لدينا دولة وتفتقد الثقة

محمد الشلفي
الاثنين ، ١٧ مارس ٢٠١٤ الساعة ٠٥:٥٠ مساءً
ليس لدينا دولة، كرّرها أحد المُستضافين اليمنيين على إحدى القنوات الأجنبية الناطقة باللغة العربية، ثم يستدل بالصراعات الحادثة في غير ذي مكان باليمن، ونواصل جميعاً السماح لهذه الترّهات التي تضرُّ أولاً بالصورة الذهنية للدولة لدى الناس وهي لا تستند إلى دليل علمي وإنما تردّد شائعات جماعات بعينها تروّج لنفسها كبديل أفضل للدولة بمشاريعها الفوضوية والعنيفة والجشعة. 
 من خلال مفهوم الدولة في الفكر السياسي أستطيع أن أجادل بخطأ عيشنا في حالة اللا دولة، إذ تُعرَّف بعناصر “الشعب والإقليم والسيادة والحكومة” وإذن نحن أمام دولة يمنية معترف بها دولياً لها إنسانها صاحب الحضارة والتجربة والإقليم الذي يمثّل جغرافياً لها حدود وحكومة تدير شؤون الشعب فيها وتقدّم له خدمات وتتحدّث باسمه مع العالم وتقيم العلاقات وسيادة تتمثّل بالحدود المثبتة دولياً برّاً وبحراً وجواً والحق في فرض القانون وإخضاع الآخرين له. 
يقيس البعض وجود الدولة بقدرتها على تقديم الخدمات "التعليم والصحة وحسم الصراعات وفرض الأمن" وتعاني الدولة اليمنية ضعفاً واضحاً، ولو سلّمنا بقياسهم فإنه لا تنتفي عنها صفة دولة؛ لكن تصنّف بأنها فاشلة، حسب معايير أنتجت مفهوم الدولة. 
 وبمقاربة فالدولة اليمنية أبعد ما تكون عن الفشل، لأنها تقدّم الخدمات وتفرض الأمن عبر أقسام الشرطة المنتشرة والنقاط الأمنية والدوريات والنجدة وأجهزة الأمن الأخرى، والتي ما تمارس سلطتها، ويلجأ المواطنون إلى أقسام الشرطة والقضاء لأخذ حقوقهم، واحتكار الدولة للعقاب والثواب، ودفع المرتبات والضمان الاجتماعي، وإيفاد الطلاب إلى الخارج، واستقبال السفراء وإرسالهم وغيره. 
 لكن ضعفاً يعتري كل هذا بالتأكيد نظراً لقصر تجربة الدولة اليمنية الكبرى بحالها اليوم وضخامة جهاز الدولة وزيادة الأعباء مع ارتفاع عدد السكان واحتياجاتهم في كل المجالات، وعجز الدولة عن تحجيم دور القوى النافذة التي تسيء إلى الدولة بعدم التزامها بالقانون، أو قد يرجع هذا كله ليس إلى العجز المرتبط بالقوة؛ بل إلى غياب المشروع والرؤية لدى صنّاع القرار لإعادة الاعتبار إلى الدولة ومفهومها. 
مع هكذا حالة أعتقد أن القول الأصح هو أننا أمام دولة ضعيفة في كفاءاتها القيادية، وبالتالي انعدام كفاءة مؤسساتها التي تتولّى التخطيط والإدارة والتنفيذ، دولة فقدنا الثقة بها، لفقدان ثقتها بنفسها وخشيتها من إحداث تغيير بسبب الوضع المعقّد لليمن وتركيبته الاجتماعية بإرثها الأخير من اللا نظام. 
يمكن التدليل على ما سبق بتغاضي “الدولة” ممثّلة بالسلطة عن الإساءة اليومية بقصد ودون قصد إليها، وتساهلها في أن يصدر ذلك ليس من العامة والمعارضين كتّاباً وسياسيين؛ بل أيضاً من مسؤوليها الذين تضعهم على رأس مؤسساتها إما عبر التصريح أو الفعل الذي يسيء إلى فكرة الدولة عند المواطن الذي يلتقط ما يُقال ويؤمن به ويردّده، لأن معظمهم لا يعرفون معنى دولة ولا يعرفون حتى حقوقهم ويقضون حياتهم بجهالة دون أن يطلبوا منها شيئاً. 
نحن أمام دولة لها وجود لكنها تخشى الإعلان عن نفسها، ولو أعدنا التفكير في بعض أحداث الماضي لوجدنا أن ثقة المواطن بالدولة تتولّد حين تكون هي واثقة من نفسها أولاً. 
 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي