اليمن بين: " الإرهاب الجنائي " و" الإرهاب السياسي"..؟!!

طه العامري
الجمعة ، ١٢ ديسمبر ٢٠١٤ الساعة ٠٨:١١ مساءً
تحمل الرئيس عبد ربه منصور هادي مهام المسئولية الوطنية كرئيس للجمهورية منذ تفجرت الأزمة في بداية 2011م حين كان يومها نائبا لرئيس الجمهورية واستطاع بحكم توازنه أن يخفف من أثار وتبعات الأزمة ويحتوي الكثير من التداعيات عبر التعامل مع كل أطراف الأزمة بحثا عن أمن واستقرار الوطن والمواطن وفي سبيل الحفاظ على ممتلكات الدولة ومؤسساتها , وليس بمقدور أحد نكران هذا , لكن ومع تنافر وانفراط ترويكا "الحكم " ذهبت هذه الأطراف المتنافرة والمتناحرة كل على طريقته يحرك أدواته في معركة كسر العظم بينهما وفي سبيل الحفاظ على منافذ كل طرف في مفاصل السلطة فالمختلفين والمتصارعين لم يهدموا معبدهم في سبيل اعطاء الأخرين فرصة لإعادة ترميم هذا المعبد بل ذهب كل طرف يدفع باتباعه بطريقة أو بأخرى إلى مفاصل السلطة لكي تتمكن هذه الأطراف من البقاء على واجهة الأحداث وأن عبر وجوه جديدة خاضعة لها ووفية معها ..كثيرة هي التحديات التي واجهت ولا تزل تواجه رئيس الجمهورية , لكن أعظم هذه التحديات هي رفض أطراف الأزمة التسليم بحقيقة أن وجودهم لم يعد عامل للاستقرار السياسي والاجتماعي , بل عامل زعزعة وتنفير للسكينة , اضف إلى ذلك أن الكثير من الحسابات تداخلت في ذاكرة ووجدان هؤلاء الذين راحوا يجددون أنفسهم ومسارهم بطرق وصور أخرى على أمل أن تبقى " وصايتهم " هي الحاضرة والنافذة في مفاصل السلطة حفاظا على مصالح اقتصادية وعوائد مادية ليس لدى هؤلاء استعدادا للتخلي عنها وأن كان الثمن هدم الوطن بما فيه وعلى من فيه ..؟!
 
الرئيس عبد ربه منصور هادي تحلى بالكثير من الصبر وعوامل الحكمة وأن اعتبر البعض هذا الصبر ب" الجبن" والحكمة ب" العجز" وفق ثقافة عنترية يرى أصحابها انفسهم غير شكل كما يقال ..؟!!
 
ربما يكون الحال الذي وجد الرئيس عبد ربه نفسه فيه هو حال استثنائي غير مسبوق خاصة في ظل تحرك جيوب الإرهاب الخادمة لبعض رموز النظام المنهار والذين تحركوا للحفاظ على مكانة تلك الرموز في النظام الكائن هذا " الطمع " بالخلود على مفاصل السلطة , تحول إلى ورقة ضغط على كل الوطن وبكل مقوماته بصورة أعمال إرهابية أخذا تنظيم " القاعدة" يتمدد بها ويوسع من رقعتها مستغلا حالة الارتباك والانفلات الممنهج من قبل فرقاء الصراع البارد على السلطة , وهكذا وجد الرئيس هادي نفسه يحكم بلد واقعة بين إرهاب جنائي تمارسه " القاعدة" التي هي مكون رمزي لفرقاء ورموز لم يرغبوا في التخلي عن السلطة والاعتراف ببزوغ مرحلة جديدة نختلف او نتفق معها , في المقابل برزا إرهاب أخر سياسي تمثله جماعة " انصار الله " وبين الإرهاب الجنائي للقاعدة والإرهاب السياسي للحوثيين وجد الرئيس نفسه ومعه كل الوطن والشعب , دون ان نغفل في الاتجاه الأخر جماعات " الحراك" التي استغلت من وجود طرفي الإرهاب عامل مساعد لبروزها بصورة أكثر قدرة على الفعل والحركة باتجاه التعبير الذاتي عن نفسها وحضورها وان بصورة نزقة , رافعة من سقف مطالبها على ضوء ما توفره لها تداعيات المسرح السياسي والوطني وما يعتمل بهما من تداعيات أطرافهما "القاعدة " وانصار الله " وادواتهما اباحت الكثير من المفاهيم السياسية في علاقة أطراف العمل السياسي فبدا المحرم مقبول وبدءا المقبول محرم ..؟!
 
صور درامية ينتجها المشهد السياسي اليمني على ايقاعات المضي نحو هدم الدولة عبر الإحلال بديلا عنها كهدف " حوثي" غير ممنهج وغير مستشرف النتائج التي قد تكون كارثية على كل انجازات ومنجزات هذه الجماعة , بل وعلى مظلوميتها فالتعاطف الشعبي الذي بدأ جارفا معها قد يتلاشى وينقلب الحال إلى نهاية درامية كارثية , في المقابل ذهبت القاعدة بعيدا في شطحاتها هي الأخرى وتوهمت أن تمدد انصار الله سيعطيها الفرصة لاستقطاب المزيد من المريدين والمؤيدين عبر تكريس ثقافة " الفرز المذهبي والطائفي " وهي الورقة التي تم ويتم توظيفها في مواجهات " رداع والبيضاء وإب " وعلى هذه الورقة تراهن " القاعدة" في ذات السياق هناك من يدفع باتجاه هذا المشهد التعقيدي الذي تمثله جماعة القاعدة وانصار الله في مواجهات جدلية عقيمة تدفع بالوطن باتجاه التفكك والتمزق والشتات خاصة والحراك يستغل هذا ليفرض بدوره هو الأخر شروطه التعجيزية واهدافه التي ما كان لها ان ترفع سقفها لولا هذا المناخ الذي وفرته جماعة " القاعدة وانصار الله " والذي هو نتاج دفع سياسي لرموز ومراكز قوى وجاهية وعسكرية وقبلية وسياسية رأت في الراهن الوطني فرصة لتثبيت حضورها في خارطة المستقبل الوطني ..
 
في ظل كل هذه الحسابات والتداعيات والتداخلات السياسية وجد الرئيس عبد ربه نفسه يحكم شعب ووطن  تتقاذفهم الولاءات المتعددة والحسابات التي لا حصرا لها وفي ظل حالة الانفلات الأمني والانهيار الاقتصادي وشحة الموارد المالية  التي تقريبا خلت من كشوفات العوائد المالية على خلفية سلسلة الاستهدافات لأنابيب النفط والتي كبدت البلاد خسائر فادحة وتحفظ الدول المانحة على ضوء التداعيات التي تصنعها المليشيات المسلحة سوى كانت تلك التي تكفر بعضها وتكفر بالأخر أو تلك التي تكفر بكل شيء ولا ترى إلا نفسها وشرعيتها التي يجب أن تسود ..الأمر الذي يستدعي رؤية عقلانية جمعية والتفاف شعبي واسع وجاد أن كان هناك من لا يزل يحلم بوطن أمن ومستقر ومزدهر وخال من العصبيات المتعددة الاشكال , هذه الرؤية والالتفاف يجب ان يكون من أجل وطن ودولة وسيادة وهيبة ومكانة , وكل هذه القيم يمثلها الرئيس الذي اجمعنا عليه وعلينا ان نحافظ على هذا الإجماع حتى نصل والوطن إلى بر الأمان , وأن لا تقودنا العصبيات المتعددة إلى تسويق المزيد من الإساءة للرئيس والدولة والانتقاص من منهما ومن مكانتهما لصالح الانتصار لمخطط العصبيات المتعددة ولصالح انتصار مخططات المكونات المسلحة المسوقة لمشاريع التمزق والشتات ..
 
أن الرئيس يستحيل عليه النجاح في ظل هذا النزق والنزيف اليومي الذي يعتمل في واقعنا , كما أن الرئيس الذي جعل العالم كله ينظر لليمن ويهتم بها ويحرص على مساعدتها وهذه الجهود تحسب لفخامة رئيس الجمهورية الذي يظل محل إجماع المجتمع الدولي وبالتالي حقه علينا أن نساعده ونلتف حوله كرمز لشرعية وطنية بعيدا عن ردود الافعال الغير مسئولة التي تنتصر لخيارات أفراد على حساب خيارات الوطن ..أن الوطن أكبر من الأفراد والرموز مهما كانوا وكيفما كانوا والمصلحة الوطنية تحتم على الجميع الاصطفاف مع الشرعية الوطنية بكل رمزيتها ورموزها السيادية , هذا أن كنا فعلا نؤمن بوطن ونريد دولة ..!
 

 

الحجر الصحفي في زمن الحوثي