اليمن .. الحوثيون من الكهف إلى القصر

د. محمد لطف الحميري
الخميس ، ٢٢ يناير ٢٠١٥ الساعة ٠٦:٤١ صباحاً
تجلت بشكل واضح لا لبس فيه أهداف الحوثيين في السيطرة على كل مفاصل السلطة والدولة المبعثرة عبر انقلاب عسكري سياسي بدأ باشتباك مسلحين حوثيين مع قوات الحرس الرئاسي في 19 يناير 2015 وانتهى بدخولهم فاتحين القصر الرئاسي ونهب ما كان أبقى عليه الرئيس المخلوع حفظا لماء الوجه ولكي لا يبدو القصر خاليا تماما، وتابع الحوثيون حصار الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في مقر إقامته وحصار رئيس حكومته خالد بحاح وقبل كل ذلك اختطاف أحمد عوض بن مبارك مدير مكتب الرئيس.
 
كل ذلك من أجل السيطرة الكاملة على أرواق اللعبة السياسية لرسم خريطة جديدة لليمن وتمرير مسودة دستور جديد يشرع لطموحاتهم ولا يتضمن الأقاليم الستة المقرة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي استمر انعقاده أكثر من عشرة أشهر، ورغم العبث والفوضى يحاول الحوثيون وضع أنفسهم في خانة المظلومين عندما يقولون إن الحرس الرئاسي هو من هاجمهم لكن تأملا في النتائج على الأرض يوضح أن ما جرى كان انقلابا أكدته وزيرة الإعلام عندما قالت إن التلفزيون الرسمي ووكالة الأنباء لا يعبران عن رأي الحكومة ولولا حنكة الوزيرة الصحفية وتغريداتها باللغتين العربية والإنجليزية لما عرف الناس شيئا عما يجري سوى ما تبثه الآلة الإعلامية الحوثية ووسائل إعلام الرئيس المخلوع.
 
 
استمرت هذه الوزيرة الشجاعة تزود الإعلام المحلي والخارجي بآخر التطورات حتى عندما ضاقت الدائرة على منزل الرئيس وسقوط قتلى من حراسه بنيران مليشيا مسلحة ربما تكون أيضا من قوات الحرس الجمهوري التابعة للرئيس المخلوع بما يعني أن الانقلاب نفذه طرفان ليفرض على اليمنيين مجلس عسكري يُمثل فيه الحوثيون والرئيس المخلوع أو يتم تعيين نائب للرئيس الحالي إلى أن يتم تطبيع الوضع السياسي ليكشف الحوثيون بشكل جلي عن شكل دولتهم الطائفية الشيعية في خاصرة الشقيقة الكبرى!
 
انقلب السحر على الساحر كما يقال فبعد المؤامرات التي قيل إن الرئيس هادي حاكها لتوثيق عرى التحالف بينه وبين الحوثيين بتسهيل سيطرتهم على العاصمة والتخلص من قوى سياسية وخصوم ليصبح طريق الاستمرار في الحكم سالكا لكن يبدو أن حساباته كانت خطأ ذلك أن الحوثيين كانت لهم استراتيجية مختلفة حيث تحالفوا كذلك مع الرئيس المخلوع وجيوب الدولة العميقة ليصبحوا هم مركز السيطرة والتحكم كما أنهم لا يتحركون من ذات أنفسهم بل بضوء أخضر من أياد خارجية تريد أن تكون اليمن بؤرة للصراعات الطائفية والمذهبية بإشراف مستشارين من الحرس الثوري الإيراني. 
بعد كل هذه الأحداث والتطورات المتسارعة كثيرون يريدون فهم القصة والإجابة على أسئلة من نوع: كيف نشأت حركتهم؟ وهل هي زيدية أم جارودية أم اثنى عشرية؟ كيف سيطر الحوثيون على مساحة كبيرة من اليمن؟ من أين لهم كل هذه القوة؟ وما هو مستقبلهم السياسي والمذهبي في اليمن؟ 
 
تأسست الحركة الحوثية على يد حسين بدر الدين الحوثي عام 1991 تحت مسمى منتدى الشباب المؤمن وكان يهدف من وراء ذلك إلى لملمة شتات المذهب الزيدي الذي بدأ تأثيره يتلاشى مع تنامي تأثير الدعوة السنية بجناحيها السلفي والإخوان المسلمين، ولأن والد المؤسس كان يرفض في بعض مؤلفاته الترضي على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ويهاجم صحيح البخاري ومسلم بحجة التقول والكذب على رسول الله فقد شكل ذلك تقاربا بين المؤسس وإيران عززه بالسفر إليها والبقاء أياما عام 1994 ومنذ ذلك التاريخ رجع حسين الحوثي بمنطق صدامي متطرف إذ بدأ يعلن أن الحكم لا يكون إلا في أولاد الحسن والحسين ومنع المواطنين من دفع الزكاة للحكومة وانتقل ذلك من منطقته مران إلى باقي مديريات محافظة صعدة الأمر الذي عدته السلطات المحلية تمردا على الدولة كما أن الرئيس المخلوع علي صالح عدها آنذاك تهديدا مباشرا لحكمه فشن عليها الحروب الست رغم أنه من دعمها في بداية الأمر نكاية بالسلفيين والإخوان،
 
 
وعندما اندلعت ثورة الشباب السلمية في فبراير 2011 شارك الحوثيون بالثورة وتعايشوا مع كل القوى في الساحات المنتفضة على اعتبار أن هدف الجميع أصبح واحدا، لكن ما إن طبقت المبادرة الخليجية وجيء بنائب الرئيس المغمور الذي كان دائما في الظل ليصبح رئيسا جديدا وتمت دعوة الحوثيين كقوة سياسية بعد أن كانوا حركة متمردة تعيش في جبال مران بصعدة للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني وهنا بدؤوا بمحاولة فرض رؤيتهم في معالجة القضية الجنوبية وقضية صعدة، وبعد بروز موجة التآمر الإقليمية على ثورات الربيع العربي، أغرى الحوثيون أمران اثنان: 
 
ضعف شخصية الرئيس هادي وتكالب المجتمع الدولي على جماعات الإسلام السياسي عندها استغل الحوثيون ذلك فأعلنوا تبنيهم الحرب على ما يسمى بالتكفيريين والدواعش وتحالفوا مع الرئيس المخلوع المسكون بنوازع الانتقام من أهم من حركوا الثورة ضده، فتلاقت مصالح المنتقمين، انتقام ممن أشعل الثورة، وانتقام من المختلف مذهبيا، وهناك انتقام لا يزال مؤجلا وهو ممن شن الحروب الست ومن كل من يؤمن بمبادئ ثورة سبتمبر 1962 خصوصا قبائل مأرب والجوف والبيضاء التي تتصدى لطموح الحوثيين في السيطرة على منابع الطاقة والنفط ومعه فرض المذهب والصرخة.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي