بنعمر يمنح الحوثيين نصراً

عارف أبو حاتم
الجمعة ، ٢٧ يونيو ٢٠١٤ الساعة ٠٤:٤٨ مساءً
الأمم المتحدة ومشتقاتها هي جزء من أدوات تفتيت الشرق، ولن تعمل بحياد، أو بعيداً عن رغبات القوى المهيمنة وفي صدارتها الولايات المتحدة، راعية السلام والديمقراطية، والقابضة على خيوط مشكلات العالم.
 
يقول أستاذ رؤساء أمريكا المفكر هنري كيسنجر في كتابه الهام "الدبلوماسية": "ليس من مصلحة أمريكا أن تحل أي مشكلة في العالم، لكن من مصلحتها أن تمسك بخيوط تلك المشكلة".. وربما ساعدها في ذلك قوة عسكرية جبارة، ونفوذ اقتصادي، وموقع جغرافي قذف بها خلف أكبر المحيطات، بعيداً عن مخاطر محدقة، أو شرور متوقعة.. وربما ساعدها أيضاً ذل عربي، وانكسار قدمته دول عربية تمتلك المال والنفوذ وعوامل القوة، لكنها لا تمتلك الإرادة.
 
قبل أكثر من عام قرأت مقالاً مليئاً بالاستشهادات للكاتب الدكتور عبدالحميد سلوم بعنوان "الطائفية سلاح الغرب الأمضى لتفتيت الشرق الأوسط" تحدث فيه عن خطوات حثيثة لزرع جماعات طائفية في أكثر من مكان، تذكرت حينها أنه إلى ما قبل عام الثورة 2011 كان الحوثيون يبررون جرائمهم وتمردهم على الدولة بالحديث عن الانتصار للمذهب الزيدي المظلوم، رغم أن معتنقي الزيدية يقبضون على رأس ومفاصل وموارد الدولة منذ رحيل الأتراك في عشرينيات القرن الماضي وحتى اليوم، لكن المسوغات الحوثية انحدرت بشكل مخيف، واصبح أفراد الجماعة يتحدثون عن مظالم واضطهاد "نتعرض لها نحن الشيعة"، كيف تشيعوا، ومتى غادروا المذهب الزيدي السني؟!
 
وليس الأمر ببعيد عن يد أمريكية غربية للسيطرة على المنطقة باسم الطائفية وحماية الأقليات، وستؤدي إيران دور شرطي المنطقة.
 
يوم أن ألمح المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بنعمر أنه يبذل مساعٍ لحل الوضع المحترب في عمران، كتبت حينها أن نجاحاً يُحضر، وخطةً تنضج بهدوء، وفي طريقها إلى الجماعة الحوثية، على طبق من ذهب، فأي مساعٍ لبنعمر في عمران لابد أن تدرج ضمن تقريره الدوري المقدم إلى مجلس الأمن، وهذا يعني أن الحوثيين قد ينجحون في تدويل قضيتهم، وفي الدخول إلى مجلس الأمن بصفتهم طرفاً في صراع، وليسوا سبباً في تفجير كل صراع. وهذا ما حدث.
 
فقد تحدث تقرير بنعمر عن صراع يدور بين جماعة الحوثيين ومجاميع مسلحة من جماعات أخرى.. دون تحديد أنها جماعة تسعى لتقويض سلطة الدولة، ودون ذكر لوصولها المسلح إلى شمال وغرب العاصمة، دون مبرر، وولعها الدائم بتفجير المساكن والمدارس والمساجد، وقصف المعسكرات، ودون تحديد من هي "الجماعات الأخرى" حتى يترك باب التأويل مفتوحاً، وهو تأويل لا يخلو من تهديد.
 
ولم يكتف التقرير بالحديث عن ضرورة نزع الأسلحة المتوسطة والثقيلة من جميع الجماعات المسلحة، بل أضاف الأحزاب "يقصد الإصلاح" والأفراد "يقصد آل الأحمر"، وهذه صيغة تشبع غرور الحوثي، وتلبي طموحه... فمنذ عرفت الحياة السياسية لا أعلم بوجود أحزاب مسلحة في اليمن، فليس بيننا جيش الرب الأوغندي، أو حزب الله اللبناني، أو الجيش الأحمر الايرلندي، في اليمن أحزاب كلها مدنية، وشبه ميتة، وأشراط موتها صمتها المخزي تجاه حروب وتفجيرات التهمت عمران، بوابة العاصمة الشمالية، وقدمت تحاصر العاصمة من جميع الاتجاهات، وإلا ما معنى أن يفجر الحوثيون صراعاً مسلحاً في آنس جنوب العاصمة، ويحشدون في الشرق، في سنحان وخولان، ويحضرون بحرب معلنة في الغرب بهمدان وبني مطر، هذه مناوشات وحروب مفتعلة الهدف منها وضع العاصمة تحت رحمة الحوثي، حتى يسهل عليه كل تفاوض.
 
تقرير بنعمر صيغة أممية تُناقش اليوم في مجلس الأمن، وستكون بمثابة اختبار أولي لقياس ردة فعل الشارع اليمني ونخبه الحاكمة... ثم تُنفذ غداً برعاية دولية.
 
بموجب تقرير بنعمر لا مفر من "حل سياسي" لمشكلة الصراع المتفجر بين الحوثيين ومن أسماها بالجماعات المسلحة، و"الحل" الذي يدعو له لن يخلو من محاولة إذلال وتركيع الدولة والإصلاح وآل الأحمر واللواء علي محسن، لصالح بناء قوة النفوذ الحوثية.. وتلك قوة أقل ما تملكه الآن أنها تسعى – مستعينة بأمريكا - للحصول على حكم ذاتي في شمال الشمال، ولن يخلو ذلك من الحصول على منفذ بحري في ميناء ميدي.
 
وبرعاية أمريكية سيتم زرع دولة عنصرية شيعية في شمال الشمال، ولابد لها أن تشجع وتستفز إسماعيلية نجران وجيزان – رغم العداء التاريخي معها- وستنجح أمريكا في سلخ الجزء الجنوبي من السعودية، كما نجحت في سلخ الجزء الشمالي من اليمن، ولن يكون هناك ضحية غير دول الخليج وفي صدارة الخاسرين السعودية، الدولة السنية الوهابية.
 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي