على هامش الثقافة والإبداع (1) نقدُ النقد

د. عبدالله صلاح
الاربعاء ، ١٠ سبتمبر ٢٠١٤ الساعة ٠٥:٥٦ مساءً
 
في سياق الحديث عن الثقافة والفكر والإبداع الأدبي والنقدي في اليمن، نلاحظ أن ظروف الواقع وهمومه ومشاغله تفرض نفسها بعنف على مشاهد الثقافة والإبداع، وأن أسئلة حادة تراود كثيراً من المبدعين في مختلف المجالات. ولنقف في البداية على الأسئلة التي تشغل عقول المبدعين في مجال الأدب بمختلف فنونه. ولعل من أهمها: لماذا لا يواكب النقد ما يُنتج من أعمال شعرية أو روائية أو قصصية؟!. وهل ما ينشر في الصحف من قراءات نقدية يدخل تحت يافطة النقد العلمي؟. ولماذا لا تقام الندوات والفعاليات النقدية للتعريف بالمبدعين وتصويب أعمالهم الإبداعية؟.
 
إنها أسئلة محرجة، بالنسبة لأنصار النقد أو بالأصح أصحابه أو من يحمل لواءه، وباعتبارها أسئلة نابعة من صميم واقع يشكو فيه الإبداع والمبدعون القهر والتهميش واللامبالاة.  فالإجابة عن السؤال الأول لا تحتاج كثيراً من التفكير والتأمل؛ فالنقد حقيقةً لا يواكب ما يُنتج من إبداع نصي في اليمن، سواء أكان الإبداع شعراً أم نثراً. بل إن ما يُطرح من قراءات نقدية لا تصل في معظم الأحيان إلى مستوى النص الإبداعي الخاضع للقراءة والتحليل؛ كونها لا تتساوق بالمطلق مع منهجية النقد واتجاهاته العلمية.  
 
وعندما يقف القارئ على واقع الإبداع الأدبي في اليمن، ويتأمل حجم ما ينتجه المبدعون من مجموعات شعرية وقصصية وروائية، وكذا ما يواكبه من عرض أو تعريف أو نقد، فإنه يقر باتساع الفجوة بين ما يُنتج من إبداع نصي، وبين ما يواكبه من مقاربة أو نقد. بل إن المسألة تتعقد أكثر إذا ما علمنا أن تلك المواكبة المحدودة، تقتصر في الغالب على عرض إبداعات الشخصيات الاعتبارية، التي تحظى بنفوذ ثقافي أو سياسي أو مادي، وكذلك التعريف بإبداعات الأصدقاء أو الرفقاء في الحزب أو الجماعة. أما المبدعون المغمورون فهم في هامش الاهتمام، وقلَّ أن تجد أحداً من النقاد يلتفت إلى إبداعهم. 
 
وكذلك ما يتعلق بالسؤال الثاني، فما يُنشر من كتابات تحت مسمى النقد في الصحف والمجلات فجُلهُ لا يدخل في دائرة النقد الأدبي، الذي يخضع لضوابط علمية. ولعل غالبية الأدباء في اليمن يجمعون على هذه الرؤية أو بالأصح الحقيقة. فما يُطرح في الصحف تحت يافطة النقد، هو عبارة عن انطباعات شخصية ليست الغاية منها بيان جماليات النص الإبداعي، أو الإشارة إلى مواطن قوة النص وضعفه حتى يتفاعل معها المبدع ويستفيد منها.
 
وإنما الغاية منها إرضاء الأصدقاء والتعريف بهم ليس إلا. ولذا ما تدونه الصحف من نقد يكون مصيره الموت السريع؛ لخلوه من القيمة النقدية، التي تستحق الالتفات والقراءة، أو لعجزه عن الإثارة والإحجام عن التفاعل معه. بل إن المبدع نفسه يؤمن بعدم فائدته على مستوى تطوير ملكته الإبداعية. 
 
وحتى لا أتهم بتبرير هذا الواقع، فأني أؤكد على أن هذه الصورة القاتمة لنقد الصحف والمجلات والفعاليات، ما هي إلا مشهد من مشاهد خارطة اليمن الحديث المأساوية، وأن لها علاقة بأنساق المجتمع المختلفة، فالنقد والمعرفة والثقافة نتاجٌ يتساوق حتمياً مع طبيعة الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في داخل المجتمع. كما يتساوق أيضاً مع طبيعة علاقة مؤسسات الدولة أو المجتمع مع الخارج. وللأسف الشديد أن طبيعة الأوضاع في الداخل مأساوية على مختلف الأصعدة، وطبيعة العلاقة مع الخارج يشوبها القلق والعجز والتوجس والانكفاء على الذات. 
 
ومثل ذلك نقول في الإجابة عن السؤال الثالث، فأنى للمبدعين والنقاد أن يعقدوا ندوات أو فعاليات تعرف بهم وتقرأ إبداعاتهم، وهم في الهامش يعتصرون جوعاً، وتصم آذانهم منابر الصراع السياسي، والحروب العقدية والطائفية والقبلية؟.
 
المهم أن النقد الأدبي أو الأدب بشكل عام بنية متحولة ومتجددة بتحول وتجدد حركة الواقع المجتمعية. وإذا نظرنا إلى مختلف فنون الإبداع في اليمن حالياً سنجدها جميعاً في حالة ضعف، إن لم يبلغ بعضها مرحلة العجز كالمسرح والغناء والرسم. وبالتالي لا غرابة أن يأتي النقد الأدبي في الصحف والمجلات في السياق ذاته. مع العلم أن ما ينشر محدودٌ للغاية، ويدخل كما أشرنا تحت دائرة النقد الانطباعي البحت، ويصدر عن شخوص تكون غايتهم المجاملة الفجة، أو التعريف السطحي، أو التشهير القبيح. وبالتالي، ليس نقداً عميقاً أو ذات فاعلية، ولا يستطيع القارئ أو المهتم بالأدب اليمني أن يمسك بصورة إيجابية، أو بخطاب نقدي جاد. خاصة في ظل انكفاء الصحف الرسمية والأهلية والحزبية عن الاهتمام بالأدب والنقد، إلا على استحياء.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي