فكِّر جيداً بالأمر يا عبدالملك !!

عزوز السامعي
الجمعة ، ٢٩ أغسطس ٢٠١٤ الساعة ١٠:٣٧ مساءً
عد بالذاكرة إلى الوراء عشرة أعوام يا عبد الملك، كل أولئك القتلة واللصوص الذين حكموا البلاد، وخاضوا مع جماعتك ستة حروب متتالية يختفون بمساوئهم من الذاكرة الوطنية في زحمة مساوئك، أنت الآن في قفص الاتهام التاريخي كأسوأ رجل عرفته اليمن، ووحدهما محسن وصالح يعتقدان أن وجودك في هذا الظرف مكسب تاريخي لهما، الناس في الشوارع والمقاهي يتحدثون عن كائن كهفي يذبح خصومه بالفؤوس و يفجر المساجد ودور القرآن الكريم، أي تلك التي بنيت إبان نظام صالح. 
 
لم تكن حروب صعدة الستة نظيفة، من البداية قلنا ذلك, فتلك حروب كانت تفتقر للمشروعية القانونية والتأييد الوطني، كنت يا سيد عبده تقود جماعة تتعرض للإبادة، وتقاوم بشراسة جحافل الموت القادمين على غفلة الوعي وتنتصر في جبهات كثيرة، كانوا يحاربون بالجيش الوطني، وكنت تحارب بالمؤمنين، كلا الطرفين لم يكن لهما أي علاقة بالحرب، لكنهما كانوا الأكثر عرضة للقتل، حضر الله في تفاصيل المعركة، وحضرت النياشين، وانتهت ستة حروب بكامل قتلاها وأحداثها إلى الكثير من الغموض، الغموض هو ما يقض مضاجع اليمنيين، ويفترض لو أن الأمر كان واضحاً، أن تكون الآن في القبر، وخصومك معلقين على مشانق العدالة بجريمة جر المؤسسة العسكرية لخوض حروب بغرض تحقيق مكاسب وأمجاد شخصية. 
لا أحد ينحاز لذلك التاريخ، لأن ذلك يعني أخذ الذاكرة إلى سفرية موحشة على طريقها يمكن اكتشاف معان فضيعة للموت والقهر والعبثية، والخيانات، لكن هذا التاريخ يكتسب شيئاً فشيئاً قدسيته من واقع الهمجية التي تمارسها الآن دون أدنى احترام للشرعية والقوانين. 
 
أنت في ما أقدمت عليه بدماج ثم حاشد فهمدان فبني مطر فعمران وصولاً إلى تطويق العاصمة وفرض حصار على مؤسسات سيادية تابعة للدولة، أنت بهذا تمنح خصومك في الحروب الست المشروعية الأخلاقية التي كانوا يفتقرون إليها، وتدخلهم إلى التاريخ كأبطال بعد أن خرجوا منه حاملين معهم كل أوصاف اللصوص والفساد. 
 
في عمران حدثني أحد الزملاء بحزن عن ما آلت إليه الأمور هناك، قال إنه يفكر حالياً بصنعاء كونها مركز الدولة، كيف يمكن لها أن تصبح بوجود هذه الكائنات البدائية؛ متذكراً على طريق المأساة الأبراج والسفارات والمراكز التجارية الحديثة والنساء المتسوقات. 
كان صديق آخر من صعدة اسمه مختار الرازحي قد شرح لي بعض التفاصيل عن ديولتك هناك, قال إنه شخصياً تعرض سبع مرات للإهانة على أيدي عناصرك المؤمنة بلا سبب، هو لا ينتمي إلى أي حزب لكنه أكد لي أنه سينخرط في أي حزب أو جماعة تقرر ردع همجية جماعتك، وسيهبها جهده وعمره. 
 
انظر كيف تصنع الخصوم والى أي درجة يمكن لمن عاش تحت رحمة مليشياتك أن يكرهك يا سيد عبد الملك. 
رغم هذا يمكن استساغة كون المناطق البعيدة عن مركز الدولة تغدو بين الحين والأخر مسرحاً لصراع الجماعات الخارجة عن القانون، ذلك أننا لم نعثر بعد على الدولة بمفهومها الشامل، لكن ذروة الجنون أن تفكر بإمكانية ضم صنعاء للمحيط المشلول، لا أحد سيسمح بذلك ولو اقتضى الأمر القتال بأدوات الحلاقة وأظافر النساء! 
 
صنعاء ليست «دماج» ولا العصيمات، هنا يقطن الجميع، أعني كل الأصناف التي ألقمتها الجمر في مسيرتك الإيمانية، لم يتبق لهم سوى صنعاء فلا تنتظر منهم سوى الانفجار كشظايا في أوساط المدججين بالذخيرة ووهم قدسيتك. 
 
سيد عبد الملك، أعرف انك ظفرت في معركة الحسابات، وأنه لم يكن ثمة من خيار آخر: إما أن يحاصروك في صعدة أو تحاصرهم في صنعاء، لكن ماذا عن المحصلة النهائية لمعركة ميليشيا كانت تواجه طيفا سياسياً، ثم غدت على مشارف مواجهة شاملة طرفها المقابل مجتمع بكامل تنويعاته السياسية والفكرية؟! 
فكر جيداً بالأمر، فثمة مساحات أخرى لما دون فكرة الدم والخراب! 
 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي