محمد رسول الله مؤسس الفيدرالية

أ.د/ محمد احمد السعيدي
الخميس ، ٢٠ فبراير ٢٠١٤ الساعة ١١:٣٢ مساءً
لازلنا نسمع العديد من الأصوات التي تبدي تخوفها أو عدم إرتياحها أو شكها بالحكم الإتحادي (الفيدرالي ) بإعتباره مجرد تقليد غير ضروري لدول غربية ، فضلاً عما قد يترتب  عليه من عواقب ليس أقلها إحتمال أن يكون مقدمة للتفتت والتشرذم بحسب تصور البعض رغم كثرة ما طرح من تحليلات مؤيده لهذا النظام .
وقد كنت ممن ساهم بدراسة بعنوان ((شكل الدولة ونظام الحكم)) قدمتها لمؤتمر الحوار في بداية أعماله ، ونشرت في صحيفة 26 سبتمبر وبعض المواقع الإخبارية ، توصلت فيها إلى نتيجة مؤداها أن النظام الإتحادي يعد النظام الأفضل إذا تم تطبيقه بالشكل الأمثل . معتمداً في ذلك على دراسات لي سابقة عن الحضارة البشرية ، كما اقترحت فيها تطبيق النظام الرئاسي بإعتباره الأمثل في حالة اليمن .
ومع استمرار إحتدام النقاش للتشكيك في هذا النظام عدت  لدراسة الموضوع من جديد معتمداً هذه المرة على المصادر الإسلامية ، فقادني البحث إلى نتيجة قد يعجب لها الكثير ألا وهي أن الدولة الإسلامية ذاتها قد أسسها سيد خلق الله نبي الهدى محمد(صلى الله عليه وسلم) في شكل دولة إتحادية (فيدرالية) .
ففي معرض تحليله للمبادئ التي تضمنها دستور المدينة المنورة(النواة الأولى للدولة الإسلامية)الذي خطه سيدنا محمد(صلى الله عليه وسلم) يستنتج الأستاذ الدكتور حسين مؤنسي أعظم علماء الحضارة الإسلامية (في حدود معرفتي المتواضعة) في كتاب له بعنوان((عالم الإسلام)) يستنتج أن نظام الحكم في المدينة المنورة اتحادي أو ما يسمى في مصطلح اليوم فيدرالي. بمعنى انه يتكون من وحدات كل وحده منها مستقلة في إدارة شئونها الداخلية ، أما الإتحاد بينها فيكون في مسائل الدين وحمايته ونشره وتطبيق شريعته ومبادئه الأخلاقية ، وكذا في شئون الدفاع والحرب والسلم ، أي العلاقات الخارجية .
فبحسب الدكتور حسين مؤنسي أن نواة الأمة الإسلامية تتكون من تسع وحدات، واحده منها إجتماعية وهم المهاجرون، والثمان الباقية وحدات قبليه من أهل المدينة مابين اوس وخزرج وغيرهم ، وكل وحدة من هذه الوحدات تدخل الجماعة بنظامها الداخلي الخاص بها (على ربعتهم ) وهم  يقومون بمسئولياتهم وإدارة شئونهم الإقتصادية والإجتماعية متعاونين فيما بينهم .وأساس التنظيم الداخلي لكل وحده هو العرف الجاري والعدل والمساواة بين أفرادها .
اذ وقع خلاف بين نفر من أعضاء الجماعة ولم يستطيعوا الوصول إلى حل أو إتفاق فلا بد لهم من أن يعرضوا الأمر على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ليقضي فيه بأمرالله ، والمادة (61)من الدستور تقول أنه إذا وقع  بين أهل هذه الصحيفة حدث أو شجار خطير فإن الفصل فيه يكون لمحمد (صلي الله عليه وسلم ) أي لرئيس الجماعة .وهذه المادة خطوه بعد المادة (28)الواردة في الجزء الأول .فهي تحدد إلتزام أفراد الجماعة بعرض القضايا الهامة ونقط الخلاف التي يخشى أن تؤدى إلى ضرر للجماعة كلها على رئيس الجماعة (رئيس الدولة )تحديداً دقيقاً)).
كما أكد الدستور أن الأمة وحدة متماسكة وهي في مجموعها مسئولة عن الأمن الداخلي، فلا بد لها من محاسبة كل معتد أو مفسد من بين أعضائها ،ولو كان ولد واحد منهم وأن سلم الأمة كلها واحد فلا يعقد مسلم أو قبيلة داخلة في الأمة سلماً منفرداً في حالة حرب ولا يتم السلم إلا بناءاً على إتفاق المسلمين . وإن دخل المسلمون حرباً أو وقع عليهم إعتداء وأصيب بعضهم ، فإن الأمة كلها تتعاون في تحمل التبعات وتعويض الخسائر .
وقد وعدت المجموعات اليهودية التي بقت في المدينة أمة مع المسلمين ،أي جزء من الأمة .ولكنهم يحتفظون بدينهم حيث نصت المادة (30) من دستور المدينة  على ((لليهود دينهم وللمسلمين دينهم )) وذلك يقرر مبدأ الحرية الدينية داخل الجماعة بأوضح صورة .
وربما لو تعمق المتخصصون في دراسة تاريخ الحضارة اليمنية  القديمة لوجدوا فيها أصل أو الجذور الأولي للنظام الإتحادي . فما وصلنا من أخبار تدل على أن اليمن كانت مكونة من مخاليف يرأس كل منها قيل وكل مخلاف مكون من عدة قبل  ومناطق وكان هناك مجلس يتكون على الأغلب من الأقيال وكبار رجالات الدولة والحكماء .  درج علماء التاريخ والفقه على إعتباره مجرد مجلس للشورى في أخف وأبسط معانيها .
ورغم أن الأمر ليس ضمن إختصاصى ولكن المنطق عندي يقتضي أن المجلس هذا له دلالة تتخطى ما درج على إعتباره مجرد جهاز استشاري.فهو يختص بأمور أكبر بكثير من مجرد إبداء رأى وتقديم مشورة ويتجاوزها إلي اختصاصات  تشريعية (حق إصدار القوانين بمنطق العصر ) بل ربما قضائية أيضاً. فالخالق جل وعلى بقدرته في محكم كتابه قد ذكر الشورى في مواطنها ((وأمرهم شورى بينهم )) ولكنه جل وعلا عندما ذكر قوم سبأ إستخدم تعبيراً هو بالتأكيد يعلو بمراتب على مفهوم الشورى ألا وهو الفتوى.حيث قال في محكم آياته (( قالت ياأيها الملأ افتوني في امري ماكنت قاطعة أمراً حتى تشهدون ))آيه (32)  سورة النمل .
  فالشورى لا تعدو كونها تقديم رأي في موضوعات بسيطة أواختيار بديل من البدائل مطروحة ومعروفة غير معقده أومخفية بينما الفتوى تقتضي إعمال الفكر وإستخدام العقل الراجح بالبحث والاستقصاء والتحري ومضاهاة بصماتها على أحكام مماثلة لها إن أمكن التوافق، أومراعاة مجاراتها للواقع العقلي والتصور المنطقي دون شطط أو مغالاة للوصول إلى أحكام أو قوانين ونظم أو مفاهيم جديدة تراعي المتغيرات وتستوجب البحث عنها وعن موقف الشرع القائم والدين من كيانها الجديد .
 
ومن له حق الفتوى يمتلك حق إستنباط إصدار الأحكام والقوانين والنظم.فعن أم المؤمنين .عائشه رضى الله عنها قالت كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) إذا  ما خير بين شيئين  اختار ايسرها على الأمة ) ولما ذهب أحد الصحابة إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال له ((يارسول الله أترى إذا احللت الحلال وحرمت الحرام أأدخل الجنة؟ قال :   نعم ) .
والآية رقم (28) من نفس السورة تعزز ما وصلنا إليه من استنتاج ولنقرأ سوياً هذه الآية الكريمة ( اذهب بكتابي هذا  فالقه إليهم ثم تول عنهم  فأنظر ماذا يرجعون ) إذاً فالخالق جل وعلا استخدم تعبير فالقه  إليهم ولم يقل فالقه إليها . وهذا تأكيد آخر من المولى جل وعلا   إننا أمام دولة يتخذ فيها القرار بشكل جماعي .مخالف تماماً لغيرها من ممالك القهر والتسلط والاستبداد والتي يكون زمام الأمر في قبضة الحاكم الفرد. ففي حالة كهذة الأخير التعبير يختلف ويكون موجهاً للحاكم الفرد الذي يملك لوحده القرار وتصبح صيغة الأمر (اذهب إلى فرعون ) وليس إليهم .
وسواء كان قصب السبق لاجدادنا ألمسلمين  أم لأجدادنا الأوائل بناة الحضارة قبل ظهور الإسلام،فالنتيجة لاتخرج عن كون نظام الحكم الفيدرالي أوالإتحادي هو نبتة هذة بيئتنا الذي نشأ فيها، وبالتالي فهو حق أصيل لنا وللأجيال القادمة وليس صحيحاً أنه غرسة غربية عن بيئتنا غير مجربة تم استيرادها من الغرب لغرض تفتيت  المفتت وسنكون أقدر من غيرنا على استلهام أو تمثل قيمها و مرتكزاتها .
ودليل آخر يمكن الاستدلال منه على استفادة الغرب من تراثنا الإداري لازال ظاهر للعيان في شكل بعض المصطلحات أو المسميات للمناصب الإدارية . ففي امريكا على سبيل المثال يطلقو على ما نسميه الآن مدير ناحية يطلقون عليه إسم عربي وهو ((مير)) واصله    ( أمير ) بالعربية كما يطلقوا على مدير قسم الشرطة إسماً عربياً هو ((شريف ).
وما دمنا بصدد العودة إلى تطبيق النظام الاتحادى الذي كان أجدادنا السباقين لتطبيقه أو كانوا أصحاب الفضل في ابتكاره فمن المنطقي أن تستخدم ذات المسميات التي  استخدمها اجدادنا وذلك بأن يتكون اليمن الاتحادي من ستة مخاليف بدلا من استخدام الأقاليم ويكون المخلاف مكوناً من محافظات تتكون كل محافظة من نواحى بدلاً من مديريات وبهذا أناشد فخامة الأخ الرئيس أن يأخذ هذا الأمر بعين الإعتبار . 
كما أناشد فخامته أن يولي اهتمام خاص لأن تكون الدولة الاتحادية رشيقة بقدرالإمكان فلا يسمح بترهل الدوله باستمرار ثقافة الإرضاء والمحاصصه والنفعية بالإسراف في خلق وظائف غير ذات قيمة في هياكل الدولة سواء على المستوى المركزي أو على مستوى الأقاليم .
كما اتمنى من فخامة الرئيس واعضاء لجنة الدستور ان لا يغيرو اسم الجمهورية عن الاسم الذى الفناه منذ قيام الوحدة . فتغير شكل الدوله الى اتحادي يتم بنص مواد الدستور وليس باسم الدولة .واوضح مثال على ذلك الولايات المتحدة الأمريكية . فرغم انها دولة اتحادية مكونة من ولايات الا ان الاسم اطلق عليها متحدة واما اسم الجمهورية اليمنية فهو حل افضل بكثير لانه لم يذكر متحدة . على ان تغير اتحادى قد يخلق بعض اللغط .فهو قد يطلق على الشكل الكنفدرالي والذي يبعد كثيراً عما نرجوه لبلادنا .
 
والله ولي الهدايه والتوفيق،،،
الحجر الصحفي في زمن الحوثي