الإرهاب والإخوان والمملكة

عبده محمد الجندي
الثلاثاء ، ٢٥ مارس ٢٠١٤ الساعة ٠٩:٥١ صباحاً
لم يكن التنظيم العالمي للاخوان المسلمين يضع بالاعتبار أن الدول العربية سوف تضعه في قائمة الارهاب، وقد كانت الى وقت قريب تقدم له كافة أشكال الدعم والمساندة السياسية والمادية والمعنوية الا أن ما أظهره هذا التنظيم من تهور يصل حد الطمع بالسلطة مستغلاً علاقته بالدول العظمى التي كان يناصبها العداء واستعداده لحماية ما لديها من المصالح بما في ذلك حماية أمن اسرائيل مقابل دعمهم في الوصول الى السلطة في عاصفة الربيع العربي باعتبارهم الأقدر على تعرية الجماعات الجهادية الارهابية المتطرفة التي تشبعت بكتب السيد قطب «معالم على الطريق» ورؤيته لحاكمية الله وحاكمية البشر ودعوته للتكفير والهجرة، وتحت هذا المبرر استطاع تنظيم الاخوان أن يسوق نفسه باعتباره الأقدر على انتهاج الاسلام الوسطي المستنير المؤمن بالأساليب السلمية والسياسية من خلال ركوب موجة الاعتصامات والمظاهرات الشبابية والجماهيرية المطالبة بالتغيير مستغلاً ما لديه من الخبرات التنظيمية والعلاقات الحزبية المنظمة للحركة السريعة والفاعلة في السيطرة على أول عمليات انتخابية حدثت بعد قيام هذه الثورات العفوية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا،.
 
مستغلين ما حولهم من حالة الفراغ في وقت يدركون فيه خلو الساحات من الأحزاب والتنظيمات السياسية القادرة على المنافسة بالإضافة الى ما حصلوا عليه من الدعم الدولي الهائل من الناحيتين السياسية والمادية والمعنوية عبر تركيا وقطر وعبر الولايات المتحدة الامريكية وغيرها من الدول الاوروبية، ومستفيدين من الحركة العفوية المرتجلة وغير المنظمة لشباب الساحات وعدم قدرتهم على الدخول في منافسات انتخابية فاعلة بصورة أوصلتهم فجأة من المعارضة الى الحكم دون خبرة ودون دراية برنامجية تمكنهم من الايفاء بوعودهم وبحسن التعامل مع ما لديهم من السلطة ومن الثروة بمسؤولية وطنية تستهدف إرضاء الهيئة الناخبة التي أوصلتهم الى ما وجدوا أنفسهم فيه من النعيم.
 
فراحوا منذ اللحظة الأولى لنجاحهم يديرون ظهورهم للجماهير ولحلفائهم في الثورة من الأحزاب والتنظيمات السياسية والحركات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني وهم يعلمون أن ثوراتهم لم تكن ثورات سلمية بقدر ما كانوا فيها يقتلون القتيل ويتقدمون جنازته، فبدأوا للتو يطبقون ما لديهم من الأجندة المتمثلة في حركة الأخونة النشطة والشاملة عبر طريق إحلال كوادرهم الحزبية من كافة المستويات القيادية والقاعدية في جميع المؤسسات المدنية والعسكرية للدولة دون مراعاة لما تستوجبه هذه الوظائف من المؤهلات العلمية والخبرات العملية، في وقت أخذوا فيه يفتحون المجال واسعاً وبلا قيود ولا حدود للمجاميع الجهادية والتكفيرية بمن فيهم أولئك المحكوم عليهم بتهم إرهابية من الذين التزموا بإصلاحهم وإقناعهم بالتخلي عن قناعاتهم وثقافاتهم الجهادية المتطرفة والمعادية للولايات المتحدة الامريكية واسرائيل وغيرهما من الدول الرأسمالية المستهدفة من الارهاب.
 
واتخذوا منهم ما هم بحاجة اليه من المليشيات المسلحة بالإضافة الى ما لديه من الأجنحة العسكرية المدربة سواءً قبل أو بعد نجاح الثورة، حدث ذلك في ليبيا وحدث في تونس وحدث في اليمن وحدث في مصر وفي سوريا وفي العراق وفي غيرها من البلدان العربية المرشحة لقيام الخلافة الاسلامية المحاكية لما لديهم من التطلعات والأحلام الامبراطورية.. أما على الصعيد الاقتصادي فقد أفرغت الخزائن العامة للدول بنفقاتهم ومصاريفهم وتسوياتهم ورحلاتهم الحزبية على حساب تعطيل كافة الخطط والبرامج الاقتصادية والاجتماعية للدولة ذات الصلة بالحياة والتقدم والازدهار والسعادة المعيشية، وإضافة معاناة الى معاناة وفقر الى فقر وفساد الى فساد واضطرابات فوضوية الى ما هو قائم من الاضطرابات والمخاوف الامنية التي جعلت الشعوب تطالب برحيلهم المبكر من الحكم بذات الاسلوب الذي استخدموه لإسقاط الأنظمة السابقة.
 
الأمريكيون الذين عولوا على ما اطلقوا عليه بثورات الربيع العربي انها سوف تقوم ببناء الدولة المدنية الحديثة والحكم الرشيد، فوجئوا أنهم راهنوا على جماعات اسلامية لا تعرف سوى تسخير الدين لخدمة السياسة والتعامل مع منافسيهم بالأساليب القمعية العنيفة وإقصائهم من أية مشاركة مؤكدين أنهم أقدر على تدمير ما تبقى من الدول ومن الأنظمة ومن الخدمات الاساسية والمكتسبات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية والأمنية للدولة منهم الى القدرة على بناء الدولة المدنية الحديثة القائمة على الديمقراطية والحكم الرشيد، لكنهم اعتبروا هذه الممارسات عديمة القدرة والكفاءة العلمية والخبرة العملية سوف تحقق ما تنبأوا به من فوضى خلاقة مهما كانت مؤلمة الا أنها سوف تقدم الحجة والدليل أن رجال الدين لا يصلحون أن يكونوا رجال الدولة لأن بناء الدول يحتاج الى علوم وفنون سياسية واقتصادية وخبرات عملية وعلمية وإرادات سياسية تختلف عما لديهم من الخطابات والمواعظ الدينية التي اعتادت عليها قياداتهم المشغولة بالتحريض على المسائل الجهادية والارشادية والتكفيرية المشغولة بما بين الرجل والمرأة من علاقات..
 
أقول ذلك وأقصد به أن الحركات الاسلامية التي قدمت أنموذجاً فاشلاً لبناء الدولة وساهمت في تفكيك كل ما اكتسبته الشعوب والدول العربية من الروابط الوطنية والقومية، أسفرت عن تعدد الحركات التكفيرية والتدميرية وما ينتج عنهما من الصراعات والحروب الاهلية أظهرت أن الاخوان المسلمين لا يختلفون عن غيرهم من التنظيمات الجهادية والتكفيرية التي وعدوا بتعريتها وإصلاحها وإعادتها الى الأساليب السياسية والسلمية لأنهم مارسوا الارهاب بكل أشكاله وأنواعه في العديد من دول الربيع العربي وتجاوزوا ذلك الى البلدان الخليجية الآمنة والمستقرة التي اعتقد خطأً أنها ستكون لقمة سائغة لتمويل ما لديهم من المشاريع الاسلامية ذات الآفاق الامبراطورية العربية والعثمانية السنية المناهضة للشيعة. 
وفي ظل هذه الممارسات الجامدة المتطفلة على السياسة وعلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية خرج الشعب العربي المصري في تظاهرات ملايينية غير مسبوقة يطالبون الاخوان المسلمين ونظامهم بالتخلي الطوعي والسلمي عن السلطة -بعد أن حولها الى غنيمة لنهب الثروة- يقودهم الفريق عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع القائد الأعلى للقوات المسلحة بمباركة ودعم الدول الخليجية ممثلة في المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة والكويت الذين يعتبرون الشعب المصري وقواته المسلحة بمثابة ما هم بحاجة اليه من العمق الاستراتيجي العربي السني في مواجهتهم مع الجمهورية الايرانية الاسلامية ذات النوايا الامبراطورية المحكومة بولاية الفقيه وما يمثله من مرجعية شيعية.
 
الاخوان المسلمون الذين سقطت سلطتهم في مصر وفي تونس وفي ليبيا سرعان ما تحولوا الى الاعمال الفوضوية التي كشفت ما كانوا يخفونه في مصر الكنانة من نوايا ارهابية سبق ممارستها في سوريا واليمن وليبيا على نطاق غير مباشر من العلنية، متسترين خلف ما حصلوا عليه من دعم الدول الرأسمالية المستترة خلف الديمقراطية.
 
حقاً لقد كانت مصر هي السباقة الى إدراج الاخوان المسلمين في قائمة الجماعات الارهابية المستندة الى ما تحصل عليه من الدعم القطري التركي .. ثم تلتها بالأمس المملكة العربية السعودية التي أدرجت الاخوان المسلمين ضمن الحركات الاسلامية الارهابية من ضمن تدابير عملية كثيرة اتخذت من باب الوقاية خير من العلاج.
 
وكما هو معلوم أن القاهرة والرياض في مقدمة العواصم القيادية للأمة العربية سيكون لهما تأثير على معظم الدول العربية في تفعيل اتفاقية مكافحة الارهاب.. ومعنى ذلك ان الاخوان المسلمين بحاجة الى مراجعة مواقفهم وأساليبهم على نحو يبعدهم عن هذا النوع من الشبهات القاتلة لحاضرهم ومستقبلهم في آن معاً، لأن الارهاب تهمة مخيفة وقابلة للتوسع والانتشار من بلاد الى بلاد ومن أمة الى أمة ومن قارة الى قارة، ما يستوجب إعادة التقييم لماضيهم من أجل إنقاذ ما لديهم من الحاضر والمستقبل لأن الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة من خلال الشرعية الانتخابية المعبرة عن الارادة الحرة للشعوب العربية والاسلامية لا تعني (الاخونة) للدولة بكل ما لديها من السلطات والمؤسسات المدنية والعسكرية لأن التداول السلمي محصور في نطاق المواقع السياسية ولا يمتد الى جميع المواقع الفنية للوظيفة العامة المحكومة بقدرات وخبرات علمية مكتسبة وغير قابلة للابتزاز والمصادرة من قبل هذا الحزب الفائز أو ذاك التنظيم الحاصل على الأغلبية، ناهيك عما توجبه الشراكة الوطنية من احترام للآخرين ولما لديهم من الحقوق والحريات الخاصة والعامة.
 
اليمن عمق استراتيجي للمملكة العربية السعودية والعكس صحيح وما يحدث في اليمن سيؤثر إيجاباً وسلباً على ما يحدث في المملكة، والاخوان المسلمون استفادوا كثيراً من دعم المملكة العربية السعودية واستفادوا ايضاً أكثر من غيرهم من عهد حكم الرئيس صالح.. لكنهم لم يحترموا طبيعة تلك العلاقة بقدر ما أقدموا عليه من أعمال عدائية ارهابية، فقد كان دورهم في عملية القتل معروفة في أمانة العاصمة وجميع المحافظات بداية من دفع المتظاهرين الى اقتحام المنشآت العامة ومروراً بقتل العسكريين ونهب الاسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة من المعسكرات في أرحب ونهم والجوف، وتعز وفي غيرها من المحافظات، حيث أغرقوا المدن بالمليشيات القبلية والحزبية وشاركوا بفاعلية في اقتحام ونهب عدد من الوزارات والهيئات الحكومية واللجنة الدائمة وأقسام الشرطة ورئاسة مجلس الوزراء، ومازالت أعمالهم ماثلة للعيان حتى الآن، وأخيراً ما قاموا به من عمل ارهابي في مسجد دار الرئاسة أثناء الصلاة في أول جمعة من رجب الشهر الحرام، ذلك العمل الارهابي الجبان الذي استهدف رئيس الجمهورية وكبار رجال الدولة وما نتج عنه من سقوط العديد من الشهداء المدنيين والعسكريين وفي مقدمتهم الاستاذ الكبير عبدالعزيز عبدالغني رئيس مجلس الشورى وعدد من الضباط والجنود وما أحدثه ذلك العمل الاجرامي من إحراق للمسؤولين وإصابة الكثير منهم بعاهات مستديمة لم يسبق لها مثيل .. هؤلاء الجرحى نقلوا الى مستشفيات المملكة العربية السعودية منهم من قضى نحبه ومنهم من شُوّه جسده ومنهم من بُترت أجزاء من أجسامهم وأصبحوا معاقين.. لاشك أن هذا العمل كان إرهابياً بامتياز وفقاً لما نص عليه قرار مجلس الأمن وكانت المملكة العربية على علم بهذا أو بكل ما ينطوي عليه من التفاصيل، بصورة أكدت لها أن الاخوان المسلمين لا يختلفون عن تنظيم القاعدة في شيء، ولما تأكد لها ما يقومون به في مصر وما يخططون للقيام به في الإمارات العربية المتحدة تأكد لها أنهم لا يختلفون عن غيرهم من التنظيمات الارهابية هدفهم اسقاط النظام بكل الاساليب والوسائل الفوضوية والارهابية والتخريبية الموجبة للحذر واليقظة، فكان وضعهم في قائمة الارهاب رسالة قوية لعلهم يراجعون أنفسهم ويقلعون عن مثل هذه الأساليب التآمرية والارهابية بدلاً من الاستغفال والاستهبال والقول بأنهم ليسوا اخواناً مسلمين وبأنهم ليسوا أكثر من حزب سياسي لا يؤمن بالحروب ولا علاقة له بالارهاب، لأن التجمع اليمني للإصلاح لا يشبه حزب الحرية والعدالة في مصر من قريب أو بعيد.. متناسين أن المملكة على علم بهم أكثر من علمهم بأنفسهم.
الحجر الصحفي في زمن الحوثي