العصا الغليظة..!!

سامي نعمان
السبت ، ٠١ مارس ٢٠١٤ الساعة ٠٤:٤٢ مساءً
لم يكن قرار مجلس الأمن الدولي الأخير بشأن تشكيل لجنة عقوبات ضد معرقلي العملية السياسية القائمة في البلاد مفاجئاً لليمنيين؛ ربما كان كذلك لأنه جاء دون سقف توقُّعاتهم لقائمة المرشحين لمقصلة العقوبات منذ عام 2011م. 
القرار جاء متأخراً بعامين لحماية اليمنيين من أنفسهم؛ إذ أن نافذي البلاد وبعض مسؤوليها الانتهازيين وأمراء الحرب وقادة الميليشيات ليسوا مؤتمنين على وطنهم، بل على أرواح مواطنيهم، لم يفكّروا يوماً بدولة تحمي الجميع وتحفظ حقوقهم وتراعي مصالحهم، ثم يضجّون الدنيا باستجرار السيادة والنواح عليها إذاً بدت مؤشرات المساس بمصالحهم. 
من يحملون القشّ فوق رؤوسهم، وفي طليعتهم رجالات ورموز النظام السابق، يفهمون جيداً مصطلح «العصا الغليظة» فلطالما تحدّثوا عنها في عهدهم وقدّموا تنازلات لتفاديها والبقاء في الحكم؛ لكنهم اليوم يتباكون على السيادة التي أهدروها منذ عقود بالحروب والمغامرات والمراهقات. 
استدعوا دول الخليج والأمم المتحدة هرباً من انتفاضة 2011م، مثلما استدعوا سابقاً تدخُّل قطر وليبيا للتوسط لإنهاء الحروب مع جماعة الحوثي؛ ثم عادوا لاتهامهما بدعمهم، مثلما أباحوا البلاد للطائرات دون طيار منذ عام 2002م حين كانت المعضلة في إطار الاحتواء الممكن، وعادوا الآن ليتباكوا على السيادة في ظل تركتهم القاصمة، مثلما استجدوا تدخُّل إيران للدخول في حلبة الصراع بكثرة اتهامها دون دليل. 
عامان كانا كافيين لاسترجاع عقول من فقدوها، لكنهم زادوا تطاولاً في مراهقاتهم ومغامراتهم حتى غدت تهدّد العالم، ونحن بلا شك أولى بالحرص على بلدنا؛ إذ صار منبعاً وعمقاً لذلك التهديد، لكننا جُبِلنا على السخط واستجداء المثالية في بلد بات على شفير الهاوية. 
وهنا فإن الأولوية المطلقة لاستدعاء كل أدوات الضغط المتاحة لإنقاذ الدولة والمواطن من أفاعيل العصابات والقتلة والمرتزقة، المتغوّلين في مفاصل البلاد قتلاً وسلباً وهتكاً لما تبقّى من شكل الدولة قبل غيرها من يريدون سيادة الغاب. 
لطالما انتُقد مجلس الأمن وشُتِم مبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر بعد كل تقرير يقدّمه إلى المجلس؛ إذ لا يتضمّن إشارة إلى أسماء المعرقلين والمعطلين للعملية السياسية، ولا يفرض عقوبات بحقهم، أما وقد جاء القرار متأخراً بعامين وأكثر على بدء مراقبة الحالة في اليمن، فهذا يعني أن المجلس بات مقتنعاً أنه منح اليمنيين نظاماً وأفراداً وجماعات وميليشيات فرصة ودعماً كبيراً لانتشال دولتهم من منحدر الانهيار، وللعمل معاً لسد الفراغ الذي خلّفوه في إدارتها وعلاقتهم بها. 
انتهى الحوار، رغم المآخذ والملاحظات على مخرجاته، وكان مفترضاً أن يدشّن مرحلة جديدة لبناء الدولة بتعاون كافة الأطراف، لكن تجار الحروب وأمراءها وبعض الأطراف السياسية الأخرى استمرأت ضعف الدولة المثقلة بعقود من الفساد والاستبداد وحكم الأفراد وغياب دولة المؤسسات ومعها الكفاءة والفعالية؛ استمرأت القوة والسلاح والعصبيات المقيتة. 
تراكمت المقامرات ولم يعد ممكناً أمام المجتمع الدولي أن يترك البلد ينفلت أمام عينيه لتحكمه الميليشيات وأمراء الحروب ويصبح مصدر تهديد للأمن والسلم الدوليين، والذي لن يكون كذلك إلا بعد أن يصبح بلداً غير مهيّأ لعيش أبنائه. 
النظام السياسي برمته هو الآخر معني بتنفيذ القرار؛ ولن يكون في مأمن من تبعاته إذا ما أخفق في تنفيذ الالتزامات ووضع لبنات بناء دولة محترمة تكون ضامناً لأمن اليمن أولاً والعالم ثانياً، وقد تم الإشارة إليه على خلفية أحداث العنف في الضالع. 
مجلس الأمن لا يمزح، وثمة أطراف انتهازية تتبادل الأدوار، وينبغي ألا تكون اليمن مسرحاً تتقاطع فيه مصالحها كما هو الحال في سوريا، لدينا أساس نبني عليه، وعلى الجميع أن يعي خطورة المرحلة ويستثمر العامل الدولي لبناء الدولة، وسحب عامل الخطورة على أبناء الوطن، فهم أولى بالأمن والاستقرار. 
أصحاب القرار السياسي أو مراكز القوى التقليدية والحديثة والملحقون بهم من جنرالات وشخصيات سياسية ودينية وأحزاب بأجنحة مسلّحة وميليشيات بأذرع سياسية معنيون بتغيير نهجهم، والتخفّف من نهج وسلوك وأطراف العنف خلال المرحلة المقبلة، وإنقاذ أنفسهم واليمن باستثمار الفرصة والحرص على المسؤولية والتنفيذ النزيه والمسؤول لهذا القرار لمصلحة البلاد التي تتحقّق في إطارها مصالحهم أيضاً. 
القرار يتيح فرصة كبيرة لتصحيح المسار؛ إذ سيراقب الفترة القادمة، ويرصد المراهقين والمعطّلين فيها، ثمة فرصة كبيرة لإثبات حسن النوايا، عوضاً عن النواح وتضليل الناس والرأي العام بوضع اليمن تحت الوصاية الدولية، وعلى الجميع أن يتعاملوا بحسن نوايا معها؛ إذ أن تضييعها سيكلّف البلاد كثيراً. 
أما وقد أصبح القرار أمراً واقعاً، فبإمكان أصحاب القشّ على الرؤوس تفويت الفرصة.. عليهم التخفُّف قليلاً من بعض أنانيتهم وفهلوتهم ووحشيتهم وسعيهم الحثيث إلى بناء دويلاتهم الخاصة على حساب الوطن، سيكون بإمكانهم ألا يخسروا أنفسهم ومصالحهم، ومعها يكسبون وطناً ودولة يعيش في ظلّها الجميع. 
 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي