هل إلى مرد الثورة من سبيل..؟!

د. عبدالله الذيفاني
الثلاثاء ، ١١ فبراير ٢٠١٤ الساعة ٠٥:١٦ مساءً
إن المناسبة التي نحتفي بها فوق كل الكلمات؛ فهي ذكرى لثورة نبيلة انطلقت من هذه المحافظة تحمل قيماً سامية أصلها ثابت وفرعها في السماء، تنقش في ذاكرة التاريخ وذاكرة الشعب في اليمن وأجياله أرقى فعل ثوري مارسه الإنسان للتعبير عن إرادة التغيير، ذكرى تذكّرنا بحجم العطاء والتضحية للأكرم منا جميعاً الشهداء الذين ارتقوا وهم يحملون راية ثورتنا، ثورة الحادي عشر من فبراير، الثورة التي انطلقت لتعيد إلى سبتمبر وأكتوبر رونقهما، وتعيد القوى السياسية والاجتماعية إلى مسارها الصحيح، مسار الدولة المدنية. 
إن ثورة فبراير أيقظت كل اليمانيين على فجيعة كبرى، تمثّلت في أن الدولة مسمّى لا حقيقة لها في الواقع، فقد كشفت الثورة عن أمن غير مؤسسي لا يمتلك ما يمكنه من بسط الأمن، فالقوة الواضحة لم تكن مع الأمن قدر وقوعها في أيدي عصابة، وبالمثل كشفت الثورة عن جيش منقسم وموزّع الولاءات، يفتقد إلى الإرادة والعقيدة العسكرية والانتماء إلى وطن وسيادة مؤسسية، كما كشفت عن برلمان لا حول له ولا قوة يُحرّك ولا يتحرك، كما أظهرت للملأ أن الدولة ـ إذا جاز التعبير ـ كيان كرتوني في سياق أكذوبة كبرى لقيادة تمرّغت في الفساد والإفساد، ووضعت الوطن وموارده في جيوبها، وأخرجته من وعيها إلى زوايا مظلمة تديره بعقل عائلي وبعصابة سقطت قيمياً في وحل الخيانة والتآمر والتجرد من كل معاني الانتماء، وأخلاقياته الدينية والسياسية والوطنية بكل تجلياتها ومعانيها، وما فضائح «الغاز» إلا واحدة من تلك الأفعال غير القيمية والمتاجرة الوضيعة بثروة أجيال. 
إن ثورة فبراير، ثورة يجب أن نفخر بها، ونعتز بفعلها الثوري، ونرتقي جميعاً إلى دلالاته ومعانيه السامية والنبيلة التي ترتفع عالياً، ولا يطالها إلا الكبار المتساقون القافزون على ذواتهم وأحلامهم الضيقة، والرافضون لراية التغيير من أجل الوطن وبنزوع وطني خالص لا يخالطه إثم المال المدنس ولا الدعم غير الأمين. 
 لقد ارتقى الشهداء إلى بارئهم وهم يلهجون باليمن واستحقاقه للتضحية، لإنقاذه من حاضر بئيس إلى غدٍ أجمل وخالٍ من الفساد والإفساد، وسلطة الآخر الذي استمر في اغتياله وإفساد مسيرته وإضعاف قدراته على السير نحو الدولة المدنية القادرة والضامنة للحقوق والحريات، والحامية للسيادة والمحققة للتنمية والأمن والاستقرار. 
إن الحديث عن ثورة فبراير ينبغي أن يكون حديث المنتمي لا حديث الوصي، الذي يعتقد أنه موكل وصاحب حق حصري فيها لا يجوز لغيره التطاول، وعليه أن يطيع ويسير في درب الوصي وإلا اعتبر خائناً وبائعاً للثورة. 
 إن هذا الخطاب ينمُّ عن ذاتية متضخّمة لا تستقيم جملة وتفصيلاً مع الفعل الثوري المتسامي الذي يأتي في أساسه وغراسه من أجل الآخرين؛ وليس لذات أحلامها تختلط بمنافع لا يطلبها الثائر الذي يجود بنفسه ودمه ليهنأ غيره بحياة كريمة. 
إن الثائر هو ذلك الذي تقرُّ عينه حين ينعم غيره بنتاج فعله، وحين تتحقق المصالح العليا، ويعم الوطن السلام والتعايش، الثائر ليس ذلك الذي يبحث عن زوايا الاختلاف ونقاط الفُرقة ليوسّعها ويبني عليها ليقول إنه الأطهر والأنقى ومن ثم فهو الأجدر بقيادة الثورة، الثورة تعزّز قياداتها وتفرض قيمها ولا تنتظر من يبرم شعارات ليذيّلها بالثورة ويذرف عليها دموع التماسيح. 
إنه من غير المقبول من أي طرف كان الادعاء بامتلاكه قرار الثورة وإرادة الثوار، إذ لا يمكن أن يتوافر لشخص أو جماعة أو حزب أو منظمة أن تجمع في رؤيتها ومسلكها وإرادتها كل ما يريده الثوار وما خرجت من أجله الثورة، من هنا فالثورة ملك كل الثوار، وحق أصيل لشهدائها الأبرار وجرحاها الكرام الذين جميعهم نزفوا دماً وعرقاً وجراحات على محرابها ولقدسية ما خرجوا إليه مع كل رفاق ثورتهم، وهو حق مكتسب لكل ثائر منتمٍ إلى الثورة إرادة وسلوكاً وممارسة يعبّر عنها بحرص ويحميها بحق، ويعمل على أن تبلغ أهدافها مع كل قوى الثورة دونما انحياز أو تمييز، فالثورة مازالت في مسارها تتلمّس نهايات حقيقية تستوعب أهدافها، وتتمثّل قيمها وتترجم طموحات الثائرين جميعهم، ومن ثم فاللحظة تستدعي اللُحمة ولا تطلب اللَحمة والكباب وموائد اللئام ومغانم السوقة وأصحاب الكروش الكبيرة والرؤوس الخارجة عن الوطن والثورة. 
إن الثورة اليوم في أمسِّ الحاجة إلى رص الصفوف والوقوف بمسؤولية في مواجهة كل ما يخطّط للانقضاض على الثورة والجمهورية ومكتسباتهما الأغلى المتمثلة بشباب الثورة ومناضليها من الشيوخ الذين ألفوا الثورة وتشكّلوا بها. 
فهل يعي كل صوت يرتفع هنا أو هناك أنه يحدث شرخاً عميقاً في جدار الثورة، وتصدعاً في بنيانها القيمي، وبما يفسح مجالاً لأعداء الثورة وخصومها أن ينسلّوا ويعملوا من الداخل في توسيع الشرخ وتمكينه من الانتشار ليأتي على الثورة وما خرجت لأجله من قيم وطموحات. 
إننا ننصح كل الأصوات أن تغرب، ويسعى أصحابها إلى الحوار والتفاهم وتجاوز مواطن الاختلاف إن كانت حقيقية لصالح الثورة التي يدّعي الجميع وصلاً بها، فهل نحن منتهون عن اللغو في الثورة وتبادل الاتهام في رجالاتها وشبابها وقواها، وهل إلى مردّ الثورة من سبيل بعيداً عن كل حسابات الدنيا الرخيصة، واعتبارات الأنفس المريضة، وأفعال الباحثين عن الشهرة والمجد الزائفين على حساب الحقائق القائمة على الأرض والمترجمة بالتضحيات والساحات.. 
والله من وراء القصد.. 
الحجر الصحفي في زمن الحوثي