لا الشمال سيبقى شمالاً ولا الجنوب جنوباً !!

محمد مقبل الحميري
الاثنين ، ٠٩ مارس ٢٠١٥ الساعة ١٠:١٢ مساءً
المتابع العادي للازمة اليمنية يلاحظ ان هناك أطراف من الشمال ومن الجنوب تدفع نحو الانفصال ، فالفريق الذي يعمل من اجل انفصال الجنوب يعتقد ان الضروف مواتية لتحقيق هدفه هذا وان سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء ومعظم المحافظات الشمالية بقوة السلاح يعطيه المبرر لإقناع الرأي العام المحلي لأبناء المحافظات الجنوبية للانفصال ، ويمنحه قوة الخطاب والإقناع للرأي العام الخارجي وحشد الدعم اللازم لبلوغ الهدف الذي ينشده ، هذه الفئة نظرت للوضع العام من جهة واحدة وغابت عنها جهات اخرى لم تكلف نفسها البحث فيها وبمخاطرها على الجنوب نفسه ، فمع وجاهة المبررات التي يطرحونها الا انهم أغفلوا ان مبررات الانفصال عن الشمال هي ايضاً مبررات لانفصال حضرموت عن الجنوب فهذه المحافظة لم تكن موحدة مع المحميات الجنوبية وكانت لها هيكلها الحكومي المستقل حتى جوازات السفر مستقلة باسم حضرموت ولم تتوحد الا بعد استقلال الجنوب عام ٦٧م ولا زال مطعم أبناء حضرموت يشعرون بالاستقلالية وبالانتماء الحضرمي ويعلنونها صراحة في كل المناسبات التي تتاح لهم ، والعصبة الحضرمية التي معظم أعضائها أكاديميين وشخصيات اجتماعية كبيرة يرفعون شعار استقلال حضرموت عن الشمال والجنوب وينظرون لأبناء المحافظات الجنوبية الذين من خارج حضرموت محتلين .
 
 
فعندما زرت حضرموت مع فريق الجيش اثناء مؤتمر الحوار التقينا بكثير من المكونات وكان من ضمنهم العصبة الحضرمية أعلنوها صراحة امام الفريق بما فيهم ممثلي الحراك بأن حضرموت لها قضيتها الخاصة وهويتها المستقلة ، وطالبوا بأن يكون الحوار شمالي جنوبي حضرمي ، اي انهم طرف ثالث ند للطرفين ، وعندما تحدث احد اعضاء فريق الجيش من الحراكيين من أبناء محافظة ابين باسم الجنوب وأنهم يريدون الانفصال عن الشمال ، خاطبه رئيس وأعضاء العصبة الحضرمية بصرامة وصراحة قائلين : نحن لسنا جنوب ، نحن حضرموت وإذا كان الشماليون احتلوا بلدنا منذ عام. ١٩٩٠م ، فأنتم احتليتم حضرموت منذ عام ٦٧م ، وكان خطابهم معه أشد حدة من تخاطبهم مع الأعضاء المنحدرين من المحافظات الشمالية .
       
اعتقد ان أبناء حضرموت يتربصون اكثر من غيرهم للحظة الانفصال عن الجميع ، ولكن وفق أسلوب الشخصية الحضرمية الهادئة ، فإذا تهيأت لهم الأسباب سيتحركون وسيجدون من يدعمهم خارجياً ، ولن تتهيأ لهم الأمور الا في حالة انفصال الجنوب عن الشمال ، وفي هذه الحالة تكون المحافظات الجنوبية فقدت الإقليم الذي تراهن على بناء الجنوب بثرواته ، مما يجعل هذا الانفصال كارثة عليهم بعد ان كانت الأحلام تمنيهم انهم سيصبحون من الدول الثرية والبترولية وبعدد سكان اقل بعد التخلص من الكثافة السكانية في الشمال .
 
الجهة الاخرى التي أغفل طالبوا الانفصال او ما يسمونه بفك الارتباط النظر اليها بعين الاعتبار هي ان هناك محافظات شمالية كثيرة ترفض الخضوع لسلطة الامر الواقع في صنعاء من قبل الحوثيين ، وخاصة المحافظات التي يمتد حدودها مع محافظات الجنوب ، ففي حالة الخطوات الانفصالية فإن هذه المحافظات ستكون بوابات الانطلاق والتجييش ضد حملة لواء الانفصال او ما يسميه بعض إخواننا بالمحافظات الجنوبية فك الارتباط. ، وبهذا سيكونوا قووا خصمهم المشترك سلطة الامر الواقع بصنعاء ، وأضعفوا جبهتهم بأيديهم بقلب هذه الورقة ضدهم بعد ان كانت مصدر قوتهم لتحقيق مطالبهم العادلة وفق دولة اتحادية لكل أبناء اليمن شمالا وجنوباً .
 
        الطرف الآخر الذي هاجس الانفصال في نفسه هو سلطة الامر الواقع التي أسقطت العاصمة صنعاء وتمتد في معظم المحافظات الشمالية ، الفريق يدخل  الصراع بفرصتين ان لم تتحقق إحداهما تتحقق الاخرى كحد أنى من وجهة نظره ، فهو يصارع للسيطرة والاستحواذ على الوطن كله شمالا وجنوبا بسطوة القوة وفرض الامر الواقع ، وفي حال عدم تحقق هذا الهدف الثمين ، فإن الخيار الآخر السيطرة على مساحة الجمهورية العربية اليمنية سابقا والعودة الى حدود ما قبل ٢٢ مايو ١٩٩٠ م ، وهم يرون ان تحقيق الهدف الاخير سيكون ممكنا وسهلا ، وبهذا يكونوا حافظوا على رأس المال التاريخي ولا يهمهم ان يخسروا ما كان ربحاً ( الجنوب) ، أغفل هذا الفريق ان اهم المحافظات الشمالية قد حسم أبناءها أمرهم وقرروا الرفض التام لسلطة الامر الواقع بصنعاء مهما كلفهم الثمن ، وفي مقدمة هذه المحافظات محافظتي مأرب والجوف ، وهما المحافظتين النفطيتين الواعدتان بثرواتهما النفطية ، ومأرب وحدها هي العمود الفقري لرفد ميزانية الدولة حاليا ، بالاضافة لمحافظة البيضاء التي يخوض ابناؤها معارك شرسة ضد سلطة صنعاء ، وسيجد هذا الإقليم من يدعمه خارجيا ويمكنه من الثبات في المقاومة وسيصبح كيانا مستقلا على الواقع اذا لم يلتحق بسلطة المحافظات الجنوبية ، وإذا خسر الحوثيون هذا الإقليم فما الذي بقي لديهم من مقومات الدولة ، اضافة الى الرفض الشعبي لهذه السلطة في صنعاء في معظم محافظات الشمال مع تصاعد هذا الرفض يوما بعد يوم في صنعاء وذمار والحديدة ، وخاصة في اقليم الجند ( تعز- إب) ، وبهذا سيفقدون كل الأحلام والأمنيات التي بنوا استراتيجيتهم من اجلها ، وسيتحملون المسئولية التاريخية منفردين لما سيئول اليه حال الوطن من تمزق وشتات .
 
مما تقدم ندرك أهمية حفاظ الجميع على وحدة الوطن ، وعليه نناشد الاخ عبدالملك الحوثي والأخوة الحراكيين وكل المناصرين لهذا الطرف او ذاك ان يستشعروا مسئوليتهم الوطنية والتاريخية ويؤمنوا ان هذه المشاريع سواء الاقصائية او الضيقة ، مستحيل تحققها على الواقع ، وان الوطن يتسع للجميع بفرص متكافأة دون استحواذ او إقصاء لأي طرف وان القوة بإمكانها ان تدمر وتسفك الدماء ولكنها لا يمكن لها ان تخضع أبناء اليمن وتتملكهم مهما كان البطش والإرهاب ، وان المشاريع الصغيرة والأنانية المناطقية ستؤدي ايضاً الى التشرذم ، وليس اما الجميع الا العودة لصوت العقل والقبول بالآخر ، وعلى جميع القوى الفاعلة وفي مقدمتها الاحزاب التي شاركت في الحوار ان تتحمل مسئوليتها ايضاً بعدم السلبية في التعامل مع القضايا الوطنية العليا وتحديد مواقفهم الصارمة والواضحة ، مع عدم السير السلبي في قطار الحوار من اجل الحوار ، بل يجب الانتقال الى تنفيذ مخرجات الحوار والإصرار على تنفيذها دون تباطؤ وفقا للأولويات ، وعدم التراجع عن الدولة اليمنية الاتحادية باقاليمها التي أعلن عنها ، مع امكانية اجراء تعديل ضيق لإيجاد منفذ بحري لإقليم آزال ، اما الرئيس هادي فتقع عليه المسئولية الكبرى بعدم التردد او التراجع عما توافق عليه اليمنيون بمخرجات الحوار الوطني الشامل مهما كانت الضغوط والتضحيات ، مستعيناً بالله اولا وبدعم الشعب بعد مكاشفته اولا ً بأول بما دار ويدور على الساحة وبالاستراتيجية التي سيسير عليها ويسعى لتطبيقها ، وتتحمل الاحزاب مسئولية الاصطفاف مع الرئيس وفقا لهذه الرؤية الواضحة التي يفترض ان يشتركوا معه لرسمها ، مع يقضة شعبية متحررة من الولاءات الحزبية والمناطقية والطائفية الضيقة وان يكون الولاء للوطن فوق كل الولاءات.
 
    مالم يراجع الجميع مسلكهم ويقدموا مصلحة اليمن الموحد على كل المصالح فإن البديل هو التمزق والشتات ، فليس هناك بديل للوحدة اليمنية الا الوحدة اليمنية ، وما عداها هي الكارثة على الجميع ، وهذا قدر الشعب اليمني .
 
     اللهم اصلح شأن اليمنيين ووحد كلمتهم على الخير والصلاح
الحجر الصحفي في زمن الحوثي