الثورة التي لم تكتمل والغباء السياسي

نادية عبدالعزيز السقاف
الخميس ، ١٣ فبراير ٢٠١٤ الساعة ٠٢:٢٦ مساءً
احتفت اليمن هذا الأسبوع بذكرى انطلاقة ثورة التغيير في 11 فبراير 2011 والتي انتهز فيها اليمنيون فرصة تاريخية لحل مشكلة مؤجلة لمدة سنوات. 
هذه الفرصة فرضت نفسها على الواقع في ذلك العام بالرغم من أن العوامل المساعدة كانت ولا تزال إلى حد كبير متوفرة قبلها بسنوات. بل إنه من المفترض إذا كانت المسألة حسابية بحتة مبنية على حقائق واقعية أن تثور اليمن شعباً ومؤسسات بل حتى الشجر والحجر منذ سنوات عديدة ولا تنتظر الربيع العربي القادم من غرب جزيرة العرب، بالذات لأن التعددية الحزبية والمعارضة كانت واقعاً مفروضاً وحركات المجتمع المدني قوية إلى حد كبير، بدليل تسمية الساحة الواقعة بين مجلس الوزراء ووزارة الإعلام سابقاً “ساحة الحرية”. 
فقد كانت هذه الساحة منذ 2007 ملجأً لكل الناشطين والمتضررين وفيها بدأت الاعتصامات والمظاهرات قبل أن تفكر تونس مجرد التفكير في عمل مسيرات أو اعتصامات. 
ولكن الله يفعل ما يريد والتدابير الإلهية تبقى في علم الغيب ولا ندري لماذا لم يثر اليمنيون قبل 2011. التدابير الإلهية أيضاً هي التي ارتأت أن لاتكتمل ثورة اليمنيين بالرغم من أنها كانت أطول وأعمق من ربيع تونس أو ذاك في مصر. 
وكان من رحمة الله أن لا ينتهي بنا المآل مثل شقيقتنا سوريا واستطعنا في نهاية المطاف الوصول إلى تسوية سياسية كانت بمثابة تأجيل للثورة وحل وسط بين النظام السابق والمعارضة السابقة. وكانت المعادلة بالنسبة لليمن أن لايَحِل نظام بدل آخر بل أن يتقاسم الجميع السلطة، ووصلنا إلى وضع أصبح فيه الجميع في الحكم وخلت الساحة مؤقتاً من أحزاب أو مكونات معارضة. 
ولكن لما لم يستطع الشركاء الجدد العمل معاً وأبطنوا ما لم يظهروا اختلت الموازين من جديد وظهرت قوى معارضة أخرى بعضها تريد حصتها من السلطة وأخرى انتهزت الفوضى وغياب الدولة لتُحكِم قبضتها على الأرض والبشر وتنفذ أعمالها الإرهابية باسم الدين. 
وهكذا خلت اليمن من المعارضة الحقيقية والتي تمثل الشعب. فلايوجد اليوم برلمان حقيقي يستطيع أن يمثل مصالح اليمنيين بصدق. حتى الإعلام والمجتمع المدني الذي يُعوَّل عليه أن يكون الحارس الأمين لمصالح الشعب في المراحل الانتقالية كالتي نمر بها اليوم أغلبهُ مُسيس ومُخترق وأكثرُ الذين يعملون في هاذين القطاعين للأسف ذممهم رخيصة تشترى ومنابرهم بالقليل. 
فماذا بعد؟ 
لدينا منهجٌ واضح نحاول من خلاله أن ننتقل من ماضٍ رفضناه كشعب مطالب بالتغيير إلى مستقبل ديمقراطي تسود فيه العدالة ويكون فيه الوطن ملكاً للجميع. لكن من لا يقرأ الماضي لايمكنه أن يبني المستقبل، ولذا نجد أننا كثيراً ما نكرر أخطاءنا. فالحملات الإعلامية المنتشرة اليوم والتي تؤجج الكراهية وتبث القلق في الناس أكبر دليل على غباء اجتماعي مُطلَق تُعانيه أغلب المؤسسات الإعلامية والحزبية في اليمن. 
فمراجعة بسيطة للماضي القريب ستجعلنا نتذكر كيف بدأت أحداث 2011 في اليمن وكيف استطعنا كشعب أن نكسر صنمية الحاكم ونعيش التغيير الذي قبل أشهر بسيطة من الربيع العربي كان حلماً بعيداً. 
سياسيو اليوم يكررون نفس أساليب الماضي الإقصائية والهجومية، يبنون مجدهم ليس على أُسس قوتهم بل عن طريق الهدم والتقليل من الآخرين، ناسين أو متناسين أن هذه الأساليب ـ وإن نجحت على المدى القريب ـ لن تخدم مصالحهم بشكل حقيقي بل هي كمن يثقب السفينة التي يبحر عليها الجميع لمجرد النكاية بالآخر. 
كل داء له دواء إلا الغباء! والغباء السياسي الذي نشاهده اليوم أسوأ أنواع الغباء لأنه يلبس عباءة الحكمة متصنعاً الذكاء. 
لكن في الأخير العبرة بالخواتم، والشعب ليس غبياً ولا ينسى بسهولة بل لديه اليوم القدرة على الوصول إلى تفاصيل الصفقات السياسية التي كانت تبقى في الماضي محصورة في الغرف المغلقة. حتى العالم الخارجي صار أكثر ذكاء ومعرفة بالكروت التي يلعبها السياسيون اليمنيون ولم تعد تنطلي عليهم الحيل المختلفة المستجدية للدعم باسم مكافحة الإرهاب أو غيره. 
ومالم يصحح سياسيو اليوم طريقتهم في العمل ستولد ثورة التغيير من جديد وسيأتي يوم يأنِ لأبي حنيفة أن يمد رجليه بل ويستخدمهما لركل السياسيين الحمقى ركلة تدفعهم خارج اليمن إلى آخر العالم. 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي