اليمن .. انقلاب الرئيس

د. محمد لطف الحميري
الثلاثاء ، ٣٠ سبتمبر ٢٠١٤ الساعة ٠٦:٥٥ مساءً
بعد مفاوضات ماراثونية ووعود إقليمية ودولية بأن يتموضع الحوثيون في كل مواقع صنع القرار السياسي اليمني وقعت جماعة أنصار الله على الملحق الأمني لاتفاق السلم والشراكة الوطنية بعد أسبوع من الرفض والتعنت ومواصلة إحكام السيطرة على كل أزقة صنعاء ومساجدها واستبدال أئمتها وخطبائها.. أصبح اليمنيون يبحثون عن إجابات لأسئلة من مثل: متى سيوقع الحوثيون على أي اتفاق ومتى سينسحبون من صنعاء؟ 
 
ومتى ستشكل حكومة جديدة ومن رئيسها وما لونه السياسي والمذهبي؟ 
 
وما هي أولى القرارات التي سيتخذها؟ هل سيزيد الرواتب ويخفض الأسعار؟ 
 
التساؤلات الكثيرة عن قضايا كثيرة، أمنية وعسكرية واقتصادية، هي جزء من المخطط الانقلابي الذي تم تدبيره من قبل الرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي ووزير دفاعه وبمباركة إقليمية وأممية.. لم يضع هادي اتفاق السلم والشراكة الذي أعد سلفا للتوقيع إلا بعد أن تم اجتياح صنعاء لتصبح مراسم التوقيع على الاتفاق وما تبعها من هرج ومرج حدثا بارزا، بينما السيطرة على المؤسسات السيادية والمعسكرات ونهب المنازل ومطاردة المستهدفين واحتلال غرف نومهم لم تكن سوى حدث ثانوي.
 
أن ينقلب عسكريون أو قوى سياسية على رئيس منتخب أو متوافق عليه أمر يحدث في عالم السياسة، لكن أن ينقلب رئيس على بلاده المثقلة بالأزمات ويقدم الدعم لاجتياح عاصمتها، فذلك أمر غريب ومحير فعلا.. قد يقول قائل: جُبلنا نحن العرب على ثقافة المؤامرة وإلقاء التهم جزافا على من نختلف معهم.. 
 
لكنني هنا لست مع أو ضد طرف بعينه، بل أبحث عن تفسير لما وقع.. وكيف أعيدت صنعاء المتعددة ثقافة وسياسة وحضارة إلى لون قاتم وحيد يرسمه طفل متحوث يحمل بندقية أمام باب اليمن أحد أبواب صنعاء التاريخية.
 
 
 المعلومات التي سأذكرها عن خيانة الرئيس اليمني ووزير دفاعه ورئيس هيئة الأركان يتم تداولها بشكل كبير كإشاعات، لكنني وبعد جهد استقصائي في مطابخ المتآمرين توصلت إلى الآتي: 
 
- أثناء تزايد حدة التوتر شمال صنعاء عقدت اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام اجتماعا ترأسه الرئيس عبده ربه منصور هادي وقد بدا مسرورا وهو يخاطب الحاضرين قائلا: الحرب بين الإصلاح والحوثيين.. اتركوهم.. قال له أحد الحاضرين: وماذا بشأن علي عبد الله صالح؟ قال هادي: سنصل معه إلى حل.. 
- وزير الدفاع محمد ناصر أحمد عندما زار مقر التلفزيون الرسمي بعد أول هجوم للحوثيين استهدف اجتياحه وتصدي قوات المعسكر ببسالة وقتل عدد كبير من المهاجمين.. التقى بضباط المعسكر وبدل أن يحييهم على شجاعتهم ويأمرهم بالدفاع عن أحد رموز السيادة اليمنية، قال لهم: الحرب بين الإصلاح والحوثيين، أما نحن فليس لنا دخل.!!
 
- رئيس هيئة الأركان أحمد علي الأشول يقول لمقربين منه: كانت الأهداف المتفق عليها مع الحوثيين، جامعة الإيمان ومقر الفرقة الأولى مدرع واللواء علي محسن الأحمر.. لكن الحوثيين خالفوا الاتفاق.!
 
الرئيس هادي قال في خطاب بمناسبة الذكرى 52 لثورة 26 سبتمبر إن الأيام ستكشف ما الذي جرى.. وربما لم تمهله الأيام، فقد بدأ الناس يشتمون رائحة تزكم أنوفهم وهم يتحسرون على أصوات نحو 6 ملايين يمني منحته شرعية تحقيق آمالهم بدولة مدنية حديثة، لكنه بعد أن كشف عورات صنعاء للحوثيين تحول هادي من بيضة القبان إلى حصان طروادة تقوده جماعة أنصار الله وتفرض عليه حدود حركته بعد أن أفرط في حسن النية وربما يكون قد وقع في الحفرة التي صنعها بإتقان لإزاحة حزب الإصلاح وجناحيه القبلي والعسكري من المشهد.
 
عدم وجود رئيس شرعي سيدخل اليمن، بلا شك، إلى المجهول في ظل هذه الأوضاع الكارثية، لذلك فإن كثيرا من القوى السياسية تريد الإبقاء على منصور هادي، لأنه يحظى بدعم إقليمي ودولي، رغم علمها بخيانته وانتهاء صلاحيته الدستورية في 22 فبراير الماضي موعد إجراء الانتخابات الرئاسية وانتهاء صلاحيته الأخلاقية أيضا في 21 سبتمبر. 
 
شبح الحرب الأهلية لا يزال هاجس اليمنيين، خاصة بعد أن تبدت أهداف وانكشفت أقنعة، إلا أن القوى السياسية، بينها حزب التجمع اليمني للإصلاح، بدأت تغادر مربعات الممكنات السياسوية التي بسببها قلبت ظهر المجن للجماهير المرهَقة لتتحول إلى التعامل مع الحقائق السياسية والأمنية على الأرض التي يفرضها السيد عبد الملك الحوثي وجماعته.. فالحكومة الجديدة وأعضاؤها وتطبيق بنود اتفاق السلم والشراكة مرهونة بسبابة السيد عبد الملك زعيم "الثورة الإسلامية" في اليمن.. من حسن حظ الرئيس عبده ربه منصور هادي أنه أتى في زمن يحتاجه أنصاره وخصومه.. فأنصاره يقولون لم تسقط صنعاء، بل تم استيعاب الحوثيين في العمل السياسي وجرهم إلى توقيع اتفاق سلم وشراكة.
 
أما خصومه فلسان حالهم يقول: أن تعيش مع خصمك في وطن يقوى على الوقوف خير من أن تعيش معه في بقايا وطن مدمر.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي