسبتمبر وأكتوبر ولا تزال لها مشاكلها التي لم تحلها منذ أكثر من أربع عشر قرناً من الزمان. 
 
لقد عمل تحالف الثورة المضادة بين علي صالح والحوثي على الإعداد للإنقلاب الذي تم من خلال السيطرة على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر , حيث قام صالح بإرسال 16 عضواً برلمانياً يتبعونه إلى إيران من أجل إقناع إيران للتوسط للتحالف بين صالح والحوثي ، كما نسق صالح مع حوالي 19 من الألوية العسكرية لتسهيل دخول الحوثيين لاجتياح صنعاء , حيث أنه ما زال يسيطر على الجيش من خلال الولاءات التي صنعها خلال فترة حكمه. 
 
استند صالح والحوثي في انقلابهما على تشويه صورة هادي والافتراء عليه , فعمد إعلامهما على تصوير هادي بالرجل الضعيف والعاجز والعميل , وبلغ هذا الأسلوب حد التطاول على رئيس الدولة المنتخب واتهامه بأنه يقود فصيلاً من فصائل القاعدة, وهو أسلوب لا أخلاقي لا يصدر إلا من أعداء الثورة والوطن. 
 
لم يكن ذنباً لهادي أنه اختار أن يكون رئيساً لكل اليمنيين, كما لم يكن ذنبه حرصه على الحفاظ على وحدة الشعب الوطنية من التشظي, والحفاظ على نسيجه الاجتماعي من التفتت , كما أن حرصه على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني التي توافق عليها اليمنيون لن يزيده إلا مقداراً في مقاييس الوطنية وإن أراد الانقلابيون عكس ذلك. 
 
لقد مثّل الانقلاب على الشرعية الدستورية والتوافقية التي يمثلها الرئيس هادي مرحلة فرز لجميع القوى السياسية الموجودة على الساحة اليمنية، حيث انحازت بعض هذه القوى وهي قلة لمنطق الغلبة الذي يمثله الحوثيون من خلال إعلان تأييدها لما يسمى الإعلان الدستوري في حين التفت القوى الوطنية حول الشرعية في مواجهة غطرسة الحوثيين الذين وجدوا أنفسهم في عزلة داخلية وخارجية وفي حالة من العجز وسقوط للأقنعة وأثبتوا للعالم أجمع أن أفعالهم لا تشبه كلامهم المعسول في شيء. 
 
وأصبح الجميع مدركاً لحالة الازدواج في التفكير التي يتعامل بها الحوثيون، فهم يتحدثون عن الشراكة بمفهومهم التي تمنحهم كل شيء وتلغي الآخر ، وهم يتحدثون عن محاربة التكفيريين وهم يلغون ويقصون كل من يختلف معهم ويتهموه بالداعشية والانتماء للقاعدة، ويتحدثون عن رفض التدخل الخارجي وهم يحجون في كل فصول العام نحو حوزات “قم” لتلقي الدروس في الوطنية، ومن هذا فليعجب من يريد أن يعجب. 
 
إن المرحلة تقتضي من كل القوى الحية أن تلتف حول شرعية الرئيس هادي في مواجهة القوى المضادة لثورة فبراير والتي تريد إعادة عجلة التغيير نحو الوراء من خلال إعادة إنتاج النظام السابق وتكريس تحالف المركز المقدس ولكن هيهات فلقد عرف الشعب طريقه.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي