غزوة «بروكتر وجامبل»

عارف أبو حاتم
الأحد ، ٢٩ يونيو ٢٠١٤ الساعة ٠٩:٢٨ مساءً
علي أن أتذكر واحدة من أقذر العمليات المرتدية لعباءات الولاء الديني، وكيف دمرت بلدي وشردت أبناء بلدتي؛ في وطنهم وفي دول الجوار. 
سأسميها غزوة «بروكتر وجامبل»، والأخير اسم شركة عالمية متخصصة في صناعة الحفاظات والمنظفات.. قررت في منتصف تسعينيات القرن الماضي فتح فرع تصنيع لها في اليمن على غرار ما هو قائم في السعودية والإمارات، انتعش فرع اليمن بقوة واستوعب أكثر من ثلاثة آلاف عامل، بينهم العشرات من أبناء مدينتي القريبة من موقع الشركة، كانت الدولة اليمنية تستفيد من المشروع الاستثماري بأكثر من وجه؛ أولها: 
أنها أصبحت قبلة للشركات العالمية باعتبارها بيئة آمنة للاستثمار، ويمكن لهذه الخطوة أن تشجع شركات عربية وغربية أخرى. 
ثانياً: توظيف آلاف الأيدي العاملة وبأجور مرتفعة. 
ثالثاً: جمارك بالعملة الصعبة على المواد الخام التي تدخلها الشركة إلى اليمن. 
رابعاً: ملايين الدولارات تجنيها اليمن من ضرائب إيرادات الشركة التي أصبحت تغطي السوق الأفريقية من منتجاتها عبر فرع اليمن. 
خامساً: تنمية مجتمعية عظيمة كانت تقوم بها الشركة مثل تأثيث المدارس، تقديم دعم سخي للمدارس الصيفية، والأندية الرياضية، والأعراس الجماعية، التشجير، إنارة الطرقات. 
فجأة جاء صراخ يعوي من وراء الحدود، تلقفه سريعاً «علماء المخابرات» وعلماء يتحمسون لدينهم بقدر «فارق الصرف» ورطبوا حناجرهم بالعسل والحبة السوداء، واستثمروا عاطفة اليمنيين الدينية، ووجدوا تياراً «قومجياً» غبياً يريد هز الصهيونية والإمبريالية، وهو الذي ما قدر يغير قناعاته البليدة المتوارثة منذ نصف قرن، وتم تشويه الشوارع والعقول بشعارات قاطعوا البضائع الأمريكية والإسرائيلية، وفي مقدمتها منتجات «بروكتر وجامبل»، حتى قررت الشركة الرحيل، وباعت كامل معداتها، وسرّحت كل عمالتها.. وخسر اليمن تلك الفوائد الخمس. 
وماذا كانت النتيجة؟! 
جميع منتجات «بروكتر وجامبل» تملأ السوق اليمنية، لكنها حلال هذه المرة؛ لأنها قادمة من فرع الشركة في بلاد الحرمين الشريفين حفظها الله، أو من الإمارات، وأصبحت تلك المنتجات تغطي السوق الأفريقية بدلاً عن فرع اليمن، لأن العلماء هناك لم يصرخوا: «قاطعووووووا»، لم تكن المسألة أكثر من غيرة على «أنظمة الدفع المسبق» وليس على دين الله، فهناك من أزعجه أن تكون اليمن مركزاً لشركة عالمية، تعبر من خلالها إلى أسواق القارة الإفريقية، فهذه خطوة لها ما بعدها، وربما ينتعش الاقتصاد، ويحفز شركات ورجال أعمال على الاستثمار في اليمن. 
لم نقاطع غير اقتصادنا، ولم ندمر أحداً غير شعبنا، وما هو أقذر من ذلك الحديث عن غيرة وانتصار لدين الله... الغيرة على العقيدة لا تبدأ من تدمير الاقتصاد، بل من تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الدين والمعتقد. 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي